وأيضا : فقد دل الكتاب في قوله تعالى :
[ ص: 195 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=236لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة )
[ البقرة : 236 ] ، والسنة في حديث
بروع بنت واشق ، وإجماع العلماء : على جواز
nindex.php?page=treesubj&link=11428عقد النكاح بدون فرض الصداق . وتستحق مهر المثل إذا دخل بها بإجماعهم ، وإذا مات عند فقهاء الحديث ،
وأهل الكوفة المتبعين لحديث
بروع بنت واشق ، وهو أحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . ومعلوم أن مهر المثل متقارب لا محدود ، فلو كان التحديد معتبرا في المهر ما جاز النكاح بدونه ، كما رواه
أحمد في المسند عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003990أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره ، وعن nindex.php?page=treesubj&link=24028_4800بيع اللمس والنجش وإلقاء الحجر " . فمضت الشريعة بجواز النكاح قبل فرض المهر ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=6122الإجارة لا تجوز إلا مع تبيين الأجر ، فدل على الفرق بينهما .
وسببه : أن المعقود عليه في النكاح - وهو منافع البضع - غير محدودة ، بل المرجع فيها إلى العرف ، فلذلك عوضه الآخر ; لأن المهر ليس هو المقصود ، وإنما هو نحلة تابعة . فأشبه الثمر التابع للشجر في البيع قبل بدو صلاحه . ولذلك لما قدم
وفد هوازن على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وخيرهم بين السبي وبين المال فاختاروا السبي ، قال لهم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003991إني قائم فخاطب الناس ، فقولوا : إنا نستشفع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين ، ونستشفع بالمسلمين على رسول الله . وقام فخطب الناس ، فقال : إني قد رددت على هؤلاء سبيهم ، فمن شاء طيب ذلك ، ومن شاء فإنا نعطيه عن كل رأس عشر قلائص من أول ما يفيء الله [ ص: 196 ] علينا " . فهذا معاوضة عن الإعتاق ، كعوض الكتابة بإبل مطلقة في الذمة ، إلى أجل [متفاوت] غير محدود . وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في حديث
خيبر nindex.php?page=hadith&LINKID=16003992أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاتلهم حتى ألجأهم إلى قصرهم ، وغلبهم على الأرض والزرع والنخل ، فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصفراء والبيضاء والحلقة وهي السلاح ، ويخرجون منها . واشترط عليهم أن لا يكتموا ، ولا يغيبوا شيئا ، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد .
فهذا مصالحة على مال متميز غير معلوم . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003993صالح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل نجران على ألفي حلة : النصف في صفر ، والبقية في رجب ، يؤدونها إلى المسلمين ، وعارية ثلاثين درعا ، وثلاثين فرسا ، وثلاثين بعيرا ، وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها ، والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم ، إن كان باليمن كيد أو غارة " رواه
أبو داود .
فهذا مصالحة على ثياب مطلقة معلومة الجنس ، غير موصوفة بصفات السلم . وكذلك عارية خيل وإبل وأنواع من السلاح مطلقة غير موصوفة عند شرط ، قد يكون وقد لا يكون .
فظهر بهذه النصوص أن العوض عما ليس بمال - كالصداق والكتابة والفدية في الخلع ، والصلح عن القصاص والجزية والصلح مع أهل الحرب - : ليس بواجب أن يعلم ، كما يعلم الثمن والأجرة .
[ ص: 197 ] ولا يقاس على بيع الغرر كل عقد على غرر ; لأن الأموال إما أنها لا تجب في هذه العقود ، أو ليست هي المقصود الأعظم منها ، وما ليس هو المقصود إذا وقع فيه غرر لم يفض إلى المفسدة المذكورة في البيع ، بل يكون إيجاب التحديد في ذلك فيه من العسر والحرج المنفي شرعا ما يزيد على ضرر ترك تحديده .
وَأَيْضًا : فَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
[ ص: 195 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=236لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً )
[ الْبَقَرَةِ : 236 ] ، وَالسُّنَّةُ فِي حَدِيثِ
بروع بنت واشق ، وَإِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ : عَلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=11428عَقْدِ النِّكَاحِ بِدُونِ فَرْضِ الصَّدَاقِ . وَتَسْتَحِقُّ مَهْرَ الْمِثْلِ إِذَا دَخَلَ بِهَا بِإِجْمَاعِهِمْ ، وَإِذَا مَاتَ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ ،
وَأَهْلِ الْكُوفَةِ الْمُتَّبِعِينَ لِحَدِيثِ
بروع بنت واشق ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ مُتَقَارِبٌ لَا مَحْدُودٌ ، فَلَوْ كَانَ التَّحْدِيدُ مُعْتَبَرًا فِي الْمَهْرِ مَا جَازَ النِّكَاحُ بِدُونِهِ ، كَمَا رَوَاهُ
أحمد فِي الْمُسْنَدِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003990أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ اسْتِئْجَارِ الْأَجِيرِ حَتَّى يُبَيَّنَ لَهُ أَجْرُهُ ، وَعَنْ nindex.php?page=treesubj&link=24028_4800بَيْعِ اللَّمْسِ وَالنَّجَشِ وَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ " . فَمَضَتِ الشَّرِيعَةُ بِجَوَازِ النِّكَاحِ قَبْلَ فَرْضِ الْمَهْرِ ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=6122الْإِجَارَةَ لَا تَجُوزُ إِلَّا مَعَ تَبْيِينِ الْأَجْرِ ، فَدَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا .
وَسَبَبُهُ : أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ - وَهُوَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ - غَيْرُ مَحْدُودَةٍ ، بَلِ الْمَرْجِعُ فِيهَا إِلَى الْعُرْفِ ، فَلِذَلِكَ عَوَّضَهُ الْآخَرُ ; لِأَنَّ الْمَهْرَ لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودُ ، وَإِنَّمَا هُوَ نِحْلَةٌ تَابِعَةٌ . فَأَشْبَهَ الثَّمَرَ التَّابِعَ لِلشَّجَرِ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ . وَلِذَلِكَ لَمَّا قَدِمَ
وَفْدُ هَوَازِنَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَخَيَّرَهُمْ بَيْنَ السَّبْيِ وَبَيْنَ الْمَالِ فَاخْتَارُوا السَّبْيَ ، قَالَ لَهُمْ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003991إِنِّي قَائِمٌ فَخَاطِبٌ النَّاسَ ، فَقُولُوا : إِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَنَسْتَشْفِعُ بِالْمُسْلِمِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ . وَقَامَ فَخَطَبَ النَّاسَ ، فَقَالَ : إِنِّي قَدْ رَدَدْتُ عَلَى هَؤُلَاءِ سَبْيَهُمْ ، فَمَنْ شَاءَ طَيَّبَ ذَلِكَ ، وَمَنْ شَاءَ فَإِنَّا نُعْطِيهِ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ عَشْرَ قَلَائِصَ مِنْ أَوَّلِ مَا يَفِيءُ اللَّهُ [ ص: 196 ] عَلَيْنَا " . فَهَذَا مُعَاوَضَةٌ عَنِ الْإِعْتَاقِ ، كَعِوَضِ الْكِتَابَةِ بِإِبِلٍ مُطْلَقَةٍ فِي الذِّمَّةِ ، إِلَى أَجَلٍ [مُتَفَاوِتٍ] غَيْرِ مَحْدُودٍ . وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ فِي حَدِيثِ
خَيْبَرَ nindex.php?page=hadith&LINKID=16003992أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاتَلَهُمْ حَتَّى أَلْجَأَهُمْ إِلَى قَصْرِهِمْ ، وَغَلَبَهُمْ عَلَى الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَالنَّخْلِ ، فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يَجْلُوا مِنْهَا وَلَهُمْ مَا حَمَلَتْ رِكَابُهُمْ ، وَلِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّفْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ وَالْحَلْقَةُ وَهِيَ السِّلَاحُ ، وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا . وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَكْتُمُوا ، وَلَا يُغَيِّبُوا شَيْئًا ، فَإِنْ فَعَلُوا فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلَا عَهْدَ .
فَهَذَا مُصَالَحَةٌ عَلَى مَالٍ مُتَمَيِّزٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16003993صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ : النِّصْفُ فِي صَفَرٍ ، وَالْبَقِيَّةُ فِي رَجَبٍ ، يُؤَدُّونَهَا إِلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَعَارِيَةٍ ثَلَاثِينَ دِرْعًا ، وَثَلَاثِينَ فَرَسًا ، وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا ، وَثَلَاثِينَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ السِّلَاحِ يَغْزُونَ بِهَا ، وَالْمُسْلِمُونَ ضَامِنُونَ لَهَا حَتَّى يَرُدُّوهَا عَلَيْهِمْ ، إِنْ كَانَ بِالْيَمَنِ كَيْدٌ أَوْ غَارَةٌ " رَوَاهُ
أبو داود .
فَهَذَا مُصَالَحَةٌ عَلَى ثِيَابٍ مُطْلَقَةٍ مَعْلُومَةِ الْجِنْسِ ، غَيْرِ مَوْصُوفَةٍ بِصِفَاتِ السَّلَمِ . وَكَذَلِكَ عَارِيَةُ خَيْلٍ وَإِبِلٍ وَأَنْوَاعٍ مِنَ السِّلَاحِ مُطْلَقَةٍ غَيْرِ مَوْصُوفَةٍ عِنْدَ شَرْطٍ ، قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ .
فَظَهَرَ بِهَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ الْعِوَضَ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ - كَالصَّدَاقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْفِدْيَةِ فِي الْخُلْعِ ، وَالصُّلْحِ عَنِ الْقَصَاصِ وَالْجِزْيَةِ وَالصُّلْحِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ - : لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَنْ يُعْلَمَ ، كَمَا يُعْلَمُ الثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ .
[ ص: 197 ] وَلَا يُقَاسُ عَلَى بَيْعِ الْغَرَرِ كُلُّ عَقْدٍ عَلَى غَرَرٍ ; لِأَنَّ الْأَمْوَالَ إِمَّا أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ ، أَوْ لَيْسَتْ هِيَ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ مِنْهَا ، وَمَا لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودَ إِذَا وَقَعَ فِيهِ غَرَرٌ لَمْ يُفْضِ إِلَى الْمَفْسَدَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَيْعِ ، بَلْ يَكُونُ إِيجَابُ التَّحْدِيدِ فِي ذَلِكَ فِيهِ مِنَ الْعُسْرِ وَالْحَرَجِ الْمَنْفِيِّ شَرْعًا مَا يَزِيدُ عَلَى ضَرَرِ تَرْكِ تَحْدِيدِهِ .