فصل .
القاعدة الثالثة : في العقود والشروط فيها ، فيما يحل منها ويحرم ، وما يصح منها ويفسد . ومسائل هذه القاعدة كثيرة جدا .
والذي يمكن ضبطه فيها قولان ، أحدهما : أن يقال :
nindex.php?page=treesubj&link=27668_27608الأصل في العقود والشروط فيها ونحو ذلك : الحظر ، إلا ما ورد الشرع بإجازته . فهذا قول أهل الظاهر ، وكثير من أصول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة تنبني على هذا ، وكثير من أصول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأصول طائفة من أصحاب
مالك وأحمد . فإن
أحمد قد يعلل أحيانا بطلان العقد بكونه لم يرد فيه أثر ولا قياس ، كما قاله في إحدى الروايتين في وقف الإنسان على نفسه ، وكذلك طائفة من أصحابه قد يعللون فساد الشروط بأنها تخالف مقتضى العقد ، ويقولون : ما خالف مقتضى العقد فهو باطل ، أما أهل الظاهر فلم يصححوا لا عقدا ولا شرطا إلا ما ثبت جوازه بنص أو إجماع ، وإذا لم يثبت جوازه أبطلوه واستصحبوا الحكم الذي قبله ، وطردوا ذلك طردا جاريا ، لكن خرجوا في كثير منه إلى أقوال ينكرها عليهم غيرهم .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة فأصوله تقتضي أنه [ لا يصحح ] في العقود شروطا يخالف مقتضاها في المطلق ، وإنما يصحح الشرط في المعقود عليه إذا كان العقد مما يمكن فسخه ، ولهذا أبطل أن
nindex.php?page=treesubj&link=27668_26409_4906يشترط في البيع خيار ، ولا يجوز عنده
nindex.php?page=treesubj&link=4601تأخير تسليم المبيع بحال ، ولهذا منع
nindex.php?page=treesubj&link=6070بيع العين [ ص: 257 ] المؤجرة . وإذا ابتاع شجرة عليها ثمر للبائع فله مطالبته بإزالته . وإنما جوز الإجارة المؤخرة ؛ لأن الإجارة عنده لا توجب الملك إلا عند وجود المنفعة ، أو عتق العبد المبيع أو الانتفاع به ، أو أن يشترط المشتري بقاء الثمر على الشجر وسائر الشروط التي يبطلها غيره . ولم يصحح في النكاح شرطا أصلا ؛ لأن النكاح عنده لا يقبل الفسخ . ولهذا لا ينفسخ عنده بعيب أو إعسار أو نحوهما . ولا يبطل بالشروط الفاسدة مطلقا . وإنما صحح
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة خيار الثلاثة الأيام للأثر ، وهو عنده موضع استحسان .
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي يوافقه على أن
nindex.php?page=treesubj&link=27668كل شرط خالف مقتضى العقد فهو باطل ، لكنه يستثني مواضع للدليل الخاص . فلا يجوز شرط الخيار أكثر من ثلاث ، ولا استثناء منفعة المبيع ونحو ذلك مما فيه تأخير تسليم المبيع ، حتى منع الإجارة المؤخرة ؛ لأن موجبها - وهو القبض - لا يلي العقد ، ولا يجوز أيضا ما فيه منع المشتري من التصرف المطلق إلا العتق ، لما فيه من السنة والمعنى ، لكنه يجوز استثناء المنفعة بالشرع ، كبيع العين المؤجرة على الصحيح في مذهبه ، وكبيع الشجر مع استيفاء الثمرة مستحقة البقاء ونحو ذلك . ويجوز في النكاح بعض الشروط دون بعض ، ولا يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=11319اشتراطها دارها أو بلدها ، ولا أن [ لا يتزوج ] عليها ولا يتسرى ، ويجوز اشتراط حريتها وإسلامها . وكذلك سائر الصفات المقصودة على الصحيح من مذهبه ، كالجمال ونحوه . وهو ممن يرى فسخ النكاح بالعيب والإعسار ، وانفساخه بالشروط التي تنافيه ، كاشتراط الأجل والطلاق ونكاح الشغار بخلاف فساد المهر ونحوه .
[ ص: 258 ] وطائفة من أصحاب
أحمد يوافقون
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على معاني هذه الأصول ، لكنهم يستثنون أكثر مما يستثنيه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، كالخيار أكثر من ثلاث ، وكاستثناء البائع منفعة المبيع ، واشتراط المرأة على زوجها أن لا ينقلها ولا يزاحمها بغيرها ، ونحو ذلك من المصالح . فيقولون : كل شرط ينافي مقتضى العقد فهو باطل ، إلا إذا كان فيه مصلحة للمتعاقدين .
وذلك أن نصوص
أحمد تقتضي أنه جوز من الشروط في العقود أكثر مما جوزه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . فقد يوافقونه في الأصل ، ويستثنون للمعارض أكثر مما استثنى ، كما قد يوافق هو
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة في الأصل ، ويستثني أكثر مما يستثني للمعارض .
وهؤلاء الفرق الثلاث يخالفون أهل الظاهر ، ويتوسعون في الشروط أكثر منهم ، لقولهم بالقياس والمعاني وآثار الصحابة ، ولما يفهمونه من معاني النصوص التي ينفردون بها عن أهل الظاهر . وعمدة هؤلاء قصة
بريرة المشهورة . وهو ما خرجاه في الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها قالت : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004069جاءتني بريرة فقالت : كاتبت أهلي على تسع أواق ، في كل عام أوقية ، فأعينيني ، فقلت : إن أحب أهلك أن أعدها لهم ، ويكون ولاؤك لي فعلت . فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها ، فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت : إني قد عرضت ذلك عليهم ، فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء ، فأخبرت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق . ففعلت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد : ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ؟ ! ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط . قضاء الله أحق ، وشرط الله أوثق ، وإنما الولاء لمن [ ص: 259 ] أعتق " . وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004070اشتريها فأعتقيها ، وليشترطوا ما شاءوا . فاشترتها فأعتقتها واشترط أهلها ولاءها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الولاء لمن أعتق ، وإن اشترطوا مائة شرط " . [ وفي لفظ ] : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004071شرط الله أحق وأوثق " . وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004072أن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أم المؤمنين nindex.php?page=treesubj&link=26204_33631أرادت أن تشتري جارية لتعتقها ، فقال أهلها : نبيعكها على أن ولاءها لنا ؟ فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا يمنعنك ذلك ، فإنما nindex.php?page=treesubj&link=26204الولاء لمن أعتق " . وفي
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004073أرادت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن تشتري جارية فتعتقها ، فأبى أهلها إلا أن يكون لهم الولاء . فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا يمنعك ذلك ، فإنما الولاء لمن أعتق .
ولهم من هذا الحديث حجتان :
إحداهما : قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004074ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل . فكل شرط ليس في القرآن ولا في الحديث ولا في الإجماع ، فليس في كتاب الله ، بخلاف ما كان في السنة أو في الإجماع ، فإنه في كتاب الله بواسطة دلالته على اتباع السنة والإجماع .
ومن قال بالقياس - وهم الجمهور - قالوا : إذا دل على صحته القياس المدلول عليه بالسنة ، أو بالإجماع المدلول عليه بكتاب الله ، فهو في كتاب الله .
[ ص: 260 ] والحجة الثانية : أنهم يقيسون جميع الشروط التي تنافي موجب العقد على اشتراط الولاء ؛ لأن العلة فيه : كونه مخالفا لمقتضى العقد . وذلك لأن العقود توجب مقتضياتها بالشرع ، فيعتبر تغييرها تغييرا لما أوجبه الشرع ، بمنزلة تغيير العبادات . وهذا نكتة القاعدة ، وهي أن العقود مشروعة على وجه ، فاشتراط ما يخالف مقتضاها تغيير للمشروع ، ولهذا كان
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي - في أحد القولين - لا يجوزون أن يشترط في العبادات شرطا يخالف مقتضاها ، فلا يجوزون للمحرم أن يشترط الإحلال بالعذر ، متابعة
nindex.php?page=showalam&ids=12لعبد الله بن عمر حيث كان ينكر
nindex.php?page=treesubj&link=25903الاشتراط في الحج : " ويقول : أليس حسبكم سنة نبيكم " . وقد استدلوا على هذا الأصل بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم ) [ المائدة : 3 ] ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ) [ البقرة : 229 ] .
قالوا : فالشروط والعقود التي لم تشرع تعد لحدود الله ، وزيادة في الدين .
وما أبطله هؤلاء من الشروط التي دلت النصوص على جوازها بالعموم أو بالخصوص قالوا : ذلك منسوخ . كما قاله بعضهم في شروط النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين عام الحديبية ، أو قالوا : هذا عام أو مطلق ، فيخص بالشرط الذي في كتاب الله .
واحتجوا أيضا بحديث يروى في حكاية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى وشريك : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004075أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن nindex.php?page=treesubj&link=4905بيع وشرط " . وقد ذكره
[ ص: 261 ] جماعة من المصنفين في الفقه ، ولا يوجد في شيء من دواوين الحديث . وقد أنكره
أحمد وغيره من العلماء . وذكروا أنه لا يعرف وأن الأحاديث الصحيحة تعارضه . وأجمع الفقهاء المعروفون - من غير خلاف أعلمه عن غيرهم - أن
nindex.php?page=treesubj&link=4833_4905اشتراط صفة في المبيع ونحوه ، كاشتراط كون العبد كاتبا أو صانعا ، أو اشتراط طول الثوب أو قدر الأرض ونحو ذلك : شرط صحيح .
فَصْلٌ .
الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ : فِي الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ فِيهَا ، فِيمَا يَحِلُّ مِنْهَا وَيَحْرُمُ ، وَمَا يَصِحُّ مِنْهَا وَيَفْسُدُ . وَمَسَائِلُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا .
وَالَّذِي يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فِيهَا قَوْلَانِ ، أَحَدُهُمَا : أَنْ يُقَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=27668_27608الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ فِيهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ : الْحَظْرُ ، إِلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِجَازَتِهِ . فَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ ، وَكَثِيرٌ مِنْ أُصُولِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة تَنْبَنِي عَلَى هَذَا ، وَكَثِيرٌ مِنْ أُصُولِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَأُصُولِ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ
مالك وأحمد . فَإِنَّ
أحمد قَدْ يُعَلِّلُ أَحْيَانًا بُطْلَانَ الْعَقْدِ بِكَوْنِهِ لَمْ يَرِدْ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا قِيَاسٌ ، كَمَا قَالَهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي وَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ ، وَكَذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَدْ يُعَلِّلُونَ فَسَادَ الشُّرُوطِ بِأَنَّهَا تُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ ، وَيَقُولُونَ : مَا خَالَفَ مُقْتَضَى الْعَقْدَ فَهُوَ بَاطِلٌ ، أَمَّا أَهْلُ الظَّاهِرِ فَلَمْ يُصَحِّحُوا لَا عَقْدًا وَلَا شَرْطًا إِلَّا مَا ثَبَتَ جَوَازُهُ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ جَوَازُهُ أَبْطَلُوهُ وَاسْتَصْحَبُوا الْحُكْمَ الَّذِي قَبْلَهُ ، وَطَرَدُوا ذَلِكَ طَرْدًا جَارِيًا ، لَكِنْ خَرَجُوا فِي كَثِيرٍ مِنْهُ إِلَى أَقْوَالٍ يُنْكِرُهَا عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة فَأُصُولُهُ تَقْتَضِي أَنَّهُ [ لَا يُصَحِّحُ ] فِي الْعُقُودِ شُرُوطًا يُخَالِفُ مُقْتَضَاهَا فِي الْمُطْلَقِ ، وَإِنَّمَا يُصَحِّحُ الشَّرْطَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ الْعَقْدُ مِمَّا يُمْكِنُ فَسْخُهُ ، وَلِهَذَا أَبْطَلَ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=27668_26409_4906يُشْتَرَطَ فِي الْبَيْعِ خِيَارٌ ، وَلَا يَجُوزَ عِنْدَهُ
nindex.php?page=treesubj&link=4601تَأْخِيرُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بِحَالٍ ، وَلِهَذَا مَنَعَ
nindex.php?page=treesubj&link=6070بَيْعَ الْعَيْنِ [ ص: 257 ] الْمُؤَجَّرَةِ . وَإِذَا ابْتَاعَ شَجَرَةً عَلَيْهَا ثَمَرٌ لِلْبَائِعِ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهِ . وَإِنَّمَا جَوَّزَ الْإِجَارَةَ الْمُؤَخَّرَةَ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عِنْدَهُ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ إِلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ ، أَوْ عِتْقِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ أَوِ الِانْتِفَاعِ بِهِ ، أَوْ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي بَقَاءَ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ وَسَائِرَ الشُّرُوطِ الَّتِي يُبْطِلُهَا غَيْرُهُ . وَلَمْ يُصَحِّحْ فِي النِّكَاحِ شَرْطًا أَصْلًا ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عِنْدَهُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ . وَلِهَذَا لَا يَنْفَسِخُ عِنْدَهُ بِعَيْبٍ أَوْ إِعْسَارٍ أَوْ نَحْوِهِمَا . وَلَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ مُطْلَقًا . وَإِنَّمَا صَحَّحَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة خِيَارَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ لِلْأَثَرِ ، وَهُوَ عِنْدَهُ مَوْضِعُ اسْتِحْسَانٍ .
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ يُوَافِقُهُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27668كُلَّ شَرْطٍ خَالَفَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، لَكِنَّهُ يَسْتَثْنِي مَوَاضِعَ لِلدَّلِيلِ الْخَاصِّ . فَلَا يُجَوِّزُ شَرْطَ الْخِيَارِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ ، وَلَا اسْتِثْنَاءَ مَنْفَعَةِ الْمَبِيعِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ تَأْخِيرُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ ، حَتَّى مَنَعَ الْإِجَارَةَ الْمُؤَخَّرَةَ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهَا - وَهُوَ الْقَبْضُ - لَا يَلِي الْعَقْدَ ، وَلَا يُجَوِّزُ أَيْضًا مَا فِيهِ مَنْعُ الْمُشْتَرِي مِنَ التَّصَرُّفِ الْمُطْلَقِ إِلَّا الْعِتْقَ ، لِمَا فِيهِ مِنَ السُّنَّةِ وَالْمَعْنَى ، لَكِنَّهُ يُجَوِّزُ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِالشَّرْعِ ، كَبَيْعِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي مَذْهَبِهِ ، وَكَبَيْعِ الشَّجَرِ مَعَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَرَةِ مُسْتَحَقَّةِ الْبَقَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَيُجَوِّزُ فِي النِّكَاحِ بَعْضَ الشُّرُوطِ دُونَ بَعْضٍ ، وَلَا يُجَوِّزُ
nindex.php?page=treesubj&link=11319اشْتِرَاطَهَا دَارَهَا أَوْ بَلَدَهَا ، وَلَا أَنْ [ لَا يَتَزَوَّجَ ] عَلَيْهَا وَلَا يَتَسَرَّى ، وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ حُرِّيَّتِهَا وَإِسْلَامِهَا . وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصِّفَاتِ الْمَقْصُودَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِهِ ، كَالْجَمَالِ وَنَحْوِهِ . وَهُوَ مِمَّنْ يَرَى فَسْخَ النِّكَاحِ بِالْعَيْبِ وَالْإِعْسَارِ ، وَانْفِسَاخَهُ بِالشُّرُوطِ الَّتِي تُنَافِيهِ ، كَاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ وَالطَّلَاقِ وَنِكَاحِ الشِّغَارِ بِخِلَافِ فَسَادِ الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ .
[ ص: 258 ] وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ
أحمد يُوَافِقُونَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيَّ عَلَى مَعَانِي هَذِهِ الْأُصُولِ ، لَكِنَّهُمْ يَسْتَثْنُونَ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَثْنِيهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ، كَالْخِيَارِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ ، وَكَاسْتِثْنَاءِ الْبَائِعِ مَنْفَعَةَ الْمَبِيعِ ، وَاشْتِرَاطِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ لَا يَنْقُلَهَا وَلَا يُزَاحِمَهَا بِغَيْرِهَا ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ . فَيَقُولُونَ : كُلُّ شَرْطٍ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، إِلَّا إِذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ .
وَذَلِكَ أَنَّ نُصُوصَ
أحمد تَقْتَضِي أَنَّهُ جَوَّزَ مِنَ الشُّرُوطِ فِي الْعُقُودِ أَكْثَرَ مِمَّا جَوَّزَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ . فَقَدْ يُوَافِقُونَهُ فِي الْأَصْلِ ، وَيَسْتَثْنُونَ لِلْمُعَارِضِ أَكْثَرَ مِمَّا اسْتَثْنَى ، كَمَا قَدْ يُوَافِقُ هُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبَا حَنِيفَةَ فِي الْأَصْلِ ، وَيَسْتَثْنِي أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَثْنِي لِلْمُعَارِضِ .
وَهَؤُلَاءِ الْفِرَقُ الثَّلَاثُ يُخَالِفُونَ أَهْلَ الظَّاهِرِ ، وَيَتَوَسَّعُونَ فِي الشُّرُوطِ أَكْثَرَ مِنْهُمْ ، لِقَوْلِهِمْ بِالْقِيَاسِ وَالْمَعَانِي وَآثَارِ الصَّحَابَةِ ، وَلِمَا يَفْهَمُونَهُ مِنْ مَعَانِي النُّصُوصِ الَّتِي يَنْفَرِدُونَ بِهَا عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ . وَعُمْدَةُ هَؤُلَاءِ قِصَّةُ
بريرة الْمَشْهُورَةُ . وَهُوَ مَا خَرَّجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004069جَاءَتْنِي بريرة فَقَالَتْ : كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ ، فَأَعِينِينِي ، فَقُلْتُ : إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ ، وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ . فَذَهَبَتْ بريرة إِلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ فَأَبَوْا عَلَيْهَا ، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فَقَالَتْ : إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْوَلَاءُ ، فَأَخْبَرَتْ nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ . فَفَعَلَتْ nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ : مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟ ! مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ . قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ [ ص: 259 ] أَعْتَقَ " . وَفِي رِوَايَةٍ
nindex.php?page=showalam&ids=12070لِلْبُخَارِيِّ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004070اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا ، وَلْيَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا . فَاشْتَرَتْهَا فَأَعْتَقَتْهَا وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلَاءَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ، وَإِنِ اشْتَرَطُوا مِائَةَ شَرْطٍ " . [ وَفِي لَفْظٍ ] : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004071شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004072أَنَّ nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أم المؤمنين nindex.php?page=treesubj&link=26204_33631أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً لِتُعْتِقَهَا ، فَقَالَ أَهْلُهَا : نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا ؟ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَا يَمْنَعَنَّكِ ذَلِكَ ، فَإِنَّمَا nindex.php?page=treesubj&link=26204الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ " . وَفِي
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004073أَرَادَتْ nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَتُعْتِقَهَا ، فَأَبَى أَهْلُهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْوَلَاءُ . فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ .
وَلَهُمْ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّتَانِ :
إِحْدَاهُمَا : قَوْلُهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004074مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ . فَكُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ وَلَا فِي الْإِجْمَاعِ ، فَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، بِخِلَافِ مَا كَانَ فِي السُّنَّةِ أَوْ فِي الْإِجْمَاعِ ، فَإِنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِوَاسِطَةِ دَلَالَتِهِ عَلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ .
وَمَنْ قَالَ بِالْقِيَاسِ - وَهُمُ الْجُمْهُورُ - قَالُوا : إِذَا دَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ الْقِيَاسُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالسُّنَّةِ ، أَوْ بِالْإِجْمَاعِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِكِتَابِ اللَّهِ ، فَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ .
[ ص: 260 ] وَالْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّهُمْ يَقِيسُونَ جَمِيعَ الشُّرُوطِ الَّتِي تُنَافِي مُوجَبَ الْعَقْدِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ : كَوْنُهُ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ . وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُقُودَ تُوجَبُ مُقْتَضَيَاتُهَا بِالشَّرْعِ ، فَيُعْتَبَرُ تَغْيِيرُهَا تَغْيِيرًا لِمَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ ، بِمَنْزِلَةِ تَغْيِيرِ الْعِبَادَاتِ . وَهَذَا نُكْتَةُ الْقَاعِدَةِ ، وَهِيَ أَنَّ الْعُقُودَ مَشْرُوعَةٌ عَلَى وَجْهٍ ، فَاشْتِرَاطُ مَا يُخَالِفُ مُقْتَضَاهَا تَغْيِيرٌ لِلْمَشْرُوعِ ، وَلِهَذَا كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ - فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ - لَا يُجَوِّزُونَ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي الْعِبَادَاتِ شَرْطًا يُخَالِفُ مُقْتَضَاهَا ، فَلَا يُجَوِّزُونَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْإِحْلَالَ بِالْعُذْرِ ، مُتَابَعَةً
nindex.php?page=showalam&ids=12لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَيْثُ كَانَ يُنْكِرُ
nindex.php?page=treesubj&link=25903الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ : " وَيَقُولُ : أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ " . وَقَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) [ الْمَائِدَةِ : 3 ] ، وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [ الْبَقَرَةِ : 229 ] .
قَالُوا : فَالشُّرُوطُ وَالْعُقُودُ الَّتِي لَمْ تُشْرَعْ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ ، وَزِيَادَةٌ فِي الدِّينِ .
وَمَا أَبْطَلَهُ هَؤُلَاءِ مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي دَلَّتِ النُّصُوصُ عَلَى جَوَازِهَا بِالْعُمُومِ أَوْ بِالْخُصُوصِ قَالُوا : ذَلِكَ مَنْسُوخٌ . كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي شُرُوطِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ، أَوْ قَالُوا : هَذَا عَامٌّ أَوْ مُطْلَقٌ ، فَيُخَصُّ بِالشَّرْطِ الَّذِي فِي كِتَابِ اللَّهِ .
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثٍ يُرْوَى فِي حِكَايَةٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12526وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وشريك : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004075أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ nindex.php?page=treesubj&link=4905بَيْعٍ وَشَرْطٍ " . وَقَدْ ذَكَرَهُ
[ ص: 261 ] جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْفِقْهِ ، وَلَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ دَوَاوِينِ الْحَدِيثِ . وَقَدْ أَنْكَرَهُ
أحمد وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ . وَذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ وَأَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ تُعَارِضُهُ . وَأَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ الْمَعْرُوفُونَ - مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ عَنْ غَيْرِهِمْ - أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=4833_4905اشْتِرَاطَ صِفَةٍ فِي الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ ، كَاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا أَوْ صَانِعًا ، أَوِ اشْتِرَاطِ طُولِ الثَّوْبِ أَوْ قَدْرِ الْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ : شَرْطٌ صَحِيحٌ .