ذكر الأحاديث المرفوعة 
أخرج  البخاري  ،  ومسلم  عن  أبي هريرة     - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق برجال معي معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار   " استدل بهذا الحديث من قال بأن الجماعة فرض عين ، وهم  عطاء  ،  والأوزاعي  ،  وأحمد بن حنبل  ،  وداود  ،  وأبو ثور  ،  وابن المنذر  ،  وابن خزيمة  ،  وابن حبان     - الأربعة من أصحابنا ، قال  النووي  في شرح المهذب : والصحيح أنها فرض كفاية ، والجواب عن   [ ص: 137 ] الهم بتحريق بيوتهم ما أجاب به  الشافعي  وغيره ، أن هذا ورد في قوم منافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون فرادى قال : وسياق هذا الحديث يؤيد هذا التأويل ، قلت : إذا تأمل المنصف هذا الكلام عرف منه أن الإمام  الشافعي     - رضي الله عنه - قائل بجواز العقوبة بتحريق البيوت ، فإنه لم ينكر سوى الاستدلال بالحديث على فرضية الجماعة  على الأعيان ، وقال بمقتضى الحديث في حق المنافقين الذين لا يصلون ، وأما القائلون بأنها فرض عين فاستدلالهم بالحديث صريح في أنهم أيضا قائلون بجواز تحريق البيوت على من تخلف عنها من المسلمين  ، وقال  الرافعي  في شرح المسند : اللفظ لا يقتضي كون الإحراق للتخلف فيحتمل أنه أراد طائفة مخصوصين من صفتهم أنهم يتخلفون ، فأما مطلق التخلف فإنه لا يقتضي الزجر بالإحراق قال : ويوضحه أن  الشافعي  قال في الأم بعد رواية الحديث : فيشبه أن يكون ما قاله من همه بالإحراق إنما قاله في قوم تخلفوا عن صلاة العشاء لنفاق ، وقال  ابن فرحون المالكي     : اختلف في هذا الحديث هل هو في المؤمنين أو المنافقين ؟ قال : والظاهر أنه في المؤمنين لقوله في الرواية الأخرى :   "ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليس لهم عذر فأحرقها عليهم   " والمنافقون لا يصلون في بيوتهم قال : وفائدة قوله "لقد هممت " تقديم الوعيد والتهديد على العقوبة ؛ لأن المفسدة إذا ارتفعت واندفعت بالأخف من الزواجر لم يعدل إلى الأعلى انتهى . 
وقال الحافظ  أبو الفضل بن حجر  في شرح  البخاري     : ذهب جماعة إلى أن الحديث ورد في المنافقين ، والذي يظهر لي أن المراد به نفاق المعصية ، لا نفاق الكفر بدليل قوله في رواية  أبي داود     : " ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة   " فهذا يدل على أن نفاقهم نفاق معصية ، لا كفر ؛ لأن الكافر لا يصلي في بيته إنما يصلي في المسجد رياء وسمعة ، فإذا خلا في بيته كان كما وصفه الله به من الكفر والاستهزاء ، نبه عليه  القرطبي  ، قال : ثم إنه قد يستدل بالحديث لكون الجماعة فرض كفاية ، إذ يحتمل أن يقال التهديد بالتحريق المذكور يمكن أن يقع في حق تاركي فرض الكفاية كمشروعية قتالهم ، وقال  ابن دقيق العيد  في الحديث إنه - صلى الله عليه وسلم - لا يهم إلا بما يجوز له فعله لو فعله ، وأما كونه ترك ، ولم يفعل فلاحتمال أنهم انزجروا بذلك ، وتركوا التخلف الذي ذمهم بسببه ، قال  الحافظ ابن حجر     : وقد جاء في بعض الطرق بيان سبب الترك وهو ما أخرجه  أحمد  من حديث  أبي هريرة  بلفظ : " لولا ما في البيوت من النساء والذرية ؛ لأقمت صلاة العشاء وأمرت فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار   " فهذا كلام الأئمة على هذا الحديث من الإمام  الشافعي   [ ص: 138 ] فمن بعده ، فإن قيل : التحريق بالنار منسوخ ، قلنا : في الآدمي والحيوان فقط ، وقد نص أصحابنا في باب السير على جواز تحريق شجر الكفار وهدم بنائهم إذا دعت ضرورة لذلك  ، وقد ورد هذا الحديث من رواية جماعة من الصحابة ، فأخرج  ابن ماجه  عن  أسامة بن زيد  ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لينتهين رجال عن ترك الجماعة أو لأحرقن بيوتهم   " وأخرج  أحمد  ،  والنسائي  ، عن  زيد بن ثابت     " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الظهر بالهجير فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان ، والناس في قايلتهم وتجارتهم فأنزل الله ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى    ) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لينتهين رجال أو لأحرقن بيوتهم   " ، وأخرج  أحمد  بسند صحيح عن  ابن أم مكتوم     " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى المسجد فرأى في القوم رفقة فقال : "إني لأهم أن أجعل للناس إماما ثم أخرج فلا أقدر على إنسان يتخلف عن الصلاة في بيته إلا أحرقته عليه   " وأخرج  الطبراني  في الأوسط بسند حسن ، عن  أنس بن مالك  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس في جماعة ثم أنصرف إلى قوم سمعوا النداء فلم يجيبوا فأضرمها عليهم نارا   " وأخرج  الحاكم  في مستدركه عن  ابن مسعود  ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لقوم يتخلفون عن الجمعة : "لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على قوم يتخلفون عن الجمعة بيوتهم   " وأخرج  ابن مردويه  في تفسيره عن  ابن عباس  قال : دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  مالك بن الدخشم  فقال : اخرج لهذا المسجد فقال  مالك  لعاصم     : أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي فدخل على أهله فأخذ سعفات من نار ، وخرجوا يشتدون حتى دخلوا المسجد ، وفيه أهله فحرقوه وهدموه وخرج أهله فتفرقوا عنه   " وأخرج  ابن إسحاق  ،  وابن مردويه  ، عن  أبي رهم كلثوم بن الحصين  ، وكان من أصحاب الشجرة قال : " دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  مالك بن الدخشم  ،  ومعن بن عدي  أخا  عاصم بن عدي  فقال : انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وأحرقاه فخرجا سريعين فقال  مالك  لمعن     : أنظرني حتى أخرج إليك فدخل إلى أهله وأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا ثم خرجا يشتدان حتى أتيا المسجد ، وفيه أهله فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه   " وأخرج  ابن جرير  من طريق  ابن إسحاق  ، عن  الزهري  ،  ويزيد بن رومان  ،  وعبد الله بن أبي بكر  ،  وعاصم بن عمر بن قتادة  ، وغيرهم ، قالوا : " أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك  ، وكان أصحاب مسجد الضرار  قد أتوه وهو متجهز إلى تبوك  قالوا : يا رسول الله إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة في الحاجة ، والليلة المطيرة ، والليلة الشاتية   [ ص: 139 ] وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه فقال : إني على جناح سفر ، وحال شغل ، ولو قدمنا أتيناكم إن شاء الله فصلينا لكم فيه ، فلما نزل بذي أوان    - بلد بينه وبين المدينة  ساعة من نهار - وأتاه خبر المسجد فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف  ،  ومعن بن عدي  أو أخاه  عاصم بن عدي  أخا بني العجلان  فقال : انطلقا إلى هذا الظالم أهله فاهدماه وحرقاه فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف  فقال  مالك  لمعن     : أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي فدخل أهله فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا ثم خرجا يشتدان حتى دخلا المسجد ، وفيه أهله فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه ، ونزل فيهم من القرآن ما نزل   " ، وأخرج  ابن المنذر  في تفسيره من وجه آخر عن  محمد بن إسحاق  مثله ، وأخرج  البيهقي  في دلائل النبوة من طريق  ابن إسحاق  عن ثقة من بني عمرو بن عوف  مرسلا مثله ، وأخرج  أبو داود  ،  والترمذي  ،  والحاكم  وصححه من طريق  صالح بن محمد بن زائدة  قال : " دخل  مسلمة  أرض الروم  فأتي برجل قد غل فسأل  سالما  عنه فقال : سمعت أبي يحدث عن  عمر  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه ، واضربوه قال : فوجدنا في متاعه مصحفا فسئل  سالم  عنه ، فقال بعه وتصدق بثمنه   " . 
وأخرج  الحاكم  وصححه من طريق  عمرو بن شعيب  عن أبيه عن جده قال : " دخلت يوما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلي ثوبان معصفران فقال : ما هذان ؟ قلت : صنعتهما لي  أم عبد الله  ، قال : أقسمت عليك لما رجعت إليها فأمرتها أن توقد لهما التنور ثم تطرحهما فيه فرجعت إليها ففعلت   " ، وأخرج  مسلم  ،  والنسائي  من طريق  طاووس  عن  عبد الله بن عمرو  قال : " رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - علي ثوبين معصفرين قال : أمك أمرتك بهذا قلت : أغسلهما ؟ قال : بل أحرقهما   " قال  النووي  في شرح  مسلم     : الأمر بإحراقهما عقوبة وهتك لزجره وزجر غيره عن مثل هذا الفعل . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					