مسألة : في قول الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي في
nindex.php?page=treesubj&link=28973_28908إعراب قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ) يصح أن تكون هذه الجملة مستأنفة ، ويصح أن تكون حالا من المستكن في (ولي) أو من الموصول أو منهما ، بين لنا كيف صيغة الحال على كل ؟
[ ص: 355 ] الجواب : من القواعد المقررة في العربية أن صاحب الحال والحال يشبهان المبتدأ والخبر ، فلذلك السبب يجوز أن يكون صاحب الحال واحدا ويتعدد حاله ، كما يكون المبتدأ واحدا والخبر متعدد ، ويجوز أن يكون صاحب الحال متعددا والحال متعدد أو متحد ، ويشترط وجود الرابط لكل من الضابطين ، كما يشترط وجود الرابط لكل من المبتدأين ، ومن القواعد المشهورة حتى في الألفية أن الحال يأتي من المضاف إليه إذا كان المضاف عاملا فيه كما قال :
ولا تجز حالا من المضاف له إلا إذا اقتضى المضاف عمله
إذا تقرر ذلك فالوجه الأول ، وهو أنه حال من الضمير المستكن في ( ولي ) وهو الذي رجحه
أبو حيان في البحر ، فإن صيغة (ولي) صفة مشبهة ، وفيه ضمير الفاعل هو الأوضح ، والحال تأتي من الفاعل كثيرا ، وتقدير الكلام : الله ولي المؤمنين حال إخراجه إياهم من الظلمات ، أو حال كونه مخرجا لهم ؛ أي : مولاهم حيث أخرجهم ، والحال قيد في العامل ، فجملة الإخراج حال مبينة لهيئة التولي ، وضمير يخرج المستتر فيه هو الرابط لجملة الحال بصاحبها ، وإنما جعل من ضمير (ولي) لا من نفس (ولي) ; لأنه واقع خبرا عن المبتدأ ، والقاعدة أن الحال لا تأتي من الخبر ، بل من الفاعل أو المفعول أو ما كان في معناهما ، وهو المضاف إليه بشرطه أو المبتدأ على رأي ، وأما الخبر فلا يأتي منه الحال ، فلذلك عدل إلى الضمير الذي هو فاعله .
والوجه الثاني : وهو أنها حال من الموصول واضح أيضا ; لأنه مجرور بإضافة الصفة المشبهة إليه ، فهو من قاعدة ما كان المضاف عاملا فيه ، وهو في معنى المفعول ; ولهذا لو جئت بدل الصفة المشبهة بالفعل ظهرت المفعولية فيقال : الله تولى الذين آمنوا ، فيكون الذين مفعولا والحال يأتي من المفعول ، وتقدير الكلام : الله ولي المؤمنين حال كونهم مخرجين بهدايته من الظلمات ، فإذا قدرت الحال من ضمير (ولي) كانت في تقدير مخرجا بالكسر اسم فاعل ، وإذا قدرتها من الذين الذي هو في معنى المفعول كانت في تقدير مخرجين بالفتح اسم مفعول .
والوجه الثالث واضح أيضا وهو أنها حال منهما معا ، فإن فيها رابطين : رابط بالأول ، وهو ضمير يخرج المستتر الذي هو فاعل ، ورابط بالثاني ، وهو ضمير الذين آمنوا ، الذي هو مفعول يخرج ، وهو هم ، وتقدير الكلام على هذا : الله ولي المؤمنين حال كونه مخرجا لهم بالهداية ، وحال كونهم مخرجين بالاهتداء ، وفي ذلك ملاحظة أخرى لقاعدة أصولية وهي استعمال المشترك في معنييه .
[ ص: 356 ]
مَسْأَلَةٌ : فِي قَوْلِ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=13926الْبَيْضَاوِيِّ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28973_28908إِعْرَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً ، وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنَ الْمُسْتَكِنِّ فِي (وَلِيُّ) أَوْ مِنَ الْمَوْصُولِ أَوْ مِنْهُمَا ، بَيِّنَ لَنَا كَيْفَ صِيغَةُ الْحَالِ عَلَى كُلٍّ ؟
[ ص: 355 ] الْجَوَابُ : مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ صَاحِبَ الْحَالِ وَالْحَالَ يُشْبِهَانِ الْمُبْتَدَأَ وَالْخَبَرَ ، فَلِذَلِكَ السَّبَبِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْحَالِ وَاحِدًا وَيَتَعَدَّدُ حَالُهُ ، كَمَا يَكُونُ الْمُبْتَدَأُ وَاحِدًا وَالْخَبَرُ مُتَعَدِّدٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْحَالِ مُتَعَدِّدًا وَالْحَالُ مُتَعَدِّدٌ أَوْ مُتَّحِدٌ ، وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الرَّابِطِ لِكُلٍّ مِنَ الضَّابِطَيْنِ ، كَمَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الرَّابِطِ لِكُلٍّ مِنَ الْمُبْتَدَأَيْنِ ، وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْمَشْهُورَةِ حَتَّى فِي الْأَلْفِيَّةِ أَنَّ الْحَالَ يَأْتِي مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ الْمُضَافُ عَامِلًا فِيهِ كَمَا قَالَ :
وَلَا تُجِزْ حَالًا مِنَ الْمُضَافِ لَهْ إِلَّا إِذَا اقْتَضَى الْمُضَافُ عَمَلَهْ
إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ ، وَهُوَ أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِّ فِي ( وَلِيُّ ) وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ
أبو حيان فِي الْبَحْرِ ، فَإِنَّ صِيغَةَ (وَلِيُّ) صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ ، وَفِيهِ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ هُوَ الْأَوْضَحُ ، وَالْحَالُ تَأْتِي مِنَ الْفَاعِلِ كَثِيرًا ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ : اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ حَالَ إِخْرَاجِهِ إِيَّاهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ ، أَوْ حَالَ كَوْنِهِ مُخْرِجًا لَهُمْ ؛ أَيْ : مَوْلَاهُمْ حَيْثُ أَخْرَجَهُمْ ، وَالْحَالُ قَيْدٌ فِي الْعَامِلِ ، فَجُمْلَةُ الْإِخْرَاجِ حَالٌ مُبَيِّنَةٌ لِهَيْئَةِ التَّوَلِّي ، وَضَمِيرُ يُخْرِجُ الْمُسْتَتِرُ فِيهِ هُوَ الرَّابِطُ لِجُمْلَةِ الْحَالِ بِصَاحِبِهَا ، وَإِنَّمَا جُعِلَ مِنْ ضَمِيرِ (وَلِيُّ) لَا مِنْ نَفْسِ (وَلِيُّ) ; لِأَنَّهُ وَاقِعٌ خَبَرًا عَنِ الْمُبْتَدَأِ ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْحَالَ لَا تَأْتِي مِنَ الْخَبَرِ ، بَلْ مِنَ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا ، وَهُوَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ بِشَرْطِهِ أَوِ الْمُبْتَدَأُ عَلَى رَأْيٍ ، وَأَمَّا الْخَبَرُ فَلَا يَأْتِي مِنْهُ الْحَالُ ، فَلِذَلِكَ عَدَلَ إِلَى الضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ فَاعِلُهُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ أَنَّهَا حَالٌ مِنَ الْمَوْصُولِ وَاضِحٌ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ مَجْرُورٌ بِإِضَافَةِ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ إِلَيْهِ ، فَهُوَ مِنْ قَاعِدَةِ مَا كَانَ الْمُضَافُ عَامِلًا فِيهِ ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ ; وَلِهَذَا لَوْ جِئْتَ بَدَلَ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ بِالْفِعْلِ ظَهَرَتِ الْمَفْعُولِيَّةُ فَيُقَالُ : اللَّهُ تَوَلَّى الَّذِينَ آمَنُوا ، فَيَكُونُ الَّذِينَ مَفْعُولًا وَالْحَالُ يَأْتِي مِنَ الْمَفْعُولِ ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ : اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ حَالَ كَوْنِهِمْ مُخْرَجِينَ بِهِدَايَتِهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ ، فَإِذَا قُدِّرَتِ الْحَالُ مِنْ ضَمِيرِ (وَلِيُّ) كَانَتْ فِي تَقْدِيرِ مُخْرِجًا بِالْكَسْرِ اسْمَ فَاعِلٍ ، وَإِذَا قَدَّرْتَهَا مِنَ الَّذِينَ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ كَانَتْ فِي تَقْدِيرِ مُخْرَجِينَ بِالْفَتْحِ اسْمَ مَفْعُولٍ .
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ وَاضِحٌ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّهَا حَالٌ مِنْهُمَا مَعًا ، فَإِنَّ فِيهَا رَابِطَيْنِ : رَابِطٌ بِالْأَوَّلِ ، وَهُوَ ضَمِيرُ يُخْرِجُ الْمُسْتَتِرُ الَّذِي هُوَ فَاعِلٌ ، وَرَابِطٌ بِالثَّانِي ، وَهُوَ ضَمِيرُ الَّذِينَ آمَنُوا ، الَّذِي هُوَ مَفْعُولُ يُخْرِجُ ، وَهُوَ هُمْ ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا : اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ حَالَ كَوْنِهِ مُخْرِجًا لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ ، وَحَالَ كَوْنِهِمْ مُخْرَجِينَ بِالِاهْتِدَاءِ ، وَفِي ذَلِكَ مُلَاحَظَةٌ أُخْرَى لِقَاعِدَةٍ أُصُولِيَّةٍ وَهِيَ اسْتِعْمَالُ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ .
[ ص: 356 ]