مسألة : ما صرح الفقهاء فيه بأنه حرام استنادا لما نطق القرآن الكريم فيه بالحرمة كآية (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23حرمت عليكم أمهاتكم ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حرمت عليكم الميتة ) إلى غير ذلك هل الحرمة فيه لعينه أم لمعنى آخر ؟ حكوا في ذلك خلافا ، وحينئذ فالقائل بأن المحرم معين هل يقول : إن حد الحكم بأنه خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين إلى آخره ؛ قيد الأفعال فيه لا مفهوم له ، أو معتبر لا بد منه لإخراج ما احترزوا عنه به مما لا يسمى حكما ، وحينئذ فكيف معلق الحكم بالعين كما ذهب إليه من ذهب .
الجواب : الخلاف في أن التحريم والتحليل هل هما من صفات الأفعال أو من صفات الأعيان شهير حكاه خلائق منهم
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي أبو بكر الباقلاني في التقريب ، وحكاه من المتأخرين
السبكي ، وزيف القول الثاني جدا حتى قال : إنه قال به من لا تحقيق عنده ، وحكاه ولده الشيخ
تاج الدين وقال : إن القول بأنهما من صفات الأفعال أصلنا ، والقول بأنهما من صفات الأعيان قول بعض
المعتزلة ، وهو قول باطل - هذه عبارته ، وذكر والده أن فائدة الخلاف تظهر في فروع فقهية ، منها ما لو كان بيد شخص مال مغصوب فأعطاه لآخر ، وهما جاهلان بالغصب ظانان أنه ملكه فإن قلنا : التحريم من صفات الأفعال ؛ لم يوصف هذا المال بأنه حرام ، وإن قلنا من صفات الأعيان وصف به ، ومنها قتل الخطأ يوصف بالتحريم على قول الأعيان دون الأفعال ، وذكر ولده الشيخ
تاج الدين له فوائد أصولية منها أن نحو (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23حرمت عليكم أمهاتكم لا إجمال فيه قطعا على قول الأعيان ويجري فيه الخلاف على قول الأفعال ، وأما حد الحكم المذكور فإنه ماش على القول الصواب دون القول المزيف ، ومن يقول بالمزيف يحتاج في الحد إلى عبارة تناسب مذهبه ، هذا آخر الجواب ، ثم إن قول السائل : هل الحرمة فيه لعينه أم لمعنى آخر ؛ عبارة ملبسة ، فإن لنا مسألتين : مسألة تعلق الحكم بالأفعال ، أو بالأعيان ، وهذه مطردة في كل تحريم وتحليل ، ومسألة إذا قلنا : تتعلق بالأفعال ، ففي بعض الصور يجري فيها خلاف هل التحريم للعين أو الذات أو لمعنى خارج كما قيل في استعمال أواني النقدين ، وهذه غير مطردة في كل تحريم ، فأول السؤال يوهم أنه عن هذه المسألة ، وآخره يوهم أنه عن الأولى .
مَسْأَلَةٌ : مَا صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ بِأَنَّهُ حَرَامٌ اسْتِنَادًا لِمَا نَطَقَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ فِيهِ بِالْحُرْمَةِ كَآيَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ هَلِ الْحُرْمَةُ فِيهِ لِعَيْنِهِ أَمْ لِمَعْنًى آخَرَ ؟ حَكَوْا فِي ذَلِكَ خِلَافًا ، وَحِينَئِذٍ فَالْقَائِلُ بِأَنَّ الْمُحَرَّمَ مُعَيَّنٌ هَلْ يَقُولُ : إِنَّ حَدَّ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ إِلَى آخِرِهِ ؛ قَيْدُ الْأَفْعَالِ فِيهِ لَا مَفْهُومَ لَهُ ، أَوْ مُعْتَبَرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ لِإِخْرَاجِ مَا احْتَرَزُوا عَنْهُ بِهِ مِمَّا لَا يُسَمَّى حُكْمًا ، وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ مُعَلَّقُ الْحُكْمِ بِالْعَيْنِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ ذَهَبَ .
الْجَوَابُ : الْخِلَافُ فِي أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ هَلْ هُمَا مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ أَوْ مِنْ صِفَاتِ الْأَعْيَانِ شَهِيرٌ حَكَاهُ خَلَائِقُ مِنْهُمُ
nindex.php?page=showalam&ids=12604الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ فِي التَّقْرِيبِ ، وَحَكَاهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ
السبكي ، وَزَيَّفَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ جِدًّا حَتَّى قَالَ : إِنَّهُ قَالَ بِهِ مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ ، وَحَكَاهُ وَلَدُهُ الشَّيْخُ
تاج الدين وَقَالَ : إِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُمَا مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ أَصْلُنَا ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُمَا مِنْ صِفَاتِ الْأَعْيَانِ قَوْلُ بَعْضِ
الْمُعْتَزِلَةِ ، وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ - هَذِهِ عِبَارَتُهُ ، وَذَكَرَ وَالِدُهُ أَنَّ فَائِدَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي فُرُوعٍ فِقْهِيَّةٍ ، مِنْهَا مَا لَوْ كَانَ بِيَدِ شَخْصٍ مَالٌ مَغْصُوبٌ فَأَعْطَاهُ لِآخَرَ ، وَهُمَا جَاهِلَانِ بِالْغَصْبِ ظَانَّانِ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِنْ قُلْنَا : التَّحْرِيمُ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ ؛ لَمْ يُوصَفْ هَذَا الْمَالُ بِأَنَّهُ حَرَامٌ ، وَإِنْ قُلْنَا مِنْ صِفَاتِ الْأَعْيَانِ وُصِفَ بِهِ ، وَمِنْهَا قَتْلُ الْخَطَأِ يُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ عَلَى قَوْلِ الْأَعْيَانِ دُونَ الْأَفْعَالِ ، وَذَكَرَ وَلَدُهُ الشَّيْخُ
تاج الدين لَهُ فَوَائِدَ أُصُولِيَّةً مِنْهَا أَنَّ نَحْوَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ لَا إِجْمَالَ فِيهِ قَطْعًا عَلَى قَوْلِ الْأَعْيَانِ وَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ عَلَى قَوْلِ الْأَفْعَالِ ، وَأَمَّا حَدُّ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ مَاشٍ عَلَى الْقَوْلِ الصَّوَابِ دُونَ الْقَوْلِ الْمُزَيَّفِ ، وَمَنْ يَقُولُ بِالْمُزَيَّفِ يَحْتَاجُ فِي الْحَدِّ إِلَى عِبَارَةٍ تُنَاسِبُ مَذْهَبَهُ ، هَذَا آخِرُ الْجَوَابِ ، ثُمَّ إِنَّ قَوْلَ السَّائِلِ : هَلِ الْحُرْمَةُ فِيهِ لِعَيْنِهِ أَمْ لِمَعْنًى آخَرَ ؛ عِبَارَةٌ مُلْبِسَةٌ ، فَإِنَّ لَنَا مَسْأَلَتَيْنِ : مَسْأَلَةُ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْأَفْعَالِ ، أَوْ بِالْأَعْيَانِ ، وَهَذِهِ مُطَّرِدَةٌ فِي كُلِّ تَحْرِيمٍ وَتَحْلِيلٍ ، وَمَسْأَلَةُ إِذَا قُلْنَا : تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ ، فَفِي بَعْضِ الصُّوَرِ يَجْرِي فِيهَا خِلَافٌ هَلِ التَّحْرِيمُ لِلْعَيْنِ أَوِ الذَّاتِ أَوْ لِمَعْنًى خَارِجٍ كَمَا قِيلَ فِي اسْتِعْمَالِ أَوَانِي النَّقْدَيْنِ ، وَهَذِهِ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ فِي كُلِّ تَحْرِيمٍ ، فَأَوَّلُ السُّؤَالِ يُوهِمُ أَنَّهُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَآخِرُهُ يُوهِمُ أَنَّهُ عَنِ الْأُولَى .