الوجه الرابع : قوله : كانوا يستحبون ، من باب
nindex.php?page=treesubj&link=29124قول التابعي كانوا يفعلون ، وفيه قولان لأهل الحديث والأصول : أحدهما أنه أيضا من باب المرفوع ، وأن معناه كان الناس يفعلون ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويعلم به ويقر عليه .
والثاني أنه من باب العزو إلى الصحابة دون انتهائه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم اختلف على هذا هل هو إخبار عن جميع الصحابة ، فيكون نقلا للإجماع أو عن بعضهم ؟ على قولين ، أصحهما في " شرح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم "
للنووي .
الثاني : قال
شمس الدين البرشنسي في شرح ألفيته المسماة ب " المورد الأصفى في علم الحديث " : قول التابعي كانوا يفعلون يدل على فعل البعض ، وقيل : يدل على فعل جميع الأمة أو البعض وسكوت الباقين ، أو فعلوا كلهم على وجه ظهر للنبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكره ، انتهى .
وقال
الرافعي في " شرح المسند " : مثل هذا اللفظ يراد به أنه كان مشهورا في ذلك العهد من غير نكير ، فقول
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس : " فكانوا يستحبون " إن حمل على الرفع - كما هو القول الأول - كان ذلك من تتمة الحديث المرسل ، ويكون الحديث اشتمل على أمرين ، أحدهما أصل اعتقادي ، وهو فتنة الموتى سبعة أيام ، والثاني حكم شرعي فرعي ، وهو استحباب التصدق والإطعام عليهم مدة تلك الأيام السبعة ، كما استحب سؤال التثبيت بعد الدفن ساعة ، ويكون مجموع الأمرين مرسل الإسناد ؛ لإطلاق التابعي له وعدم تسميته الصحابي الذي بلغه ذلك ، فيكون مقبولا عند من يقبل المرسل مطلقا ، وعند من يقبله بشرط الاعتضاد لمجيئه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير ، وحينئذ فلا خلاف بين الأئمة في الاحتجاج بهذا المرسل ، وإن حملنا قوله : فكانوا يستحبون على الإخبار عن جميع الصحابة ، وأنه نقل للإجماع كما هو القول الثاني ، فهو متصل ؛ لأن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوسا أدرك كثيرا من الصحابة ، فأخبر عنهم بالمشاهدة ، وأخبر عن بقية من لم يدركه منهم بالبلاغ عنهم من الصحابة الذين أدركهم ، وإن حملناه على الإخبار عن بعض الصحابة فقط كما هو القول الثالث - وهو الأصح - كان متصلا عن ذلك البعض الذين أدركهم ، وحينئذ فالحديث مشتمل على أمرين كما ذكرناه ، فأما الثاني فهو متصل كما هو الظاهر ، وأما الأول فإما مرسل على ما تقدم تقريره ؛ لأنه قول لا يصدر إلا عن صاحب الوحي ، وقد أطلقه تابعي
[ ص: 223 ] فيكون مرسلا لحذف الصحابي المبلغ له من السند ، وعلى هذا فيكون الأمر الثاني المنقول عن الصحابة أو عن بعضهم عاضدا لذلك المرسل ؛ لأن من
nindex.php?page=treesubj&link=29109_29105وجوه اعتضاد المرسل عندنا أن يوافقه فعل صحابي ، فيكون هذا عاضدا ثالثا بعد العاضدين السابقين وهما قول
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وقول
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير ، ويكون الحديث مشتملا على جملة مرفوعة مرسلة ، وجملة موقوفة متصلة عاضدة لتلك الجملة المرسلة ، وإنما أوردهما
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس كذلك ؛ لأن قصده توجيه الحكم الشرعي ، وهو استحباب الإطعام عن الموتى مدة سبعة أيام ، فذكر أن سببه ورود فتنتهم في تلك الأيام ؛ ولهذا فرعه عليه بالفاء حيث قال : فكانوا يستحبون أن يطعم عنه تلك الأيام ، ونظير هذا الأثر في ذلك ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في " شعب الإيمان " ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري قال : إنما كره المنديل بعد الوضوء لأن ماء الوضوء يوزن ، أراد
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري - وهو من التابعين - تعليل الحكم الشرعي - وهو ترك
nindex.php?page=treesubj&link=78التنشيف بعد الوضوء - بسبب لا يؤخذ إلا من الأحاديث المرفوعة ، لأن وزن ماء الوضوء لا يدرك إلا بتوقيف ؛ لأنه من أحوال القيامة ، فلما أورد الحديث مورد التعليل أورده مرسلا محذوفا منه الصحابي .
وقد قال
النووي في آخر " شرح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " قد عملت الصحابة فمن بعدهم بهذا ، فيفتي الإنسان منهم بمعنى الحديث عند الحاجة إلى الفتيا دون الرواية ولا يرفعه ، فإذا كان في وقت آخر رفعه .
وقال
الرافعي في " شرح المسند " : قد يحتج المحتج ويفتي المفتي بلفظ الحديث ولا يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أثر
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس أمرا ثانيا ، وهو اتصال الجملة الأولى أيضا ؛ لأن الإخبار عن الصحابة بأنهم كانوا يستحبون الإطعام عن الموتى تلك الأيام السبعة صريح في أن ذلك كان معلوما عندهم ، وأنهم كانوا يفعلون ذلك لقصد التثبيت عند الفتنة في تلك الأيام ، وإن كان معلوما عند الصحابة كان ناشئا عن التوقيف كما تقدم تقريره ، وحينئذ يكون الحديث من باب المرفوع المتصل لا المرسل ؛ لأن الإرسال قد زال ، وتبين الاتصال بنقل
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس عن الصحابة ؛ ولهذا قلت في أرجوزتي :
إسناده قد صح وهو مرسل وقد يرى من جهة يتصل
لأنه وإن كان مرسلا في الصورة الظاهرة إلا أنه عند التأمل يتبين اتصاله من جهة ما نقله
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس عن الصحابة من استحباب الإطعام في تلك الأيام المستلزم لكون السبب في ذلك وهو الفتنة فيها كان معلوما عندهم ، وتبين بذلك السر في إرسال
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس الحديث وعدم تسمية الصحابي المبلغ له ؛ لكونه كان مشهورا إذ ذاك ، والمبلغون له فيهم كثرة
[ ص: 224 ] فاستغنى عن تسمية أحد منهم ؛ ولأن في استيعاب ذكر من بلغه طولا ، وإن سمى البعض أوهم الاقتصار عليه أنه لم يبلغه إلا ممن سمى فقط ، وخصوصا على القول بأن هذه الصيغة تحمل على الإخبار عن جميع الأمة ، فإن ذلك يكون أبلغ في عدم تسمية أحد من المبلغين ، وعلى كل تقدير فالحديث مقبول ، ويحتج به لأن الأمر دائر بين أن يكون متصلا وبين أن يكون مرسلا عضده مرسلان آخران ، وفعل بعض الصحابة أو كلهم أو كل الأمة في ذلك العصر ، فهذا تقرير الكلام على قبول الحديث والاحتجاج به من جهة في الحديث والأصول ، والله أعلم .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ : قَوْلُهُ : كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ، مِنْ بَابِ
nindex.php?page=treesubj&link=29124قَوْلِ التَّابِعِيِّ كَانُوا يَفْعَلُونَ ، وَفِيهِ قَوْلَانِ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَيْضًا مِنْ بَابِ الْمَرْفُوعِ ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ كَانَ النَّاسُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعْلَمُ بِهِ وَيُقِرُّ عَلَيْهِ .
وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَزْوِ إِلَى الصَّحَابَةِ دُونَ انْتِهَائِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ اخْتُلِفَ عَلَى هَذَا هَلْ هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ ، فَيَكُونَ نَقْلًا لِلْإِجْمَاعِ أَوْ عَنْ بَعْضِهِمْ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ ، أَصَحُّهُمَا فِي " شَرْحِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ "
للنووي .
الثَّانِي : قَالَ
شمس الدين البرشنسي فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِ " الْمَوْرِدِ الْأَصْفَى فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ " : قَوْلُ التَّابِعِيِّ كَانُوا يَفْعَلُونَ يَدُلُّ عَلَى فِعْلِ الْبَعْضِ ، وَقِيلَ : يَدُلُّ عَلَى فِعْلِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ أَوِ الْبَعْضِ وَسُكُوتِ الْبَاقِينَ ، أَوْ فَعَلُوا كُلُّهُمْ عَلَى وَجْهٍ ظَهَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ ، انْتَهَى .
وَقَالَ
الرافعي فِي " شَرْحِ الْمُسْنَدِ " : مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ مَشْهُورًا فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ، فَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ : " فَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ " إِنْ حُمِلَ عَلَى الرَّفْعِ - كَمَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ - كَانَ ذَلِكَ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ ، وَيَكُونُ الْحَدِيثُ اشْتَمَلَ عَلَى أَمْرَيْنِ ، أَحَدُهُمَا أَصْلٌ اعْتِقَادِيٌّ ، وَهُوَ فِتْنَةُ الْمَوْتَى سَبْعَةَ أَيَّامٍ ، وَالثَّانِي حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَرْعِيٌّ ، وَهُوَ اسْتِحْبَابُ التَّصَدُّقِ وَالْإِطْعَامِ عَلَيْهِمْ مُدَّةَ تِلْكَ الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ ، كَمَا اسْتُحِبَّ سُؤَالُ التَّثْبِيتِ بَعْدَ الدَّفْنِ سَاعَةً ، وَيَكُونُ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ مُرْسَلَ الْإِسْنَادِ ؛ لِإِطْلَاقِ التَّابِعِيِّ لَهُ وَعَدَمِ تَسْمِيَتِهِ الصَّحَابِيَّ الَّذِي بَلَّغَهُ ذَلِكَ ، فَيَكُونُ مَقْبُولًا عِنْدَ مَنْ يَقْبَلُ الْمُرْسَلَ مُطْلَقًا ، وَعِنْدَ مَنْ يَقْبَلُهُ بِشَرْطِ الِاعْتِضَادِ لِمَجِيئِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16531عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، وَحِينَئِذٍ فَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْأَئِمَّةِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهَذَا الْمُرْسَلِ ، وَإِنْ حَمَلْنَا قَوْلَهُ : فَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ ، وَأَنَّهُ نَقْلٌ لِلْإِجْمَاعِ كَمَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي ، فَهُوَ مُتَّصِلٌ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسًا أَدْرَكَ كَثِيرًا مِنَ الصَّحَابَةِ ، فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ بِالْمُشَاهَدَةِ ، وَأَخْبَرَ عَنْ بَقِيَّةِ مَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ مِنْهُمْ بِالْبَلَاغِ عَنْهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ أَدْرَكَهُمْ ، وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَقَطْ كَمَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ - وَهُوَ الْأَصَحُّ - كَانَ مُتَّصِلًا عَنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ الَّذِينَ أَدْرَكَهُمْ ، وَحِينَئِذٍ فَالْحَدِيثُ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَمْرَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ، فَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ مُتَّصِلٌ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِمَّا مُرْسَلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ لَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ صَاحِبِ الْوَحْيِ ، وَقَدْ أَطْلَقَهُ تَابِعِيٌّ
[ ص: 223 ] فَيَكُونُ مُرْسَلًا لِحَذْفِ الصَّحَابِيِّ الْمُبَلِّغِ لَهُ مِنَ السَّنَدِ ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْأَمْرُ الثَّانِي الْمَنْقُولُ عَنِ الصَّحَابَةِ أَوْ عَنْ بَعْضِهِمْ عَاضِدًا لِذَلِكَ الْمُرْسَلِ ؛ لِأَنَّ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29109_29105وُجُوهِ اعْتِضَادِ الْمُرْسَلِ عِنْدَنَا أَنْ يُوَافِقَهُ فِعْلُ صَحَابِيٍّ ، فَيَكُونُ هَذَا عَاضِدًا ثَالِثًا بَعْدَ الْعَاضِدَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَهُمَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16531عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، وَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُشْتَمِلًا عَلَى جُمْلَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُرْسَلَةٍ ، وَجُمْلَةٍ مَوْقُوفَةٍ مُتَّصِلَةٍ عَاضِدَةٍ لِتِلْكَ الْجُمْلَةِ الْمُرْسَلَةِ ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُمَا
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٌ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ تَوْجِيهُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ، وَهُوَ اسْتِحْبَابُ الْإِطْعَامِ عَنِ الْمَوْتَى مُدَّةَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ ، فَذَكَرَ أَنَّ سَبَبَهُ وُرُودُ فِتْنَتِهِمْ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ ؛ وَلِهَذَا فَرَّعَهُ عَلَيْهِ بِالْفَاءِ حَيْثُ قَالَ : فَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنَّ يُطْعَمَ عَنْهُ تِلْكَ الْأَيَّامَ ، وَنَظِيرُ هَذَا الْأَثَرِ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13933وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ " ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ قَالَ : إِنَّمَا كُرِهَ الْمِنْدِيلُ بَعْدَ الْوُضُوءِ لِأَنَّ مَاءَ الْوُضُوءِ يُوزَنُ ، أَرَادَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ - وَهُوَ مِنَ التَّابِعِينَ - تَعْلِيلَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ - وَهُوَ تَرْكُ
nindex.php?page=treesubj&link=78التَّنْشِيفِ بَعْدَ الْوُضُوءِ - بِسَبَبٍ لَا يُؤْخَذُ إِلَّا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ ، لِأَنَّ وَزْنَ مَاءِ الْوُضُوءِ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ ، فَلَمَّا أَوْرَدَ الْحَدِيثَ مَوْرِدَ التَّعْلِيلِ أَوْرَدَهُ مُرْسَلًا مَحْذُوفًا مِنْهُ الصَّحَابِيُّ .
وَقَدْ قَالَ
النووي فِي آخِرِ " شَرْحِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ " قَدْ عَمِلَتِ الصَّحَابَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ بِهَذَا ، فَيُفْتِي الْإِنْسَانُ مِنْهُمْ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الْفُتْيَا دُونَ الرِّوَايَةِ وَلَا يَرْفَعُهُ ، فَإِذَا كَانَ فِي وَقْتٍ آخَرَ رَفَعَهُ .
وَقَالَ
الرافعي فِي " شَرْحِ الْمُسْنَدِ " : قَدْ يَحْتَجُّ الْمُحْتَجُّ وَيُفْتِي الْمُفْتِي بِلَفْظِ الْحَدِيثِ وَلَا يُسْنِدُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَحْتَمِلُ أَثَرُ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ أَمْرًا ثَانِيًا ، وَهُوَ اتِّصَالُ الْجُمْلَةِ الْأُولَى أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنِ الصَّحَابَةِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ الْإِطْعَامَ عَنِ الْمَوْتَى تِلْكَ الْأَيَّامَ السَّبْعَةَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِقَصْدِ التَّثْبِيتِ عِنْدَ الْفِتْنَةِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ ، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ الصَّحَابَةِ كَانَ نَاشِئًا عَنِ التَّوْقِيفِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْحَدِيثُ مِنْ بَابِ الْمَرْفُوعِ الْمُتَّصِلِ لَا الْمُرْسَلِ ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ قَدْ زَالَ ، وَتَبَيَّنَ الِاتِّصَالُ بِنَقْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ عَنِ الصَّحَابَةِ ؛ وَلِهَذَا قُلْتُ فِي أُرْجُوزَتِي :
إِسْنَادُهُ قَدْ صَحَّ وَهْوَ مُرْسَلُ وَقَدْ يُرَى مِنْ جِهَةٍ يَتَّصِلُ
لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ إِلَّا أَنَّهُ عِنْدَ التَّأَمُّلِ يَتَبَيَّنُ اتِّصَالُهُ مِنْ جِهَةِ مَا نَقَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٌ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنِ اسْتِحْبَابِ الْإِطْعَامِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ الْمُسْتَلْزِمِ لِكَوْنِ السَّبَبِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الْفِتْنَةُ فِيهَا كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ ، وَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ السِّرُّ فِي إِرْسَالِ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٍ الْحَدِيثَ وَعَدَمَ تَسْمِيَةِ الصَّحَابِيِّ الْمُبَلِّغِ لَهُ ؛ لِكَوْنِهِ كَانَ مَشْهُورًا إِذْ ذَاكَ ، وَالْمُبَلِّغُونَ لَهُ فِيهِمْ كَثْرَةٌ
[ ص: 224 ] فَاسْتَغْنَى عَنْ تَسْمِيَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ ؛ وَلِأَنَّ فِي اسْتِيعَابِ ذِكْرِ مَنْ بَلَغَهُ طُولًا ، وَإِنْ سَمَّى الْبَعْضَ أَوْهَمَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ إِلَّا مِمَّنْ سَمَّى فَقَطْ ، وَخُصُوصًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تُحْمَلُ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ جَمِيعِ الْأُمَّةِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ أَبْلَغَ فِي عَدَمِ تَسْمِيَةِ أَحَدٍ مِنَ الْمُبَلِّغِينَ ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالْحَدِيثُ مَقْبُولٌ ، وَيُحْتَجُّ بِهِ لِأَنَّ الْأَمْرَ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا عَضَّدَهُ مُرْسَلَانِ آخَرَانِ ، وَفِعْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَوْ كُلِّهِمْ أَوْ كُلِّ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ ، فَهَذَا تَقْرِيرُ الْكَلَامِ عَلَى قَبُولِ الْحَدِيثِ وَالِاحْتِجَاجِ بِهِ مِنْ جِهَةٍ فِي الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .