73- الزند الوري في الجواب عن السؤال السكندري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى .
مسألة : ورد من
الإسكندرية سؤال صورته : روي في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006248والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار " قال الشيخ
محيي الدين النووي في شرحه لصحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : قوله صلى الله عليه وسلم لا يسمع بي أحد من هذه الأمة - أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة - فكلهم ممن يجب عليه الدخول في طاعته ، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيها على من سواهما ، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابا فغيرهم ممن لا كتاب له أولى .
قلت : وقد أشكل هذا الحديث على بعض الناس من جهة تنزيل المقصود منه على القواعد النحوية ، فإن المقصود من الحديث أنه من
nindex.php?page=treesubj&link=28671_30558_30539سمع بنبينا عليه الصلاة والسلام ممن شملته بعثته العامة ثم مات غير مؤمن بما أرسل به كان من أصحاب النار . وفي تنزيل لفظ الحديث على هذا المقصود قلق كما سيأتي ، وهذا الإشكال يعرض كثيرا في غير لفظ الحديث أيضا ، كقولك : ما جاءني زيد إلا أكرمته ، وما أحسنت إلى لئيم إلا أساء إلي ، وما أنعمت على عمرو إلا شكر ، وأمثال ذلك كثيرة في الكتاب والسنة وكلام العرب ، والغرض في الجميع أن يكون الواقع بعد " إلا " مرتبا مضمونه على مضمون ما بعد حرف النفي ، أي : مهما جاءني زيد أكرمته ، ومهما أحسنت إلى لئيم أساء إلي ، ومهما أنعمت على عمرو شكر ، وهكذا في سائر الأمثلة التي بهذه المثابة ، وتطبيق اللفظ على هذا الغرض غير متأت بحسب الظاهر ، فإن غاية ما يتخيل في هذا الاستثناء أن يكون
[ ص: 340 ] مفرغا باعتبار الأحوال ، فتكون الجملة الواقعة بعد " إلا " في محل نصب على أنها حال من الفاعل أو من المفعول المتقدم ذكره ، أي ما جاءني زيد إلا في حال كوني مكرما له ، وما أحسنت إلى لئيم إلا في حال كونه مسيئا إلي ، وما أنعمت على عمرو إلا في حال كونه شاكرا للنعمة . وهذا مشكل ; فإن الحال مقيدة لعاملها ومقارنة له ، وليس الإكرام مقيدا بمجيء زيد بحسب المقصود ولا مقارنا له في الزمن ، وكذا بقية الأمثلة .
فإن قلت : اجعل الحال مقدرة كما في قولهم : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ، أي مريدا الصيد به ، فكذا في الأمثلة ، أي : ما جاءني زيد إلا في حال كوني مريدا لإكرامه ، وما أحسنت إلى لئيم إلا في حال كونه مريدا الإساءة إلي ، وما أنعمت على عمرو إلا في حال كونه مريدا الشكر ، وعلى هذا تتأتى المقارنة والتقييد ، ولا إشكال .
قلت : هذا وإن كان في نفسه معنى ممكن الاستقامة فهو غير مفيد للغرض المصوغ لهذا الكلام ; إذ المقصود كما سبق وقوع مضمون ما بعد حرف الاستثناء مرتبا على مضمون ما بعد حرف النفي ، ولا يلزم من إنعامك على عمرو في حال إرادته للشكر أن يكون الشكر وقع بالفعل مرتبا على الإنعام عليه ; لجواز تخلف متعلق الإرادة الحادثة عنها ، وكذا الكلام في بقية الأمثلة ، فقد ظهر امتناع جعل ما بعد إلا حالا ، لا من قبيل الحال المحققة ، ولا من قبيل الحال المقدرة ، ولا مساغ لغير الحال فيه فيما يظهر ببادئ الرأي ، فتقرر الإشكال .
فإن قلت : لم لا تجعل التفريع باعتبار ظرف الزمان ، أي : ما جاءني زيد في حين من الأحيان إلا في حين أكرمته ، فحذف الحين كما في قولهم : جئتك صلاة العصر ، أي حين صلاة العصر ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . قلت : يمتنع ذلك لفظا ومعنى ، أما لفظا فلأن الظرف في مسألتنا على زعمك مضاف إلى الجملة ، ولا يحذف مضاف إلى الجملة وتقوم الجملة مقامه ، وإنما ذلك إذا كان المضاف إليه مفردا كما في جئتك في صلاة العصر ، وما أجازه
أبو حيان في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=48واتقوا يوما لا تجزي نفس ) من أن الأصل " يوما يوم لا تجزي نفس " ، فأبدل يوم الثاني من الأول ثم حذف المضاف مردود ; قال
ابن هشام : لا نعلم هذا واقعا في الكلام ، ثم إن ادعى على أن الجملة باقية على محلها من الجر فشاذ ، أو أنها أنيبت عن المضاف فلا تكون الجملة مفعولا في مثل هذا
[ ص: 341 ] الموضع ، وأما معنى ; فيظهر مما أبطلنا به وجهي الحال المحققة والمقدرة ، إذ ليس المراد أن زيدا لم يجئ إلا في حال إكرامك له أو حال إرادتك لإكرامه ، وإنما حينئذ المقصود ما أسلفناه ، والكلام في تنزيل اللفظ عليه ، فالإشكال بحاله .
وفي الحديث إشكال من جهة أخرى ، وهو أنه يقدم الاستثناء الواقع فيه جمل ، فإن أعدته إلى الجميع وبنينا على أن العامل في المستثنى هو من قبل " إلا " من فعل أو معناه بواسطة " إلا " كما يراه البصريون لزم اجتماع عوامل على معمول واحد ، وهو باطل على ما تقرر في علم النحو ، وإن أعدته إلى الجملة الأولى فقط لزم الخلف في الخبر ، وذلك أن التقدير حينئذ : لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني إلا كان من أصحاب النار . وكم من يهودي ونصراني يسمع به بعد البعثة ولا يكون من أصحاب النار ، بأن يسلم ويموت على الإسلام ، وإن جعلته راجعا إلى ما بعد الجملة الأولى فقط على ما فيه صارت الجملة الأولى لا تعرض فيها إلا الاستثناء ، فيلزم الخلف أيضا ، إذ كثير من
اليهود والنصارى يسمع به بعد البعثة - هذا آخر السؤال .
الجواب : قال
ابن مالك في " التسهيل " في تقرير القاعدة التي من أفرادها هذا الحديث ويليها أي إلا في النفي فعل مضارع بلا شرط وماض مسبوق بفعل أو مقرون بقد . وقال في شرحه : مثال المضارع ما كان زيد إلا يفعل كذا ، وما خرج زيد إلا يجر ثوبه ، وما زيد إلا يفعل كذا ، ومثال الماضي مسبوقا بفعل : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30ما يأتيهم من رسول إلا كانوا ) ومقرونا بقد قول الشاعر :
ما المجد إلا قد تبين أنه تندى وحلم لا يزال مؤثلا
قال : وإنما أغنى اقتران الماضي بقد عن تقدم فعل ; لأن " قد " تقربه من الحال ، فيكون بذلك شبيها بالمضارع ، وإنما كان المضارع مستغنيا عن شرط ; لأنه شبيه بالاسم ، وإنما ساغ بتقديم الفعل مقرونا بالنفي لجعل الكلام بمعنى : كلما كان كذا . فكان فيه فعلان كما كان مع كلما ، فلو قلت : ما زيد إلا قائم -لم يجز ; لأنه ليس مما ذكر ، وعلة ذلك أن المستثنى لا يكون إلا اسما أو مؤولا باسم ، والماضي المجرد من " قد " بعيد من شبه الاسم ، وأما قولهم : أنشدك بالله ألا فعلت ، فإنه في معنى النفي ، كقولهم : شرا أهر ذا ناب ، أي ما أسألك إلا فعلك انتهى . وقال
أبو البقاء في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30ما يأتيهم من رسول إلا كانوا )
[ ص: 342 ] إن الجملة حال من ضمير المفعول في " يأتهم " وهي حال مقدرة ، ويجوز أن تكون صفة لرسول على اللفظ أو الموضع ، انتهى .
فعلم من ذلك تخريج الحديث على الوجهين ، والأرجح الحالية لأمرين : أحدهما أن وقوع ما بعد " إلا " وصفا لما قبلها رأي ضعيف في العربية ، بل قال
ابن مالك : إنه لا يعرف لبصري ولا لكوفي ، وإن
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري تفرد بذلك ، وإن ما أوهم خلاف ذلك فمؤول على الحال . وكأن أبا البقاء تابع في ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري .
الثاني : أن الحالية تطرد في جميع الأمثلة ، والوصفية لا تطرد بل تختص بما إذا كان الاسم السابق نكرة كالحديث ، أما نحو : ما جاءني زيد إلا أكرمته فلا يمكن فيه الوصفية كما لا يخفى ، فعلم بذلك ترجيح الحالية ، وكأنها مقدرة كما صرح به
أبو البقاء ، وما أورد على ذلك من عدم الملازمة وجواز تخلف متعلق الإرادة الحادثة عنها ، فهو وإن كان كلاما صحيحا في نفسه إلا أنه لا يقدح في التخريج ، ولو روعي هذا المعنى لم يكن يصح لنا حال مقدرة ، وكم من قاعدة نحوية قدرت ولم يبال بمخالفتها للقواعد العقلية ، فإن من النحو والفقه معقول من منقول كما ذكر ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني ، فتارة يلاحظ فيها الأمر العقلي ، وتارة يلاحظ الأمر النقلي ، على أن ما ذكر من الترتيب وما أورد عليه من عدم الملازمة ، إنما يتجه لو كان الترتيب المذكور عقليا لا يتخلف ، وليس الأمر كذلك ، فإن الترتيب الذي في الحديث شرعي لا عقلي ، والذي في الأمثلة أيضا ليس بعقلي ، بل عادي خاص ، أي بحسب عادة المتكلم ، أو من تعلق به فعله ، ومثل ذلك يكتفى به في الحال المقدرة .
وأمر آخر : وهو أن ما ذكر في وجه الترتيب تفسير معنى ، وما ذكر في تقرير الحال تفسير إعراب ، وهم يفرقون بين تفسير المعنى وتفسير الإعراب ، ولا يلتزمون توافقهما كما وقع ذلك كثيرا
nindex.php?page=showalam&ids=16076لسيبويه nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري وغيرهما . وأما الإشكال الثاني ففي غاية السقوط ; لأن الجمل السابقة ليست مستقلة ، بل جملة : " ثم يموت ولا يؤمن " مرتبطة بالجملة الأولى على أنها قيد فيها ، و " ثم " هنا واقعة موقع الفاء ، فإنها لمجرد الربط لا للتراخي كما في قوله : جرى في الأنابيب ثم اضطرب . وفي بعض طرق الحديث : لا يسمع بي من يهودي ولا نصراني فلم يؤمن بي إلا كان من أصحاب النار . فعلم أن جملة " يؤمن " مرتبطة بالأولى ، وفاء الربط تصير الجملتين في حكم جملة واحدة كما قرره النحاة في باب العطف في مسألة : الذي يطير فيغضب زيد الذباب ، فقوله : إن أعدته إلى الجملة الأولى
[ ص: 343 ] لزم الخلف إلى آخره ، مدفوع بأنه إذا أعيد إليها مقيدة بمضمون ما بعدها لا يلزم ما ذكر ، والله تعالى أعلم .
73- الزَّنْدُ الْوَرِيُّ فِي الْجَوَابِ عَنِ السُّؤَالِ السَّكَنْدَرِيِّ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى .
مَسْأَلَةٌ : وَرَدَ مِنَ
الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ سُؤَالٌ صُورَتُهُ : رُوِيَ فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006248وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ " قَالَ الشَّيْخُ
محيي الدين النووي فِي شَرْحِهِ لِصَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ - أَيْ مِمَّنْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ - فَكُلُّهُمْ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا ، فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى .
قُلْتُ : وَقَدْ أُشْكِلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ مِنْ جِهَةِ تَنْزِيلِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ عَلَى الْقَوَاعِدِ النَّحْوِيَّةِ ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28671_30558_30539سَمِعَ بِنَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِمَّنْ شَمِلَتْهُ بِعْثَتُهُ الْعَامَّةُ ثُمَّ مَاتَ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بِمَا أُرْسِلَ بِهِ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ . وَفِي تَنْزِيلِ لَفْظِ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْمَقْصُودِ قَلَقٌ كَمَا سَيَأْتِي ، وَهَذَا الْإِشْكَالُ يَعْرِضُ كَثِيرًا فِي غَيْرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ أَيْضًا ، كَقَوْلِكَ : مَا جَاءَنِي زَيْدٌ إِلَّا أَكْرَمْتُهُ ، وَمَا أَحْسَنْتُ إِلَى لَئِيمٍ إِلَّا أَسَاءَ إِلَيَّ ، وَمَا أَنْعَمْتُ عَلَى عَمْرٍو إِلَّا شَكَرَ ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ ، وَالْغَرَضُ فِي الْجَمِيعِ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ بَعْدَ " إِلَّا " مُرَتَّبًا مَضْمُونُهُ عَلَى مَضْمُونِ مَا بَعْدَ حَرْفِ النَّفْيِ ، أَيْ : مَهْمَا جَاءَنِي زَيْدٌ أَكْرَمْتُهُ ، وَمَهْمَا أَحْسَنْتُ إِلَى لَئِيمٍ أَسَاءَ إِلَيَّ ، وَمَهْمَا أَنْعَمْتُ عَلَى عَمْرٍو شَكَرَ ، وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ ، وَتَطْبِيقُ اللَّفْظِ عَلَى هَذَا الْغَرَضِ غَيْرُ مُتَأَتٍّ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ ، فَإِنَّ غَايَةَ مَا يُتَخَيَّلُ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ
[ ص: 340 ] مُفَرَّغًا بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ ، فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ الْوَاقِعَةُ بَعْدَ " إِلَّا " فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهَا حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ أَوْ مِنَ الْمَفْعُولِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ ، أَيْ مَا جَاءَنِي زَيْدٌ إِلَّا فِي حَالِ كَوْنِي مُكْرِمًا لَهُ ، وَمَا أَحْسَنْتُ إِلَى لَئِيمٍ إِلَّا فِي حَالِ كَوْنِهِ مُسِيئًا إِلَيَّ ، وَمَا أَنْعَمْتُ عَلَى عَمْرٍو إِلَّا فِي حَالِ كَوْنِهِ شَاكِرًا لِلنِّعْمَةِ . وَهَذَا مُشْكِلٌ ; فَإِنَّ الْحَالَ مُقَيِّدَةٌ لِعَامِلِهَا وَمُقَارِنَةٌ لَهُ ، وَلَيْسَ الْإِكْرَامُ مُقَيَّدًا بِمَجِيءِ زَيْدٍ بِحَسْبِ الْمَقْصُودِ وَلَا مُقَارِنًا لَهُ فِي الزَّمَنِ ، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَمْثِلَةِ .
فَإِنْ قُلْتَ : اجْعَلِ الْحَالَ مُقَدَّرَةً كَمَا فِي قَوْلِهِمْ : مَرَرْتُ بِرَجُلٍ مَعَهُ صَقْرٌ صَائِدًا بِهِ غَدًا ، أَيْ مُرِيدًا الصَّيْدَ بِهِ ، فَكَذَا فِي الْأَمْثِلَةِ ، أَيْ : مَا جَاءَنِي زَيْدٌ إِلَّا فِي حَالِ كَوْنِي مُرِيدًا لِإِكْرَامِهِ ، وَمَا أَحْسَنْتُ إِلَى لَئِيمٍ إِلَّا فِي حَالِ كَوْنِهِ مُرِيدًا الْإِسَاءَةَ إِلَيَّ ، وَمَا أَنْعَمْتُ عَلَى عَمْرٍو إِلَّا فِي حَالِ كَوْنِهِ مُرِيدًا الشُّكْرَ ، وَعَلَى هَذَا تَتَأَتَّى الْمُقَارَنَةُ وَالتَّقْيِيدُ ، وَلَا إِشْكَالَ .
قُلْتُ : هَذَا وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ مَعْنًى مُمْكِنُ الِاسْتِقَامَةِ فَهُوَ غَيْرُ مُفِيدٍ لِلْغَرَضِ الْمَصُوغِ لِهَذَا الْكَلَامِ ; إِذِ الْمَقْصُودُ كَمَا سَبَقَ وُقُوعُ مَضْمُونِ مَا بَعْدَ حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ مُرَتَّبًا عَلَى مَضْمُونِ مَا بَعْدَ حَرْفِ النَّفْيِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِنْعَامِكَ عَلَى عَمْرٍو فِي حَالِ إِرَادَتِهِ لِلشُّكْرِ أَنْ يَكُونَ الشُّكْرُ وَقَعَ بِالْفِعْلِ مُرَتَّبًا عَلَى الْإِنْعَامِ عَلَيْهِ ; لِجَوَازِ تَخَلُّفِ مُتَعَلِّقِ الْإِرَادَةِ الْحَادِثَةِ عَنْهَا ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِي بَقِيَّةِ الْأَمْثِلَةِ ، فَقَدْ ظَهَرَ امْتِنَاعٌ جَعْلِ مَا بَعْدَ إِلَّا حَالًا ، لَا مِنْ قَبِيلِ الْحَالِ الْمُحَقَّقَةِ ، وَلَا مِنْ قَبِيلِ الْحَالِ الْمُقَدَّرَةِ ، وَلَا مَسَاغَ لِغَيْرِ الْحَالِ فِيهِ فِيمَا يَظْهَرُ بِبَادِئِ الرَّأْيِ ، فَتَقَرَّرَ الْإِشْكَالُ .
فَإِنْ قُلْتَ : لِمَ لَا تَجْعَلُ التَّفْرِيعَ بِاعْتِبَارِ ظَرْفِ الزَّمَانِ ، أَيْ : مَا جَاءَنِي زَيْدٌ فِي حِينٍ مِنَ الْأَحْيَانِ إِلَّا فِي حِينٍ أَكْرَمْتُهُ ، فَحَذَفَ الْحِينَ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ : جِئْتُكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ ، أَيْ حِينَ صَلَاةِ الْعَصْرِ ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ . قُلْتُ : يَمْتَنِعُ ذَلِكَ لَفْظًا وَمَعْنًى ، أَمَّا لَفْظًا فَلِأَنَّ الظَّرْفَ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى زَعْمِكَ مُضَافٌ إِلَى الْجُمْلَةِ ، وَلَا يُحْذَفُ مُضَافٌ إِلَى الْجُمْلَةِ وَتَقُومُ الْجُمْلَةُ مَقَامَهُ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مُفْرَدًا كَمَا فِي جِئْتُكَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ ، وَمَا أَجَازَهُ
أبو حيان فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=48وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ ) مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ " يَوْمًا يَوْمَ لَا تَجْزِي نَفْسٌ " ، فَأَبْدَلَ يَوْمَ الثَّانِي مِنَ الْأَوَّلِ ثُمَّ حَذَفَ الْمُضَافَ مَرْدُودٌ ; قَالَ
ابن هشام : لَا نَعْلَمُ هَذَا وَاقِعًا فِي الْكَلَامِ ، ثُمَّ إِنِ ادَّعَى عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ بَاقِيَةٌ عَلَى مَحَلِّهَا مِنَ الْجَرِّ فَشَاذٌّ ، أَوْ أَنَّهَا أُنِيبَتْ عَنِ الْمُضَافِ فَلَا تَكُونُ الْجُمْلَةُ مَفْعُولًا فِي مِثْلِ هَذَا
[ ص: 341 ] الْمَوْضِعِ ، وَأَمَّا مَعْنًى ; فَيَظْهَرُ مِمَّا أَبْطَلْنَا بِهِ وَجْهَيِ الْحَالِ الْمُحَقَّقَةِ وَالْمُقَدَّرَةِ ، إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يَجِئْ إِلَّا فِي حَالِ إِكْرَامِكَ لَهُ أَوْ حَالِ إِرَادَتِكَ لِإِكْرَامِهِ ، وَإِنَّمَا حِينَئِذٍ الْمَقْصُودُ مَا أَسْلَفْنَاهُ ، وَالْكَلَامُ فِي تَنْزِيلِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ ، فَالْإِشْكَالُ بِحَالِهِ .
وَفِي الْحَدِيثِ إِشْكَالٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ، وَهُوَ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الِاسْتِثْنَاءَ الْوَاقِعُ فِيهِ جُمَلٌ ، فَإِنْ أَعَدْتَهُ إِلَى الْجَمِيعِ وَبَنَيْنَا عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمُسْتَثْنَى هُوَ مِنْ قِبَلِ " إِلَّا " مِنْ فِعْلٍ أَوْ مَعْنَاهُ بِوَاسِطَةِ " إِلَّا " كَمَا يَرَاهُ الْبَصْرِيُّونَ لَزِمَ اجْتِمَاعُ عَوَامِلَ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ بَاطِلٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ ، وَإِنْ أَعَدْتَهُ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى فَقَطْ لَزِمَ الْخُلْفُ فِي الْخَبَرِ ، وَذَلِكَ أَنَّ التَّقْدِيرَ حِينَئِذٍ : لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ . وَكَمْ مِنْ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ يَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْبَعْثَةِ وَلَا يَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ، بِأَنْ يُسْلِمَ وَيَمُوتَ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ رَاجِعًا إِلَى مَا بَعْدَ الْجُمْلَةِ الْأُولَى فَقَطْ عَلَى مَا فِيهِ صَارَتِ الْجُمْلَةُ الْأَوْلَى لَا تُعْرَضُ فِيهَا إِلَّا الِاسْتِثْنَاءُ ، فَيَلْزَمُ الْخُلْفُ أَيْضًا ، إِذْ كَثِيرٌ مِنَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْبَعْثَةِ - هَذَا آخِرُ السُّؤَالِ .
الْجَوَابُ : قَالَ
ابن مالك فِي " التَّسْهِيلِ " فِي تَقْرِيرِ الْقَاعِدَةِ الَّتِي مِنْ أَفْرَادِهَا هَذَا الْحَدِيثُ وَيَلِيهَا أَيْ إِلَّا فِي النَّفْيِ فِعْلٌ مُضَارِعٌ بِلَا شَرْطٍ وَمَاضٍ مَسْبُوقٌ بِفِعْلٍ أَوْ مَقْرُونٌ بِقَدْ . وَقَالَ فِي شَرْحِهِ : مِثَالُ الْمُضَارِعِ مَا كَانَ زَيْدٌ إِلَّا يَفْعَلُ كَذَا ، وَمَا خَرَجَ زَيْدٌ إِلَّا يَجُرُّ ثَوْبَهُ ، وَمَا زَيْدٌ إِلَّا يَفْعَلُ كَذَا ، وَمِثَالُ الْمَاضِي مَسْبُوقًا بِفِعْلٍ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا ) وَمَقْرُونًا بِقَدْ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
مَا الْمَجْدُ إِلَّا قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَنْدَى وَحُلْمٌ لَا يَزَالُ مُؤَثَّلًا
قَالَ : وَإِنَّمَا أَغْنَى اقْتِرَانُ الْمَاضِي بِقَدْ عَنْ تَقَدُّمِ فِعْلٍ ; لِأَنَّ " قَدْ " تُقَرِّبُهُ مِنَ الْحَالِ ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ شَبِيهًا بِالْمُضَارِعِ ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُضَارِعُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ شَرْطٍ ; لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالِاسْمِ ، وَإِنَّمَا سَاغَ بِتَقْدِيمِ الْفِعْلِ مَقْرُونًا بِالنَّفْيِ لِجَعْلِ الْكَلَامِ بِمَعْنَى : كُلَّمَا كَانَ كَذَا . فَكَانَ فِيهِ فِعْلَانِ كَمَا كَانَ مَعَ كُلَّمَا ، فَلَوْ قُلْتَ : مَا زَيْدٌ إِلَّا قَائِمٌ -لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا ذُكِرَ ، وَعِلَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَا يَكُونُ إِلَّا اسْمًا أَوْ مُؤَوَّلًا بِاسْمٍ ، وَالْمَاضِي الْمُجَرَّدُ مِنْ " قَدْ " بَعِيدٌ مِنْ شِبْهِ الِاسْمِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَلَّا فَعَلْتَ ، فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى النَّفْيِ ، كَقَوْلِهِمْ : شَرًّا أَهَرَّ ذَا نَابٍ ، أَيْ مَا أَسْأَلُكَ إِلَّا فِعْلَكَ انْتَهَى . وَقَالَ
أبو البقاء فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=30مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا )
[ ص: 342 ] إِنَّ الْجُمْلَةَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ فِي " يَأْتِهِمْ " وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صِفَةً لِرَسُولٍ عَلَى اللَّفْظِ أَوِ الْمَوْضِعِ ، انْتَهَى .
فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ تَخْرِيجُ الْحَدِيثِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ ، وَالْأَرْجَحُ الْحَالِيَّةُ لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ وُقُوعَ مَا بَعْدَ " إِلَّا " وَصْفًا لِمَا قَبْلَهَا رَأْيٌ ضَعِيفٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ ، بَلْ قَالَ
ابن مالك : إِنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِبَصْرِيٍّ وَلَا لِكُوفِيٍّ ، وَإِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيَّ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ ، وَإِنَّ مَا أَوْهَمَ خِلَافَ ذَلِكَ فَمُؤَوَّلٌ عَلَى الْحَالِ . وَكَأَنَّ أَبَا الْبَقَاءِ تَابَعَ فِي ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيَّ .
الثَّانِي : أَنَّ الْحَالِيَّةَ تَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ الْأَمْثِلَةِ ، وَالْوَصْفِيَّةَ لَا تَطَّرِدُ بَلْ تَخْتَصُّ بِمَا إِذَا كَانَ الِاسْمُ السَّابِقُ نَكِرَةً كَالْحَدِيثِ ، أَمَّا نَحْوُ : مَا جَاءَنِي زَيْدٌ إِلَّا أَكْرَمْتُهُ فَلَا يُمْكِنُ فِيهِ الْوَصْفِيَّةُ كَمَا لَا يَخْفَى ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ تَرْجِيحُ الْحَالِيَّةِ ، وَكَأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
أبو البقاء ، وَمَا أَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ عَدَمِ الْمُلَازَمَةِ وَجَوَازِ تَخَلُّفِ مُتَعَلِّقِ الْإِرَادَةِ الْحَادِثَةِ عَنْهَا ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ كَلَامًا صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي التَّخْرِيجِ ، وَلَوْ رُوعِيَ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ يَصِحُّ لَنَا حَالٌ مُقَدَّرَةٌ ، وَكَمْ مِنْ قَاعِدَةٍ نَحْوِيَّةٍ قُدِّرَتْ وَلَمْ يُبَالِ بِمُخَالَفَتِهَا لِلْقَوَاعِدِ الْعَقْلِيَّةِ ، فَإِنَّ مِنَ النَّحْوِ وَالْفِقْهِ مَعْقُولٌ مِنْ مَنْقُولٍ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابْنُ جِنِّيٍّ ، فَتَارَةً يُلَاحَظُ فِيهَا الْأَمْرُ الْعَقْلِيُّ ، وَتَارَةً يُلَاحَظُ الْأَمْرُ النَّقْلِيُّ ، عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَ مِنَ التَّرْتِيبِ وَمَا أَوْرَدَ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْمُلَازَمَةِ ، إِنَّمَا يَتَّجِهُ لَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ الْمَذْكُورُ عَقْلِيًّا لَا يَتَخَلَّفُ ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ التَّرْتِيبَ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ شَرْعِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ ، وَالَّذِي فِي الْأَمْثِلَةِ أَيْضًا لَيْسَ بِعَقْلِيٍّ ، بَلْ عَادِيٌّ خَاصٌّ ، أَيْ بِحَسَبِ عَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ ، أَوْ مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ فِعْلُهُ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُكْتَفَى بِهِ فِي الْحَالِ الْمُقَدَّرَةِ .
وَأَمْرٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي وَجْهِ التَّرْتِيبِ تَفْسِيرُ مَعْنًى ، وَمَا ذُكِرَ فِي تَقْرِيرِ الْحَالِ تَفْسِيرُ إِعْرَابٍ ، وَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ تَفْسِيرِ الْمَعْنَى وَتَفْسِيرِ الْإِعْرَابِ ، وَلَا يَلْتَزِمُونَ تَوَافُقَهُمَا كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ كَثِيرًا
nindex.php?page=showalam&ids=16076لِسِيبَوَيْهِ nindex.php?page=showalam&ids=14423وَالزَّمَخْشَرِيِّ وَغَيْرِهِمَا . وَأَمَّا الْإِشْكَالُ الثَّانِي فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ ; لِأَنَّ الْجُمَلَ السَّابِقَةَ لَيْسَتْ مُسْتَقِلَّةً ، بَلْ جُمْلَةُ : " ثُمَّ يَمُوتُ وَلَا يُؤْمِنُ " مُرْتَبِطَةٌ بِالْجُمْلَةِ الْأُولَى عَلَى أَنَّهَا قَيْدٌ فِيهَا ، وَ " ثُمَّ " هُنَا وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ الْفَاءِ ، فَإِنَّهَا لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ لَا لِلتَّرَاخِي كَمَا فِي قَوْلِهِ : جَرَى فِي الْأَنَابِيبِ ثُمَّ اضْطَرَبَ . وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ : لَا يَسْمَعُ بِي مِنْ يَهُودِيٍّ وَلَا نَصْرَانِيٍّ فَلَمْ يُؤْمِنْ بِي إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ . فَعُلِمَ أَنَّ جُمْلَةَ " يُؤْمِنُ " مُرْتَبِطَةٌ بِالْأُولَى ، وَفَاءُ الرَّبْطِ تُصَيِّرُ الْجُمْلَتَيْنِ فِي حُكْمِ جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا قَرَّرَهُ النُّحَاةُ فِي بَابِ الْعَطْفِ فِي مَسْأَلَةِ : الَّذِي يَطِيرُ فَيَغْضَبُ زَيْدٌ الذُّبَابُ ، فَقَوْلُهُ : إِنْ أَعَدْتَهُ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى
[ ص: 343 ] لَزِمَ الْخُلْفُ إِلَى آخِرِهِ ، مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ إِذَا أُعِيدَ إِلَيْهَا مُقَيَّدَةً بِمَضْمُونِ مَا بَعْدَهَا لَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .