وفي " كشف الأسرار " : علم اليقين هو المستفاد من الأخبار ، وعين اليقين مستفاد من المشاهدة ، وحق اليقين يكون بالمعاينة والمباشرة ، قال تعالى في حق الكفار : (
nindex.php?page=tafseer&surano=102&ayano=7ثم لترونها عين اليقين ) ولما دخلوها وباشروا عذابها قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=93فنزل من حميم nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=94وتصلية جحيم nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=95إن هذا لهو حق اليقين ) وقال سيدي
محمد السعودي من أصحاب سيدي
يوسف العجمي : علم اليقين معرفة الله بك ; إذ أنت عين الدليل عليه ، وهو إثبات ذات غير مكيفة ولا معلومة الماهية محكوما لها بالألوهية سلطانا ، وحجة لا ريب فيه ، عين اليقين مشاهدة هذه الذات بعينها لا بعينك ، أي بعين الذات فناء كليا لا يعقل معها نسبة الألوهية إثباتا أو نفيا ، بل مشاهدة تفني الأحكام والرسوم وتمحق الآثار - حق اليقين نسبة الألوهية إلى هذه الذات بعد المشاهدة لا قبلها ، وهو الفرق بين العلم والحق ليس إلا ، وهنا سكت المحققون- وبعد هذه
nindex.php?page=treesubj&link=29507حقيقة حق اليقين ، وهو ظهور الانفعالات عن العبد مع غيبته عنها فيه غيبا كليا وفناء محققا ، وهذه غاية المراتب ، فالثلاثة كتابية ; علم ، وعين ، وحق . والرابعة سنية ، قال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006285إن لكل حق حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟ " فهذه الحقيقة بها يختبر العبد المتحقق نفسه في دعواه في معرفة حقيقة حق اليقين فتأمله .
وأما السؤال الثالث والثلاثون : فقد وردت أحاديث تقتضي استحباب
nindex.php?page=treesubj&link=24424الجهر بالذكر ، وأحاديث تقتضي استحباب
nindex.php?page=treesubj&link=24409الإسرار به ، والجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص . قال سيدي
يوسف العجمي رضي الله عنه : قد اعترض بعض الفضلاء على
[ ص: 376 ] الجهر بالذكر مستدلا بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ) الآية ، وقوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006286خير الذكر ما خفي " . والجواب أن الله تعالى خاطب عامة عباده بمثل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=17أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) وخاطب الخاص بمثل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=24أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) وخاطب سيد أهل الحضرة
محمدا صلى الله عليه وسلم بعد أن عرفه بربه ونفسه وأراه كيف مد الظل بمثل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=45ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ) فمن لا يعرف ربه ولا نفسه ولا أراه كيف مد الظل فكيف يذكر ربه في نفسه ؟ أو كيف يرى مد الظل ؟ بل هم المخاطبون بمثل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=41اذكروا الله ذكرا كثيرا ) وأما
nindex.php?page=treesubj&link=24411الذكر الخفي فهو ما خفي عن الحفظة لا ما يخفض به الصوت ، وهو أيضا خاص به صلى الله عليه وسلم وبمن له به أسوة حسنة ، وعن
جابر رضي الله عنه "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006287أن رجلا كان يرفع صوته بالذكر ، فقال رجل : لو أن هذا خفض من صوته ، فقال صلى الله عليه وسلم : دعه فإنه أواه " . وقال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006288إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ، قيل : وما رياض الجنة ؟ قال : حلق الذكر " . وروي "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006289أنه صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه قال : ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا ، قال : آلله ما أجلسكم إلا ذلك ؟ قالوا : آلله ما أجلسنا إلا ذلك ، قال : أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ، ولكنه أتاني جبريل عليه السلام ، فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة " . وعن
أبي قتادة رضي الله عنه ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006290أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر : مررت بك وأنت تقرأ وأنت تخفض من صوتك ، فقال : إني أسمعت من ناجيت ، فقال : ارفع صوتك قليلا ، وقال لعمر : مررت بك وأنت تقرأ وأنت ترفع من صوتك ، فقال : إني أوقظ الوسنان ، وأطرد الشيطان ، قال : اخفض قليلا . وروي أن الناس كانوا يذكرون الله تعالى عند غروب الشمس يرفعون أصواتهم بالذكر ، فإذا خفيت أرسل إليهم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن ثوروا الذكر- أي ارفعوا أصواتكم . والجمع بين الآية والحديث السابقين اللذين استدل بهما وبين هذه الأحاديث والأثر-أن
nindex.php?page=treesubj&link=24424الذاكرين إذا كانوا مجتمعين على الذكر ، فالأولى في حقهم رفع الصوت بالذكر والقوة ، وأما
nindex.php?page=treesubj&link=24424إذا كان الذاكر وحده ، فإن كان من الخاص فالإخفاء في حقه أولى ، وإن كان من العام فالجهر في حقه أفضل . وقد شبه
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي رحمه الله ذكر شخص واحد وذكر جماعة مجتمعين بمؤذن واحد وجماعة مؤذنين ، فكما أن
[ ص: 377 ] أصوات الجماعة تقطع جرم الهواء أكثر من صوت شخص واحد ، فكذا ذكر جماعة على قلب واحد أكثر تأثيرا في رفع الحجب من ذكر شخص واحد ، ومن حيث الثواب فلكل واحد ثواب ذكر نفسه وثواب سماع ذكر رفقائه ، وأما قوله : إنه أكثر تأثيرا في رفع الحجب- فلأن الله تعالى شبه القلوب بالحجارة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) ومعلوم أن الحجر لا ينكسر إلا بقوة ، فقوة ذكر جماعة مجتمعين على قلب واحد أشد من قوة ذكر شخص واحد ; ولهذا قال الشيخ
نجم الدين البكري رحمة الله عليه : إن القوة في الذكر شرط ، واستدل بهذه الآية -انتهى .
وأما السؤال الرابع والثلاثون : فجوابه أن
nindex.php?page=treesubj&link=24416_24427إحداث الألحان في الذكر بدعة لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا
أبي بكر ، ولا
عمر ، ولا
عثمان ، ولا
علي ، ولا فعلها أحد من الصحابة ، ولا التابعين ، ولا السلف الصالحين ، فإن انضم إلى ذلك تمطيط الأحرف ، والإشباع في غير موضعه ، والاختلاس في غير موضعه ، والترقيص ، والتطريب ، وتعويج الحنك والرأس- فهذا مغن لا ذاكر ، وأخشى عليه أن يجاب من قبل الله باللعنة ; فإن سر الذاكر إحضار عظمة الله وهيبته في القلب بخشوع وخضوع ، وإعراض عما سواه ، والملحن في شغل شاغل عن ذلك ، وليعرض الإنسان على نفسه أن لو وقف شخص تحت بيته ونادى : آه يا سيدي فلان ، وكرر ذلك بهذا التلحين والترقيص ، أكان يرضيه ذلك ، أو يعده قليل الأدب ؟ فالتأدب مع الله أولى وأحق .
وأما السؤال الخامس والثلاثون : فأقول : مقتضى الأدلة
nindex.php?page=treesubj&link=33193_33227تفضيل اللبن على العسل ; لأمور : منها أنه يربى به الطفل ، ولا يقوم العسل ولا غيره مقامه في ذلك ، ومنها أنه يجزئ عن الطعام والشراب وليس العسل ولا غيره بهذه المثابة . روى
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وحسنه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006291من سقاه الله لبنا فليقل : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ، فإنه ليس شيء يجزئ من الطعام والشراب غير اللبن " . ومنها أنه لا يشرق به أحد ، وليس العسل ولا غيره كذلك ، روى
ابن مردويه في تفسيره ، عن
أبي لبيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
ما شرب أحد لبنا فشرق ; إن الله يقول : ( nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=66لبنا خالصا سائغا للشاربين ) ومنها
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006293أنه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء أتي بإناء من خمر ، وإناء من لبن ، وإناء من عسل ، فاختار اللبن ، فقيل : هذه الفطرة أنت عليها وأمتك - رواه الشيخان وغيرهما ، فاختياره اللبن على العسل ظاهر في تفضيله عليه ، ومن الصريح في ذلك أيضا ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12510ابن أبي عاصم عن
[ ص: 378 ] nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006294من أطعمه الله طعاما فليقل : اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ، ومن سقاه الله لبنا فليقل : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ، وإني لا أعلم شيئا يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن " . والحديث أصله في السنن الأربعة ، فقوله في الأول : وأطعمنا خيرا منه ، وفي اللبن : وزدنا منه- يعطي أنه لا شيء خير من اللبن .
وأما السؤال السادس والثلاثون : فقد كنت سئلت عنه قديما ، وأجبت بأنه لم يرد حديث ولا أثر في التفضيل بينهما ، والتفضيل يحتاج إلى توقيف . وذكر عن حافظ العصر
أبي الفضل بن حجر أنه سئل عن ذلك ، فأجاب بأن
nindex.php?page=treesubj&link=33028ماء زمزم أفضل مياه الدنيا ،
nindex.php?page=treesubj&link=30402وماء الكوثر أفضل مياه الآخرة . وهذا الجواب كما ترى ليس فيه نص على تفضيل أحدهما على الآخر . وقد يقال لمن خطر بباله تفضيل ماء
زمزم أنه يشهد له أنه صلى الله عليه وسلم غسل صدره به لما شقه
جبريل ، ولكن الذي يظهر تفضيل الكوثر ; لأنه عطية الله للنبي صلى الله عليه وسلم ،
وزمزم عطية الله
لإسماعيل ; ولأن الكوثر مصرح بذكره في القرآن في معرض الامتنان مسندا إلى نون العظمة ، ولم يقع في
زمزم مثل ذلك .
وأما السؤال السابع والثلاثون : ففي " كشف الأسرار " قال بعضهم : هما سواء لا يفضل أحدهما على الآخر . ويقال : ما دام الرجل صحيحا فالخوف أفضل ، وما دام مريضا فالرجاء أفضل ، ويقال : الخوف للعاصي أفضل ، والرجاء للمطيع أفضل ، ويقال :
nindex.php?page=treesubj&link=28686_19982الخوف قبل الذنب أفضل ،
nindex.php?page=treesubj&link=28686والرجاء بعد الذنب أفضل ; لأربعة أشياء ; أحدها : إلى فضله والخوف من عدله ، والفضل أكرم من العدل . والثاني : الرجاء إلى الوعد ، والوعد من بحر الرحمة ، والخوف من الوعيد ، والوعيد من بحر الغضب ، ورحمته سبقت غضبه . الثالث : الرجاء بالطاعة والخوف من المعصية ، ومن الطاعة ما يعلو على المعاصي كالتوحيد . والرابع : الرجاء بالرحمة والخوف من الذنوب ، والذنوب لها نهاية ، والرحمة لا نهاية لها ، ويقال : الخوف أفضل منه ; لأنه وعد بالخوف جنتين ، ولم يعد بالرجاء إلا جنة واحدة ، وأيضا الخوف يمنع من الذنوب ، وترك الذنوب أفضل من فعل الخيرات . ويقال : من عبد الله بالخوف فهو حروري ، ومن عبد الله بالرجاء فهو مرجئ ، ومن عبد الله بالحب فهو زنديق ، ومن عبد الله بالثلاثة فهو مستقيم .
وأما السؤال الثامن والثلاثون : ففي " كشف الأسرار " قال
النيسابوري : الليل أفضل ; لوجوه ; أحدها : أن الليل راحة ، والراحة من الجنة ، والنهار تعب ، والتعب من النار ، وأيضا فالليل حظ الفراش ، والنهار حظ اللباس ; ولأن الله تعالى سمى ليلة القدر خير من ألف شهر ، وليس في الأيام مثلها . وقيل : النهار أفضل ; لأنه نور ، وأيضا لا يكون في الجنة ليل ، وأيضا النهار للمعاد والمعاش .
[ ص: 379 ] قلت : قد وقفت على تأليف في
nindex.php?page=treesubj&link=31755التفضيل بين الليل والنهار nindex.php?page=showalam&ids=13417لأبي الحسين بن فارس اللغوي صاحب " المجمل " ، فذكر فيه وجوها في تفضيل هذا ووجوها في تفضيل هذا ، فمما ذكره في تفضيل الليل أن الله أنزل فيه سورة مسماة " سورة الليل " ، ولم ينزل في النهار سورة تسمى سورة النهار ، وأن الله قدم ذكره على النهار في أكثر الآيات ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=1والليل إذا يغشى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=2والنهار إذا تجلى ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وجعلنا الليل والنهار آيتين ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=71قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا ) وأن الله خلقه قبل النهار ، وأن ليالي الشهر سابقة على أيامه ، وأن في الليل ليلة خير من ألف شهر ، وليس في الأيام مثلها ، وأن في كل ليلة ساعة إجابة ، وليس ذلك في النهار إلا في يوم الجمعة خاصة ، وأن النهار فيه أوقات تكره فيها الصلاة ، وليس في شيء من ساعات الليل وقت كراهة ، والصلاة من أشرف العبادات ، وأن فيه التهجد والاستغفار بالأسحار ، وهما أفضل من صلاة النهار واستغفاره ، وأنه أصح لتلاوة الذكر ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=6إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9أم من هو قانت آناء الليل ساجدا ) وأن الإسراء وقع بالليل ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=81فأسر بأهلك بقطع من الليل ) وقال أهل العلم : في الليل تنقطع الأشغال ، وتجم الأذهان ، ويصح النظر ، وتؤلف الحكم ، وتدر الخواطر ، ويتسع مجال القلب ، ومؤلفو الكتاب يختارونه على النهار ; لأن القلب بالنهار طائر ، وبالليل ساكن ، وكذلك مدبرو الملك . وقديما كان يقال : الليل نهار الأريب ، وقال القائل :
ولم أر مثل الليل جنة فاتك إذا هم أمضى غنيمة ناسك
وعارضه صاحب النهار بأن الله قدم ذكره في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=3والنهار إذا جلاها nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=4والليل إذا يغشاها ) وبأن التقديم لا يدل على أفضليته ، فقد قدم الله الموت على الحياة ، والجن على الإنس ، والأعمى والأصم على البصير والسميع في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2خلق الموت والحياة ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=24مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع ) والمتأخر مما ذكر أفضل من المتقدم قطعا ، وبأن النور قبل الظلمة ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35الله نور السماوات والأرض ) وبأن الناس والشعراء ما زالوا يذمون الليل ويشكونه
[ ص: 380 ] كقول
امرئ القيس : وليل كموج البحر . الأبيات . وقد استعاذوا بالله من الأبهمين ، ويقال : الأعميين - السيل والليل ، وبالليل تدب الهوام ، وتثور السباع ، وتنشر اللصوص ، وتشن الغارات ، وترتكب المعاصي والفاحشات ; ولذلك قيل : الليل أخفى للويل ، وقد شبه الله تعالى به وجوه أعدائه ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=27كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما ) وكان
الحسن يقول : ما خلق الله خلقا أشد سوادا من الليل ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=113&ayano=3ومن شر غاسق إذا وقب ) قيل : هو الليل إذا أظلم ، وتقول العرب للمكثار : حاطب ليل ; لما يخشى عليه فيه من نهش أو تنهش ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006295ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن جداد الليل وصرام الليل ، وأمر بغلق الأبواب وكف الصبيان بالليل ، وقال : " إن للشيطان انتشارا وخطفة " ، وافتخرت العرب بالأيام دون الليالي ، فقالوا : يوم ذي قار ، ويوم كذا . والأسبوع أيامه مسماة دون الليالي ، فإنما تذكر بالإضافة إلى الأيام فيقال : ليلة الأحد ، وليلة كذا ، وليس المضاف كالمضاف إليه ، والأيام النبيهة أكثر من الليالي ، كيوم الجمعة ، ويوم عرفة ، ويوم عاشوراء ، والأيام المعلومات والمعدودات ، وليس في الليالي إلا ليلة القدر وليلة نصف شعبان . وقال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006296اللهم بارك لأمتي في بكورها " ، ولم يقل ذلك في شيء من الليالي .
وأما السؤال التاسع والثلاثون : ففي " كشف الأسرار " : إنما
nindex.php?page=treesubj&link=31808خلق آدم من التراب دون غيره ; لأنه لم يكن قبل آدم شيء إلا التراب ، فخلقه منه ، ثم
nindex.php?page=treesubj&link=31808خلق حواء من آدم ; لأنه أراد أن يكونا من جنس واحد ، وخلقها من الضلع ليعلم أنهن خلقن من العوج ، فلا يطمع في تقويمهن .
وأما السؤال الأربعون : ففي " كشف الأسرار " سؤال :
nindex.php?page=treesubj&link=34001لم رفع عيسى إلى السماء ؟ قيل : لأنه أراد أن يصحب الملائكة ليحصل لهم بركته كما صحبه التائبون في الدنيا ، وأيضا لما لم يكن دخوله من باب الشهرة وخروجه لم يكن من باب المنية ، بل دخل من باب القدرة وخرج من باب العزة .
وأما السؤال الحادي والأربعون : ففي " كشف الأسرار " : إنما سمي مسيحا لأنه كان يسيح في الأرض ، ويقال : ولد ممسوحا بالدهن ، ويقال : لأنه كان يمسح الضر عن الأعمى والأبرص والأكمه ، ويقال : لأنه لم يكن لقدمه أخمص . وزاد
ابن الأثير في " النهاية " ما نصه : وقيل
nindex.php?page=treesubj&link=31978المسيح : الصديق ، وقيل هو بالعبرانية مشيحا ، فعرب . وأما السؤال الثاني والأربعون : ففي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أنه يقيم سبع سنين ، وفي مسند
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبي داود الطيالسي في أثناء حديث أنه
[ ص: 381 ] يقيم أربعين سنة ، وجمع بينهما بأن المراد بالأربعين مجموع لبثه في الأرض قبل الرفع وبعده ، فإنه رفع وله ثلاث وثلاثون سنة .
وأما السؤال الثالث والأربعون : ففي " كشف الأسرار " : قيل : اثنتي عشرة سنة بعدد حروف (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42اذكرني عند ربك ) روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
لولا كلمة يوسف ما لبث في السجن طول ما لبث . وأقول : أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق
الضحاك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في
nindex.php?page=treesubj&link=31900قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42فلبث في السجن بضع سنين ) قال : اثنتي عشرة سنة .
وَفِي " كَشْفِ الْأَسْرَارِ " : عِلْمُ الْيَقِينِ هُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنَ الْأَخْبَارِ ، وَعَيْنُ الْيَقِينِ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ ، وَحَقُّ الْيَقِينِ يَكُونُ بِالْمُعَايَنَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ ، قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْكُفَّارِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=102&ayano=7ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ) وَلَمَّا دَخَلُوهَا وَبَاشَرُوا عَذَابَهَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=93فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=94وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=95إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ) وَقَالَ سَيِّدِي
محمد السعودي مِنْ أَصْحَابِ سَيِّدِي
يوسف العجمي : عِلْمُ الْيَقِينِ مَعْرِفَةُ اللَّهِ بِكَ ; إِذْ أَنْتَ عَيْنُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ إِثْبَاتُ ذَاتٍ غَيْرِ مُكَيَّفَةٍ وَلَا مَعْلُومَةِ الْمَاهِيَّةِ مَحْكُومًا لَهَا بِالْأُلُوهِيَّةِ سُلْطَانًا ، وَحُجَّةً لَا رَيْبَ فِيهِ ، عَيْنُ الْيَقِينِ مُشَاهَدَةُ هَذِهِ الذَّاتِ بِعَيْنِهَا لَا بِعَيْنِكَ ، أَيْ بِعَيْنِ الذَّاتِ فَنَاءً كُلِّيًّا لَا يُعْقَلُ مَعَهَا نِسْبَةُ الْأُلُوهِيَّةِ إِثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا ، بَلْ مُشَاهَدَةٌ تُفْنِي الْأَحْكَامَ وَالرُّسُومَ وَتَمْحَقُ الْآثَارَ - حَقُّ الْيَقِينِ نِسْبَةُ الْأُلُوهِيَّةِ إِلَى هَذِهِ الذَّاتِ بَعْدَ الْمُشَاهَدَةِ لَا قَبْلَهَا ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْحَقِّ لَيْسَ إِلَّا ، وَهُنَا سَكَتَ الْمُحَقِّقُونَ- وَبَعْدُ هَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=29507حَقِيقَةُ حَقِّ الْيَقِينِ ، وَهُوَ ظُهُورُ الِانْفِعَالَاتِ عَنِ الْعَبْدِ مَعَ غَيْبَتِهِ عَنْهَا فِيهِ غَيْبًا كُلِّيًّا وَفَنَاءً مُحَقَّقًا ، وَهَذِهِ غَايَةُ الْمَرَاتِبِ ، فَالثَّلَاثَةُ كِتَابِيَّةٌ ; عِلْمٌ ، وَعَيْنٌ ، وَحَقٌّ . وَالرَّابِعَةُ سُنِّيَّةٌ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006285إِنَّ لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً ، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ ؟ " فَهَذِهِ الْحَقِيقَةُ بِهَا يَخْتَبِرُ الْعَبْدُ الْمُتَحَقِّقُ نَفْسَهُ فِي دَعْوَاهُ فِي مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ حَقِّ الْيَقِينِ فَتَأَمَّلْهُ .
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ : فَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ
nindex.php?page=treesubj&link=24424الْجَهْرِ بِالذِّكْرِ ، وَأَحَادِيثُ تَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ
nindex.php?page=treesubj&link=24409الْإِسْرَارِ بِهِ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ . قَالَ سَيِّدِي
يوسف العجمي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : قَدِ اعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى
[ ص: 376 ] الْجَهْرِ بِالذِّكْرِ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً ) الْآيَةَ ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006286خَيْرُ الذِّكْرِ مَا خَفِيَ " . وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ عَامَّةَ عِبَادِهِ بِمِثْلِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=17أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ) وَخَاطَبَ الْخَاصَّ بِمِثْلِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=24أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) وَخَاطَبَ سَيِّدَ أَهِلِ الْحَضْرَةِ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ عَرَّفَهُ بِرَبِّهِ وَنَفْسِهِ وَأَرَاهُ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ بِمِثْلِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=45أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ) فَمَنْ لَا يَعْرِفُ رَبَّهُ وَلَا نَفْسَهُ وَلَا أَرَاهُ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ فَكَيْفَ يَذْكُرُ رَبَّهُ فِي نَفْسِهِ ؟ أَوْ كَيْفَ يَرَى مَدَّ الظِّلِّ ؟ بَلْ هُمُ الْمُخَاطَبُونَ بِمِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=41اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ) وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=24411الذِّكْرُ الْخَفِيُّ فَهُوَ مَا خَفِيَ عَنِ الْحَفَظَةِ لَا مَا يُخْفَضُ بِهِ الصَّوْتُ ، وَهُوَ أَيْضًا خَاصٌّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَنْ لَهُ بِهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ، وَعَنْ
جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006287أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : لَوْ أَنَّ هَذَا خَفَضَ مِنْ صَوْتِهِ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَعْهُ فَإِنَّهُ أَوَّاهٌ " . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006288إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا ، قِيلَ : وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : حِلَقُ الذِّكْرِ " . وَرُوِيَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006289أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ : مَا أَجْلَسَكُمْ ؟ قَالُوا : جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا ، قَالَ : آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ ؟ قَالُوا : آللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَلِكَ ، قَالَ : أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ " . وَعَنْ
أبي قتادة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006290أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأبي بكر : مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ وَأَنْتَ تَخْفِضُ مِنْ صَوْتِكَ ، فَقَالَ : إِنِّي أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ ، فَقَالَ : ارْفَعْ صَوْتَكَ قَلِيلًا ، وَقَالَ لعمر : مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ وَأَنْتَ تَرْفَعُ مِنْ صَوْتِكَ ، فَقَالَ : إِنِّي أُوقِظُ الْوَسْنَانَ ، وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ ، قَالَ : اخْفِضْ قَلِيلًا . وَرُوِيَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالذِّكْرِ ، فَإِذَا خَفِيَتْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ ثَوِّرُوا الذِّكْرَ- أَيِ ارْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ . وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ السَّابِقَيْنِ اللَّذَيْنِ اسْتُدلَّ بِهِمَا وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَالْأَثَرِ-أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24424الذَّاكِرِينَ إِذَا كَانُوا مُجْتَمِعِينَ عَلَى الذِّكْرِ ، فَالْأَوْلَى فِي حَقِّهِمْ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَالْقُوَّةُ ، وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=24424إِذَا كَانَ الذَّاكِرُ وَحْدَهُ ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الْخَاصِّ فَالْإِخْفَاءُ فِي حَقِّهِ أَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعَامِّ فَالْجَهْرُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ . وَقَدْ شَبَّهَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ذِكْرَ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَذِكْرَ جَمَاعَةٍ مُجْتَمِعِينَ بِمُؤَذِّنٍ وَاحِدٍ وَجَمَاعَةِ مُؤَذِّنِينَ ، فَكَمَا أَنَّ
[ ص: 377 ] أَصْوَاتَ الْجَمَاعَةِ تَقْطَعُ جِرْمَ الْهَوَاءِ أَكْثَرَ مِنْ صَوْتِ شَخْصٍ وَاحِدٍ ، فَكَذَا ذِكْرُ جَمَاعَةٍ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ أَكْثَرُ تَأْثِيرًا فِي رَفْعِ الْحُجُبِ مِنْ ذِكْرِ شَخْصٍ وَاحِدٍ ، وَمِنْ حَيْثُ الثَّوَابِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ ثَوَابُ ذِكْرِ نَفْسِهِ وَثَوَابُ سَمَاعِ ذِكْرِ رُفَقَائِهِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : إِنَّهُ أَكْثَرُ تَأْثِيرًا فِي رَفْعِ الْحُجُبِ- فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَبَّهَ الْقُلُوبَ بِالْحِجَارَةِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَجَرَ لَا يَنْكَسِرُ إِلَّا بِقُوَّةٍ ، فَقُوَّةُ ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مُجْتَمِعِينَ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ أَشَدُّ مِنْ قُوَّةِ ذِكْرِ شَخْصٍ وَاحِدٍ ; وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ
نجم الدين البكري رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ : إِنَّ الْقُوَّةَ فِي الذِّكْرِ شَرْطٌ ، وَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ -انْتَهَى .
وَأَمَّا السُّؤَالُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ : فَجَوَابُهُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24416_24427إِحْدَاثَ الْأَلْحَانِ فِي الذِّكْرِ بِدْعَةٌ لَمْ تَكُنْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا
أبي بكر ، وَلَا
عمر ، وَلَا
عثمان ، وَلَا
علي ، وَلَا فَعَلَهَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَلَا التَّابِعِينَ ، وَلَا السَّلَفِ الصَّالِحِينَ ، فَإِنِ انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ تَمْطِيطُ الْأَحْرُفِ ، وَالْإِشْبَاعُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، وَالِاخْتِلَاسُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، وَالتَّرْقِيصُ ، وَالتَّطْرِيبُ ، وَتَعْوِيجُ الْحَنَكِ وَالرَّأْسِ- فَهَذَا مُغَنٍّ لَا ذَاكِرٌ ، وَأَخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يُجَابَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ بِاللَّعْنَةِ ; فَإِنَّ سِرَّ الذَّاكِرِ إِحْضَارُ عَظَمَةِ اللَّهِ وَهَيْبَتِهِ فِي الْقَلْبِ بِخُشُوعٍ وَخُضُوعٍ ، وَإِعْرَاضٍ عَمَّا سِوَاهُ ، وَالْمُلَحِّنُ فِي شُغُلٍ شَاغِلٍ عَنْ ذَلِكَ ، وَلْيَعْرِضِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَوْ وَقَفَ شَخْصٌ تَحْتَ بَيْتِهِ وَنَادَى : آهٍ يَا سَيِّدِي فُلَانُ ، وَكَرَّرَ ذَلِكَ بِهَذَا التَّلْحِينِ وَالتَّرْقِيصِ ، أَكَانَ يُرْضِيهِ ذَلِكَ ، أَوْ يَعُدُّهُ قَلِيلَ الْأَدَبِ ؟ فَالتَّأَدُّبُ مَعَ اللَّهِ أَوْلَى وَأَحَقُّ .
وَأَمَّا السُّؤَالُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ : فَأَقُولُ : مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ
nindex.php?page=treesubj&link=33193_33227تَفْضِيلُ اللَّبَنِ عَلَى الْعَسَلِ ; لِأُمُورٍ : مِنْهَا أَنَّهُ يُرَبَّى بِهِ الطِّفْلُ ، وَلَا يَقُومُ الْعَسَلُ وَلَا غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يُجْزِئُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَيْسَ الْعَسَلُ وَلَا غَيْرُهُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ . رَوَى
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006291مَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ غَيْرُ اللَّبَنِ " . وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَشْرَقُ بِهِ أَحَدٌ ، وَلَيْسَ الْعَسَلُ وَلَا غَيْرُهُ كَذَلِكَ ، رَوَى
ابن مردويه فِي تَفْسِيرِهِ ، عَنْ
أبي لبيبة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
مَا شَرِبَ أَحَدٌ لَبَنًا فَشَرِقَ ; إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=66لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ) وَمِنْهَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006293أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أُتِيَ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ ، وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ ، فَاخْتَارَ اللَّبَنَ ، فَقِيلَ : هَذِهِ الْفِطْرَةُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ - رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا ، فَاخْتِيَارُهُ اللَّبَنَ عَلَى الْعَسَلِ ظَاهِرٌ فِي تَفْضِيلِهِ عَلَيْهِ ، وَمِنَ الصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12510ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ عَنِ
[ ص: 378 ] nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006294مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ طَعَامًا فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ ، وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ شَيْئًا يُجْزِئُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَّا اللَّبَنَ " . وَالْحَدِيثُ أَصْلُهُ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ ، فَقَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ : وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ ، وَفِي اللَّبَنِ : وَزِدْنَا مِنْهُ- يُعْطِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ خَيْرٌ مِنَ اللَّبَنِ .
وَأَمَّا السُّؤَالُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ : فَقَدْ كُنْتُ سُئِلْتُ عَنْهُ قَدِيمًا ، وَأَجَبْتُ بِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ حَدِيثٌ وَلَا أَثَرٌ فِي التَّفْضِيلِ بَيْنَهُمَا ، وَالتَّفْضِيلُ يَحْتَاجُ إِلَى تَوْقِيفٍ . وَذُكِرَ عَنْ حَافِظِ الْعَصْرِ
أبي الفضل بن حجر أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ ، فَأَجَابَ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33028مَاءَ زَمْزَمَ أَفْضَلُ مِيَاهِ الدُّنْيَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=30402وَمَاءَ الْكَوْثَرِ أَفْضَلُ مِيَاهِ الْآخِرَةِ . وَهَذَا الْجَوَابُ كَمَا تَرَى لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَلَى تَفْضِيلِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ . وَقَدْ يُقَالُ لِمَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ تَفْضِيلُ مَاءِ
زَمْزَمَ أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسِلَ صَدْرُهُ بِهِ لَمَّا شَقَّهُ
جِبْرِيلُ ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ تَفْضِيلُ الْكَوْثَرِ ; لِأَنَّهُ عَطِيَّةُ اللَّهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وَزَمْزَمُ عَطِيَّةُ اللَّهِ
لِإِسْمَاعِيلَ ; وَلِأَنَّ الْكَوْثَرَ مُصَرَّحٌ بِذِكْرِهِ فِي الْقُرْآنِ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ مُسْنَدًا إِلَى نُونِ الْعَظَمَةِ ، وَلَمْ يَقَعْ فِي
زَمْزَمَ مِثْلُ ذَلِكَ .
وَأَمَّا السُّؤَالُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ : فَفِي " كَشْفِ الْأَسْرَارِ " قَالَ بَعْضُهُمْ : هُمَا سَوَاءٌ لَا يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ . وَيُقَالُ : مَا دَامَ الرَّجُلُ صَحِيحًا فَالْخَوْفُ أَفْضَلُ ، وَمَا دَامَ مَرِيضًا فَالرَّجَاءُ أَفْضَلُ ، وَيُقَالُ : الْخَوْفُ لِلْعَاصِي أَفْضَلُ ، وَالرَّجَاءُ لِلْمُطِيعِ أَفْضَلُ ، وَيُقَالُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28686_19982الْخَوْفُ قَبْلَ الذَّنْبِ أَفْضَلُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28686وَالرَّجَاءُ بَعْدَ الذَّنْبِ أَفْضَلُ ; لِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ ; أَحَدُهَا : إِلَى فَضْلِهِ وَالْخَوْفُ مِنْ عَدْلِهِ ، وَالْفَضْلُ أَكْرَمُ مِنَ الْعَدْلِ . وَالثَّانِي : الرَّجَاءُ إِلَى الْوَعْدِ ، وَالْوَعْدُ مِنْ بَحْرِ الرَّحْمَةِ ، وَالْخَوْفُ مِنَ الْوَعِيدِ ، وَالْوَعِيدُ مِنْ بَحْرِ الْغَضَبِ ، وَرَحْمَتُهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ . الثَّالِثُ : الرَّجَاءُ بِالطَّاعَةِ وَالْخَوْفُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ ، وَمِنَ الطَّاعَةِ مَا يَعْلُو عَلَى الْمَعَاصِي كَالتَّوْحِيدِ . وَالرَّابِعُ : الرَّجَاءُ بِالرَّحْمَةِ وَالْخَوْفُ مِنَ الذُّنُوبِ ، وَالذُّنُوبُ لَهَا نِهَايَةٌ ، وَالرَّحْمَةُ لَا نِهَايَةَ لَهَا ، وَيُقَالُ : الْخَوْفُ أَفْضَلُ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ وَعَدَ بِالْخَوْفِ جَنَّتَيْنِ ، وَلَمْ يَعِدْ بِالرَّجَاءِ إِلَّا جَنَّةً وَاحِدَةً ، وَأَيْضًا الْخَوْفُ يَمْنَعُ مِنَ الذُّنُوبِ ، وَتَرْكُ الذُّنُوبِ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرَاتِ . وَيُقَالُ : مَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِالْخَوْفِ فَهُوَ حَرُورِيٌّ ، وَمَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِالرَّجَاءِ فَهُوَ مُرْجِئٌ ، وَمَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِالْحُبِّ فَهُوَ زِنْدِيقٌ ، وَمَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِالثَّلَاثَةِ فَهُوَ مُسْتَقِيمٌ .
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ : فَفِي " كَشْفِ الْأَسْرَارِ " قَالَ
النيسابوري : اللَّيْلُ أَفْضَلُ ; لِوُجُوهٍ ; أَحَدُهَا : أَنَّ اللَّيْلَ رَاحَةٌ ، وَالرَّاحَةُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَالنَّهَارَ تَعَبٌ ، وَالتَّعَبُ مِنَ النَّارِ ، وَأَيْضًا فَاللَّيْلُ حَظُّ الْفِرَاشِ ، وَالنَّهَارُ حَظُّ اللِّبَاسِ ; وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، وَلَيْسَ فِي الْأَيَّامِ مِثْلُهَا . وَقِيلَ : النَّهَارُ أَفْضَلُ ; لِأَنَّهُ نُورٌ ، وَأَيْضًا لَا يَكُونُ فِي الْجَنَّةِ لَيْلٌ ، وَأَيْضًا النَّهَارُ لِلْمَعَادِ وَالْمَعَاشِ .
[ ص: 379 ] قُلْتُ : قَدْ وَقَفْتُ عَلَى تَأْلِيفٍ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=31755التَّفْضِيلِ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ nindex.php?page=showalam&ids=13417لِأَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ فَارِسٍ اللُّغَوِيِّ صَاحِبِ " الْمُجْمَلِ " ، فَذَكَرَ فِيهِ وَجُوهًا فِي تَفْضِيلِ هَذَا وَوُجُوهًا فِي تَفْضِيلِ هَذَا ، فَمِمَّا ذَكَرَهُ فِي تَفْضِيلِ اللَّيْلِ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِيهِ سُورَةً مُسَمَّاةً " سُورَةَ اللَّيْلِ " ، وَلَمْ يُنْزِلْ فِي النَّهَارِ سُورَةً تُسَمَّى سُورَةَ النَّهَارِ ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدَّمَ ذِكْرَهُ عَلَى النَّهَارِ فِي أَكْثَرِ الْآيَاتِ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=1وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=2وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=71قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا ) وَأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ قَبْلَ النَّهَارِ ، وَأَنَّ لَيَالِيَ الشَّهْرِ سَابِقَةٌ عَلَى أَيَّامِهِ ، وَأَنَّ فِي اللَّيْلِ لَيْلَةً خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، وَلَيْسَ فِي الْأَيَّامِ مِثْلُهَا ، وَأَنَّ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَاعَةَ إِجَابَةٍ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي النَّهَارِ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ خَاصَّةً ، وَأَنَّ النَّهَارَ فِيهِ أَوْقَاتٌ تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَقْتُ كَرَاهَةٍ ، وَالصَّلَاةُ مِنْ أَشْرَفِ الْعِبَادَاتِ ، وَأَنَّ فِيهِ التَّهَجُّدَ وَالِاسْتِغْفَارَ بِالْأَسْحَارِ ، وَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ وَاسْتِغْفَارِهِ ، وَأَنَّهُ أَصَحُّ لِتِلَاوَةِ الذَّكْرِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=6إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا ) وَأَنَّ الْإِسْرَاءَ وَقَعَ بِاللَّيْلِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا ) وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=81فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ) وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ : فِي اللَّيْلِ تَنْقَطِعُ الْأَشْغَالُ ، وَتُجَمُّ الْأَذْهَانُ ، وَيَصِحُّ النَّظَرُ ، وَتُؤَلَّفُ الْحِكَمُ ، وَتَدِرُّ الْخَوَاطِرُ ، وَيَتَّسِعُ مَجَالُ الْقَلْبِ ، وَمُؤَلِّفُو الْكِتَابِ يَخْتَارُونَهُ عَلَى النَّهَارِ ; لِأَنَّ الْقَلْبَ بِالنَّهَارِ طَائِرٌ ، وَبِاللَّيْلِ سَاكِنٌ ، وَكَذَلِكَ مُدَبِّرُو الْمُلْكِ . وَقَدِيمًا كَانَ يُقَالُ : اللَّيْلُ نَهَارُ الْأَرِيبِ ، وَقَالَ الْقَائِلُ :
وَلَمْ أَرَ مِثْلَ اللَّيْلِ جُنَّةَ فَاتِكٍ إِذَا هَمَّ أَمْضَى غَنِيمَةَ نَاسِكٍ
وَعَارَضَهُ صَاحِبُ النَّهَارِ بِأَنَّ اللَّهَ قَدَّمَ ذِكْرَهُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=3وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=4وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ) وَبِأَنَّ التَّقْدِيمَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ ، فَقَدْ قَدَّمَ اللَّهُ الْمَوْتَ عَلَى الْحَيَاةِ ، وَالْجِنَّ عَلَى الْإِنْسِ ، وَالْأَعْمَى وَالْأَصَمَّ عَلَى الْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=24مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ) وَالْمُتَأَخِّرُ مِمَّا ذُكِرَ أَفْضَلُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِ قَطْعًا ، وَبِأَنَّ النُّورَ قَبْلَ الظُّلْمَةِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) وَبِأَنَّ النَّاسَ وَالشُّعَرَاءَ مَا زَالُوا يَذُمُّونَ اللَّيْلَ وَيَشْكُونَهُ
[ ص: 380 ] كَقَوْلِ
امرئ القيس : وَلَيْلٍ كَمَوْجِ الْبَحْرِ . الْأَبْيَاتِ . وَقَدِ اسْتَعَاذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْأَبْهَمَيْنِ ، وَيُقَالُ : الْأَعْمَيَيْنِ - السَّيْلِ وَاللَّيْلِ ، وَبِاللَّيْلِ تَدِبُّ الْهَوَامُّ ، وَتَثُورُ السِّبَاعُ ، وَتُنْشَرُ اللُّصُوصُ ، وَتُشَنُّ الْغَارَاتُ ، وَتُرْتَكَبُ الْمَعَاصِي وَالْفَاحِشَاتُ ; وَلِذَلِكَ قِيلَ : اللَّيْلُ أَخْفَى لِلْوَيْلِ ، وَقَدْ شَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وُجُوهَ أَعْدَائِهِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=27كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ) وَكَانَ
الحسن يَقُولُ : مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا أَشَدَّ سَوَادًا مِنَ اللَّيْلِ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=113&ayano=3وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ) قِيلَ : هُوَ اللَّيْلُ إِذَا أَظْلَمَ ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ لِلْمِكْثَارِ : حَاطِبُ لَيْلٍ ; لِمَا يُخْشَى عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ نَهْشٍ أَوْ تَنَهُّشٍ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006295وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جِدَادِ اللَّيْلِ وَصِرَامِ اللَّيْلِ ، وَأَمَرَ بِغَلْقِ الْأَبْوَابِ وَكَفِّ الصِّبْيَانِ بِاللَّيْلِ ، وَقَالَ : " إِنْ لِلشَّيْطَانِ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً " ، وَافْتَخَرَتِ الْعَرَبُ بِالْأَيَّامِ دُونَ اللَّيَالِي ، فَقَالُوا : يَوْمُ ذِي قَارٍ ، وَيَوْمُ كَذَا . وَالْأُسْبُوعُ أَيَّامُهُ مُسَمَّاةٌ دُونَ اللَّيَالِي ، فَإِنَّمَا تُذْكَرُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْأَيَّامِ فَيُقَالُ : لَيْلَةُ الْأَحَدِ ، وَلَيْلَةُ كَذَا ، وَلَيْسَ الْمُضَافُ كَالْمُضَافِ إِلَيْهِ ، وَالْأَيَّامُ النَّبِيهَةُ أَكْثَرُ مِنَ اللَّيَالِي ، كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ ، وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ ، وَالْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ ، وَلَيْسَ فِي اللَّيَالِي إِلَّا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَلَيْلَةُ نِصْفِ شَعْبَانَ . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006296اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا " ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ اللَّيَالِي .
وَأَمَّا السُّؤَالُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ : فَفِي " كَشْفِ الْأَسْرَارِ " : إِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=31808خُلِقَ آدَمُ مِنَ التُّرَابِ دُونَ غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ آدَمَ شَيْءٌ إِلَّا التُّرَابُ ، فَخَلَقَهُ مِنْهُ ، ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31808خَلَقَ حواء مِنْ آدَمَ ; لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، وَخَلَقَهَا مِنَ الضِّلْعِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنَ الْعِوَجِ ، فَلَا يُطْمَعُ فِي تَقْوِيمِهِنَّ .
وَأَمَّا السُّؤَالُ الْأَرْبَعُونَ : فَفِي " كَشْفِ الْأَسْرَارِ " سُؤَالٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=34001لِمَ رُفِعَ عِيسَى إِلَى السَّمَاءِ ؟ قِيلَ : لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَصْحَبَ الْمَلَائِكَةَ لِيَحْصُلَ لَهُمْ بَرَكَتُهُ كَمَا صَحِبَهُ التَّائِبُونَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَيْضًا لِمَا لَمْ يَكُنْ دُخُولُهُ مِنْ بَابِ الشُّهْرَةِ وَخُرُوجُهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْمَنِيَّةِ ، بَلْ دَخَلَ مِنْ بَابِ الْقُدْرَةِ وَخَرَجَ مِنْ بَابِ الْعِزَّةِ .
وَأَمَّا السُّؤَالُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ : فَفِي " كَشْفِ الْأَسْرَارِ " : إِنَّمَا سُمِّيَ مَسِيحًا لِأَنَّهُ كَانَ يَسِيحُ فِي الْأَرْضِ ، وَيُقَالُ : وُلِدَ مَمْسُوحًا بِالدُّهْنِ ، وَيُقَالُ : لِأَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ الضُّرَّ عَنِ الْأَعْمَى وَالْأَبْرَصِ وَالْأَكْمَهِ ، وَيُقَالُ : لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِقَدَمِهِ أَخْمَصُ . وَزَادَ
ابن الأثير فِي " النِّهَايَةِ " مَا نَصُّهُ : وَقِيلَ
nindex.php?page=treesubj&link=31978الْمَسِيحُ : الصِّدِّيقُ ، وَقِيلَ هُوَ بِالْعَبْرَانِيَّةِ مَشِيحًا ، فَعُرِّبَ . وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ : فَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ أَنَّهُ يُقِيمُ سَبْعَ سِنِينَ ، وَفِي مُسْنَدِ
nindex.php?page=showalam&ids=14724أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ أَنَّهُ
[ ص: 381 ] يُقِيمُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَرْبَعِينَ مَجْمُوعُ لُبْثِهِ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ الرَّفْعِ وَبَعْدَهُ ، فَإِنَّهُ رُفِعَ وَلَهُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً .
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ : فَفِي " كَشْفِ الْأَسْرَارِ " : قِيلَ : اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً بِعَدَدِ حُرُوفِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ) رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
لَوْلَا كَلِمَةُ يُوسُفَ مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ . وَأَقُولُ : أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ
الضحاك ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=31900قَوْلِهِ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ) قَالَ : اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً .