( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير   ) 
قوله تعالى : ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا  قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير    ) . 
اعلم أنه تعالى لما أخبر عن المنافقين أنهم طعنوا في الرسول صلى الله عليه وسلم بأن نسبوه إلى الغلول والخيانة ، حكى عنهم شبهة أخرى في هذه الآية وهي قولهم : لو كان رسولا من عند الله لما انهزم عسكره من الكفار في يوم أحد    : وهو المراد من قولهم : أنى هذا ، وأجاب الله عنه بقوله : ( قل هو من عند أنفسكم    ) أي هذا الانهزام إنما حصل بشؤم عصيانكم ، فهذا بيان وجه النظم . وفي الآية مسائل : 
المسألة الأولى : تقرير الآية : ( أولما أصابتكم مصيبة    ) المراد منها واقعة أحد  ، وفي قوله : ( قد أصبتم مثليها    ) قولان : 
الأول : وهو قول الأكثرين أن معناه قد أصبتم يوم بدر  ، وذلك لأن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أحد  سبعين  ، وقتل المسلمون منهم يوم بدر  سبعين وأسروا سبعين    . 
والثاني : أن المسلمين هزموا الكفار يوم بدر  ، وهزموهم أيضا في الأول يوم أحد  ، ثم لما عصوا هزمهم المشركون ، فانهزام المشركين حصل مرتين ، وانهزام المسلمين حصل مرة واحدة ، وهذا اختيار الزجاج    . وطعن الواحدي  في هذا الوجه فقال : كما أن المسلمين نالوا من المشركين يوم بدر  ، فكذلك المشركون نالوا من المسلمين يوم أحد  ، ولكنهم ما هزموا المسلمين البتة ، أما يوم أحد فالمسلمون هزموا المشركين أولا ثم انقلب الأمر . 
المسألة الثانية : الفائدة في قوله : ( أصبتم مثليها    ) هو التنبيه على أن أمور الدنيا لا تبقى على نهج واحد ، فلما هزمتموهم مرتين فأي استبعاد في أن يهزموكم مرة واحدة . 
أما قوله : ( قلتم أنى هذا    ) ففيه مسألتان : 
المسألة الأولى : سبب تعجبهم أنهم قالوا : نحن ننصر الإسلام الذي هو دين الحق ، ومعنا الرسول ، وهم ينصرون دين الشرك بالله والكفر ، فكيف صاروا منصورين علينا ! 
 [ ص: 67 ] واعلم أنه تعالى أجاب عن هذه الشبهة من وجهين : 
الأول : ما أدرجه عند حكاية السؤال وهو قوله ( قد أصبتم مثليها    ) يعني أن أحوال الدنيا لا تبقى على نهج واحد ، فإذا أصبتم منهم مثلي هذه الواقعة ، فكيف تستبعدون هذه الواقعة ؟ . 
والثاني : قوله : ( قل هو من عند أنفسكم    ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : تقرير هذا الجواب من وجهين : 
الأول : أنكم إنما وقعتم في هذه المصيبة بشؤم معصيتكم وذلك لأنهم عصوا الرسول في أمور : 
أولها : أن الرسول عليه السلام قال : المصلحة في أن لا نخرج من المدينة  بل نبقى ههنا ، وهم أبوا إلا الخروج ، فلما خالفوه توجه إلى أحد    . 
وثانيها : ما حكى الله عنهم من فشلهم . 
وثالثها : ما وقع بينهم من المنازعة . 
ورابعها : أنهم فارقوا المكان وفرقوا الجمع . 
وخامسها : اشتغالهم بطلب الغنيمة ، وإعراضهم عن طاعة الرسول عليه السلام في محاربة العدو ، فهذه الوجوه كلها ذنوب ومعاص ، والله تعالى إنما وعدهم النصر بشرط ترك المعصية ، كما قال : ( إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم    ) [ آل عمران : 125 ] فلما فات الشرط لا جرم فات المشروط . 
الوجه الثاني في التأويل : ما روي عن علي  رضي الله عنه أنه قال : جاء جبريل  عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر  ، فقال : يا محمد  إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الفداء من الأسارى ، وقد أمرك أن تخيرهم بين أن يقدموا الأسارى فيضربوا أعناقهم ، وبين أن يأخذوا الفداء على أن تقتل منهم عدتهم ، فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لقومه ، فقالوا : يا رسول الله عشائرنا وإخواننا نأخذ الفداء منهم ، فنتقوى به على قتال العدو ، ونرضى أن يستشهد منا بعددهم ، فقتل يوم أحد  سبعون رجلا عدد أسارى أهل بدر  ، فهو معنى قوله : ( قل هو من عند أنفسكم    ) أي بأخذ الفداء واختياركم القتل . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					