الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( كل نفس ذائقة الموت ) .

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أن المقصود من هذه الآية تأكيد تسلية الرسول عليه الصلاة والسلام والمبالغة في إزالة الحزن من قلبه ، وذلك من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : أن عاقبة الكل الموت ، وهذه الغموم والأحزان تذهب وتزول ولا يبقى شيء منها ، والحزن متى كان كذلك لم يلتفت العاقل إليه .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن بعد هذه الدار دار يتميز فيها المحسن عن المسيء ، ويتوفر على عمل كل واحد ما يليق به من الجزاء ، وكل واحد من هذين الوجهين في غاية القوة في إزالة الحزن والغم عن قلوب العقلاء ، وفي الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : في قوله : ( كل نفس ذائقة الموت ) سؤال : وهو أن الله تعالى يسمى بالنفس ، قال : ( تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ) وأيضا النفس والذات واحد فعلى هذا يدخل الجمادات تحت اسم النفس ، ويلزم على هذا عموم الموت في الجمادات ، وأيضا قال تعالى : ( فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) [ الزمر : 68 ] وذلك يقتضي أن لا يموت الداخلون في هذا الاستثناء ، وهذا العموم يقتضي موت الكل ، وأيضا يقتضي وقوع الموت لأهل الجنة ولأهل النار لأن كلهم نفوس .

                                                                                                                                                                                                                                            وجوابه : أن المراد بالآية المكلفون الحاضرون في دار التكليف بدليل أنه تعالى قال بعد هذه الآية : ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ) فإن هذا المعنى لا يتأتى إلا فيهم ، وأيضا العام بعد التخصيص يبقى حجة .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : " ذائقة " فاعلة من الذوق ، واسم الفاعل إذا أضيف إلى اسم وأريد به الماضي لم يجز فيه إلا الجر ، كقولك : زيد ضارب عمرو أمس ، فإن أردت به الحال والاستقبال جاز الجر والنصب ، [ ص: 102 ] تقول : هو ضارب زيد غدا ، وضارب زيدا غدا ، قال تعالى : ( هل هن كاشفات ضره ) [ الزمر : 38 ] و " كاشفات ضره " قرئ بالوجهين لأنه للاستقبال . وروي عن الحسن أنه قرأ " ذائقة الموت " بالتنوين ونصب " الموت " وهذا هو الأصل ، وقرأ الأعمش " ذائقة الموت " بطرح التنوين مع النصب كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                            ولا ذاكر الله إلا قليلا



                                                                                                                                                                                                                                            وتمام الكلام في هذه المسألة يأتي في سورة النساء عند قوله : ( ظالمي أنفسهم ) إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية