الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 123 ] ثم قال تعالى : ( فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله ) والمراد من قوله : ( فالذين هاجروا ) الذين اختاروا المهاجرة من أوطانهم في خدمة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمراد من ( وأخرجوا من ديارهم ) الذين ألجأهم الكفار إلى الخروج ، ولا شك أن رتبة الأولين أفضل لأنهم اختاروا خدمة الرسول عليه السلام وملازمته على الاختيار ، فكانوا أفضل . وقوله : ( وأوذوا في سبيلي ) أي من أجله وسببه ( وقاتلوا وقتلوا ) لأن المقاتلة تكون قبل القتال ، قرأ نافع وعاصم وأبو عمرو " وقاتلوا " بالألف أولا " وقتلوا " مخففة ، والمعنى أنهم قاتلوا معه حتى قتلوا ، وقرأ ابن كثير وابن عامر " وقاتلوا " أولا " وقتلوا " مشددة ، قيل : التشديد للمبالغة وتكرر القتل فيهم كقوله : ( مفتحة لهم الأبواب ) [ ص : 50 ] وقيل : قطعوا ; عن الحسن ، وقرأ حمزة والكسائي " وقتلوا " بغير ألف أولا " وقاتلوا " بالألف بعده ، وفيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن الواو لا توجب الترتيب كما في قوله : ( واسجدي واركعي ) .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : على قولهم : قتلنا ورب الكعبة ، إذا ظهرت أمارات القتل ، أو إذا قتل قومه وعشائره .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : بإضمار " قد " أي قتلوا وقد قاتلوا .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم إن الله تعالى وعد من فعل هذا بأمور ثلاثة :

                                                                                                                                                                                                                                            أولها : محو السيئات وغفران الذنوب وهو قوله : ( لأكفرن عنهم سيئاتهم ) وذلك هو الذي طلبوه ( فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها إعطاء الثواب العظيم وهو قوله : ( ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) وهو الذي طلبوه بقولهم : وآتنا ما وعدتنا على رسلك .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أن يكون ذلك الثواب ثوابا عظيما مقرونا بالتعظيم والإجلال وهو قوله ( من عند الله ) وهو الذي قالوه ( ولا تخزنا يوم القيامة ) لأنه سبحانه هو العظيم الذي لا نهاية لعظمته ، وإذا قال السلطان العظيم لعبده : إني أخلع عليك خلعة من عندي دل ذلك على كون تلك الخلعة في نهاية الشرف . وقوله ( ثوابا ) مصدر مؤكد ، والتقدير : لأثيبنهم ثوابا من عند الله ، أي لأثيبنهم إثابة أو تثويبا من عند الله ، لأن قوله لأكفرن عنهم ولأدخلنهم في معنى لأثيبنهم . ثم قال : ( والله عنده حسن الثواب ) وهو تأكيد ليكون ذلك الثواب في غاية الشرف لأنه تعالى لما كان قادرا على كل المقدورات ، عالما بكل المعلومات ، غنيا عن الحاجات ، كان لا محالة في غاية الكرم والجود والإحسان ، فكان عنده حسن الثواب . روي عن جعفر الصادق أنه قال : من حزبه أمر فقال خمس مرات : ربنا ، أنجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد ، وقرأ هذه الآية ، قال : لأن الله حكى عنهم أنهم قالوا خمس مرات : ربنا ، ثم أخبر أنه استجاب لهم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية