( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد  متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد    ) 
قوله تعالى : ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد  متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد    ) . 
واعلم أنه تعالى لما وعد المؤمنين بالثواب العظيم ، وكانوا في الدنيا في نهاية الفقر والشدة ، والكفار كانوا في النعم ، ذكر الله تعالى في هذه الآية ما يسليهم ويصبرهم على تلك الشدة ، فقال : ( لا يغرنك    ) وفيه مسائل : 
 [ ص: 124 ] المسألة الأولى : قد ذكرنا أن الغرور مصدر قولك : غررت الرجل بما يستحسنه في الظاهر ثم يجده عند التفتيش على خلاف ما يحبه ، فيقول : غرني ظاهره أي قبلته على غفلة عن امتحانه ، وتقول العرب في الثواب إذا نشر ثم أعيد إلى طيه : رددته على غرة . 
المسألة الثانية : المخاطب في قوله ( لا يغرنك    ) من هو  ؟ فيه قولان : 
الأول : أنه الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن المراد هو الأمة . قال قتادة    : والله ما غروا نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله ، والخطاب وإن كان له إلا أن المراد غيره ، ويمكن أن يقال : السبب لعدم إغرار الرسول عليه السلام بذلك هو تواتر هذه الآيات عليه ، كما قال : ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا    ) [ الإسراء : 74 ] فسقط قول قتادة  ، ونظيره قوله : ( ولا تكن مع الكافرين    ) [ هود : 42 ] ( ولا تكونن من المشركين    ) [ الأنعام : 14 ] ( فلا تطع المكذبين    ) [ القلم : 8 ] . 
والثاني : وهو أن هذا خطاب لكل من سمعه من المكلفين ، كأنه قيل : لا يغرنك أيها السامع . 
المسألة الثالثة : تقلب الذين كفروا في البلاد  ، فيه وجهان : 
الأول : نزلت في مشركي مكة  كانوا يتجرون ويتنعمون فقال بعض المؤمنين : إن أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد فنزلت الآية . 
والثاني : قال الفراء    : كانت اليهود  تضرب في الأرض فتصيب الأموال فنزلت هذه الآية ، والمراد بتقلب الذين كفروا في البلاد ، تصرفهم في التجارات والمكاسب ، أي لا يغرنكم أمنهم على أنفسهم وتصرفهم في البلاد كيف شاءوا ، وأنتم معاشر المؤمنين خائفون محصورون ، فإن ذلك لا يبقى إلا مدة قليلة ثم ينتقلون إلى أشد العذاب . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					