( وخلق منها زوجها    ) . 
قوله تعالى : ( وخلق منها زوجها    ) فيه مسائل : 
المسألة الأولى : المراد من هذا الزوج هو حواء  ، وفي كون حواء  مخلوقة من آدم  قولان : الأول وهو الذي عليه الأكثرون : أنه لما خلق الله آدم  ألقى عليه النوم ، ثم خلق حواء  من ضلع من أضلاعه اليسرى ، فلما استيقظ رآها ومال إليها وألفها ، لأنها كانت مخلوقة من جزء من أجزائه ، واحتجوا عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن المرأة خلقت من ضلع أعوج ، فإن ذهبت تقيمها كسرتها وإن تركتها وفيها عوج استمتعت بها   " . 
والقول الثاني : وهو اختيار أبي مسلم الأصفهاني    : أن المراد من قوله : ( وخلق منها زوجها    ) أي من جنسها وهو كقوله تعالى : ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا    ) [ النحل : 72 ] وكقوله : ( إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم    ) ( آل عمران : 164 ] وقوله : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم    ) [ التوبة : 128 ] قال القاضي : والقول الأول أقوى ، لكي يصح قوله : ( خلقكم من نفس واحدة    ) إذ لو كانت حواء  مخلوقة ابتداء لكان الناس مخلوقين من نفسين ، لا من نفس واحدة . 
ويمكن أن يجاب عنه بأن كلمة " من " لابتداء الغاية ، فلما كان ابتداء التخليق والإيجاد وقع بآدم  عليه السلام صح أن يقال : خلقكم من نفس واحدة ، وأيضا فلما ثبت أنه تعالى قادر على خلق آدم  من التراب كان قادرا أيضا على خلق حواء  من التراب ، وإذا كان الأمر كذلك ، فأي فائدة في خلقها من ضلع من أضلاع آدم . 
المسألة الثانية : قال  ابن عباس    : إنما سمي آدم  بهذا الاسم  لأنه تعالى خلقه من أديم الأرض كلها ؛ أحمرها وأسودها وطيبها وخبيثها ؛ فلذلك كان في ولده الأحمر والأسود والطيب والخبيث ، والمرأة إنما سميت بحواء   لأنها خلقت من ضلع من أضلاع آدم  فكانت مخلوقة من شيء حي ، فلا جرم سميت بحواء    . 
المسألة الثالثة : احتج جمع من الطبائعيين بهذه الآية فقالوا : قوله تعالى : ( خلقكم من نفس واحدة    ) يدل على أن الخلق كلهم مخلوقون من النفس الواحدة ، وقوله : ( وخلق منها زوجها    ) يدل على أن زوجها مخلوقة منها ، ثم قال في صفة آدم    : ( خلقه من تراب    ) ( آل عمران : 59 ] فدل على أن آدم   [ ص: 132 ] مخلوق من التراب . ثم قال في حق الخلائق : ( منها خلقناكم    ) [ طه : 55 ] وهذه الآيات كلها دالة على أن الحادث لا يحدث إلا عن مادة سابقة يصير الشيء مخلوقا منها ، وأن خلق الشيء عن العدم المحض والنفي الصرف محال    . 
أجاب المتكلمون فقالوا : خلق الشيء من الشيء  محال في العقول ؛ لأن هذا المخلوق إن كان عين ذلك الشيء الذي كان موجودا قبل ذلك لم يكن هذا مخلوقا البتة ، وإذا لم يكن مخلوقا امتنع كونه مخلوقا من شيء آخر ، وإن قلنا : إن هذا المخلوق مغاير للذي كان موجودا قبل ذلك ، فحينئذ هذا المخلوق وهذا المحدث إنما حدث وحصل عن العدم المحض ، فثبت أن كون الشيء مخلوقا من غيره محال في العقول ، وأما كلمة ( من ) في هذه الآية فهو مفيد ابتداء الغاية ، على معنى أن ابتداء حدوث هذه الأشياء من تلك الأشياء لا على وجه الحاجة والافتقار ، بل على وجه الوقوع فقط . 
المسألة الرابعة : قال صاحب " الكشاف " : قرئ ( وخالق منها زوجها وباث منهما ) بلفظ اسم الفاعل ، وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره هو خالق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					