الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 61 ] المسألة الرابعة : اعلم أنه أمر في هذه الآية بالإيمان بأربعة أشياء :

                                                                                                                                                                                                                                            أولها : بالله .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : برسوله .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : بالكتاب الذي نزل على رسوله .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : بالكتاب الذي أنزل من قبل .

                                                                                                                                                                                                                                            وذكر في الكفر أمورا خمسة :

                                                                                                                                                                                                                                            فأولها : الكفر بالله .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : الكفر بملائكته .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : الكفر بكتبه .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : الكفر برسله .

                                                                                                                                                                                                                                            وخامسها : الكفر باليوم الآخر .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( فقد ضل ضلالا بعيدا ) وفي الآية سؤالات :

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الأول : لم قدم في مراتب الإيمان ذكر الرسول على ذكر الكتاب ، وفي مراتب الكفر قلب القضية ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            الجواب : لأن في مرتبة النزول من معرفة الخالق إلى الخلق كان الكتاب مقدما على الرسول ، وفي مرتبة العروج من الخلق إلى الخالق يكون الرسول مقدما على الكتاب .

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الثاني : لم ذكر في مراتب الإيمان أمورا ثلاثة : الإيمان بالله ، وبالرسول ، وبالكتب ، وذكر في مراتب الكفر أمورا خمسة : الكفر بالله ، وبالملائكة ، وبالكتب ، وبالرسل ، وباليوم الآخر ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب : أن الإيمان بالله وبالرسل وبالكتب متى حصل فقد حصل الإيمان بالملائكة واليوم الآخر لا محالة ، إذ ربما ادعى الإنسان أنه يؤمن بالله وبالرسل وبالكتب ، ثم إنه ينكر الملائكة وينكر اليوم الآخر ، ويزعم أنه يجعل الآيات الواردة في الملائكة وفي اليوم الآخر محمولة على التأويل ، فلما كان هذا الاحتمال قائما لا جرم نص أن منكر الملائكة ومنكر القيامة كافر بالله .

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الثالث : كيف قيل لأهل الكتب : ( والكتاب الذي أنزل من قبل ) ، مع أنهم ما كانوا كافرين بالتوراة والإنجيل بل مؤمنين بهما ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب عنه من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنهم كانوا مؤمنين بهما فقط ، وما كانوا مؤمنين بكل ما أنزل من الكتب ، فأمروا أن يؤمنوا بكل الكتب المنزلة .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن إيمانهم ببعض الكتب دون البعض لا يصح ؛ لأن طريق الإيمان هو المعجزة ، فإذا كانت المعجزة حاصلة في الكل كان ترك الإيمان بالبعض طعنا في المعجزة ، وإذا حصل الطعن في المعجزة امتنع التصديق بشيء منها ، وهذا هو المراد بقوله تعالى : ( ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا ) [النساء : 150 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الرابع : لم قال : " نزل على رسوله وأنزل من قبل " ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب : قال صاحب "الكشاف" : لأن القرآن نزل مفرقا منجما في عشرين سنة ، بخلاف الكتب قبله . وأقول : الكلام في هذا سبق في تفسير قوله تعالى : ( نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل ) [آل عمران : 3 ، 4 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الخامس : قوله : ( والكتاب الذي أنزل من قبل ) لفظ مفرد ، وأي الكتب هو المراد منه ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            الجواب : أنه اسم جنس فيصلح للعموم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية