الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            العاشر من المحرمات المذكورة في هذه الآية قوله تعالى : ( وما ذبح على النصب ) وفيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : النصب يحتمل أن يكون جمعا وأن يكون واحدا ، فإن قلنا إنه جمع ففي واحده ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن واحده نصاب ، فقولنا : نصاب ونصب كقولنا : حمار وحمر .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن واحده النصب ، فقولنا نصب ونصب كقولنا : سقف وسقف ورهن ورهن ، وهو قول ابن الأنباري .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : أن واحده النصبة . قال الليث : النصب جمع النصبة ، وهي علامة تنصب للقوم ، أما إن قلنا : أن النصب واحد فجمعه أنصاب ، فقولنا : نصب وأنصاب كقولنا طنب وأطناب . قال الأزهري : وقد جعل الأعشى النصب واحدا فقال :


                                                                                                                                                                                                                                            ولا النصب المنصوب لا تنسكنه لعاقبة والله ربك فاعبدا



                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : من الناس من قال : النصب هي الأوثان ، وهذا بعيد لأن هذا معطوف على قوله : ( وما أهل لغير الله به ) وذلك هو الذبح على اسم الأوثان ، ومن حق المعطوف أن يكون مغايرا للمعطوف عليه .

                                                                                                                                                                                                                                            وقال ابن جريج : النصب ليس بأصنام فإن الأصنام أحجار مصورة منقوشة ، وهذه النصب أحجار كانوا [ ص: 107 ] ينصبونها حول الكعبة ، وكانوا يذبحون عندها للأصنام ، وكانوا يلطخونها بتلك الدماء ويضعون اللحوم عليها ، فقال المسلمون : يا رسول الله كان أهل الجاهلية يعظمون البيت بالدم ، فنحن أحق أن نعظمه ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكره ، فأنزل الله تعالى : ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ) [الحج : 37] .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن " ما " في قوله ( وما ذبح ) في محل الرفع لأنه عطف على قوله : ( حرمت عليكم الميتة ) إلى قوله : ( وما أكل السبع ) .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن قوله : ( وما ذبح على النصب ) فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : وما ذبح على اعتقاد تعظيم النصب .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : وما ذبح للنصب ، و ( اللام ) و ( على ) يتعاقبان ، قال تعالى : ( فسلام لك من أصحاب اليمين ) [الواقعة : 91] أي : فسلام عليك منهم ، وقال ( وإن أسأتم فلها ) [الإسراء : 7] أي : فعليها .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية