وأما قوله تعالى : ( ثم استوى إلى السماء    )  فيه مسائل : 
المسألة الأولى : الاستواء في كلام العرب  قد يكون بمعنى الانتصاب وضده الاعوجاج ، ولما كان ذلك من صفات الأجسام ، فالله تعالى يجب أن يكون منزها عن ذلك ، ولأن في الآية ما يدل على فساده لأن قوله :   [ ص: 143 ]   ( ثم استوى    ) يقتضي التراخي ، ولو كان المراد من هذا الاستواء العلو بالمكان لكان ذلك العلو حاصلا أولا ، ولو كان حاصلا أولا لما كان متأخرا عن خلق ما في الأرض . 
لكن قوله : ( ثم استوى    ) يقتضي التراخي ، ولما ثبت هذا وجب التأويل ، وتقريره أن الاستواء هو الاستقامة ، يقال : استوى العود : إذا قام واعتدل ، ثم قيل : استوى إليه كالسهم المرسل إذا قصده قصدا مستويا من غير أن يلتفت إلى شيء آخر ، ومنه استعير قوله : ( ثم استوى إلى السماء    ) ، أي خلق بعد الأرض السماء ولم يجعل بينهما زمانا ولم يقصد شيئا آخر بعد خلقه الأرض . 
المسألة الثانية : قوله تعالى : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء    )  مفسر بقوله : ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين  وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين    ) [ فصلت : 9 ، 10 ] ، بمعنى تقدير الأرض في يومين وتقدير الأقوات في يومين آخرين ، كما يقول القائل : من الكوفة  إلى المدينة  عشرون يوما ، وإلى مكة  ثلاثون يوما ، يريد أن جميع ذلك هو هذا القدر ، ثم استوى إلى السماء في يومين آخرين ، ومجموع ذلك ستة أيام على ما قال : ( خلق السماوات والأرض في ستة أيام    ) [ الأعراف : 54 ] . 
				
						
						
