الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            وأما قوله تعالى : ( ثم استوى إلى السماء ) فيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : الاستواء في كلام العرب قد يكون بمعنى الانتصاب وضده الاعوجاج ، ولما كان ذلك من صفات الأجسام ، فالله تعالى يجب أن يكون منزها عن ذلك ، ولأن في الآية ما يدل على فساده لأن قوله : [ ص: 143 ] ( ثم استوى ) يقتضي التراخي ، ولو كان المراد من هذا الاستواء العلو بالمكان لكان ذلك العلو حاصلا أولا ، ولو كان حاصلا أولا لما كان متأخرا عن خلق ما في الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                            لكن قوله : ( ثم استوى ) يقتضي التراخي ، ولما ثبت هذا وجب التأويل ، وتقريره أن الاستواء هو الاستقامة ، يقال : استوى العود : إذا قام واعتدل ، ثم قيل : استوى إليه كالسهم المرسل إذا قصده قصدا مستويا من غير أن يلتفت إلى شيء آخر ، ومنه استعير قوله : ( ثم استوى إلى السماء ) ، أي خلق بعد الأرض السماء ولم يجعل بينهما زمانا ولم يقصد شيئا آخر بعد خلقه الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قوله تعالى : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء ) مفسر بقوله : ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ) [ فصلت : 9 ، 10 ] ، بمعنى تقدير الأرض في يومين وتقدير الأقوات في يومين آخرين ، كما يقول القائل : من الكوفة إلى المدينة عشرون يوما ، وإلى مكة ثلاثون يوما ، يريد أن جميع ذلك هو هذا القدر ، ثم استوى إلى السماء في يومين آخرين ، ومجموع ذلك ستة أيام على ما قال : ( خلق السماوات والأرض في ستة أيام ) [ الأعراف : 54 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية