أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=19ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا ) ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرئ : " يذقه "بالياء ، وفيه ضمير الله تعالى أو ضمير الظلم .
المسألة الثانية : أن
المعتزلة تمسكوا بهذه الآية في
nindex.php?page=treesubj&link=28652القطع بوعيد أهل الكبائر ، فقالوا : ثبت أن " من " للعموم في معرض الشرط ، وثبت أن الكافر ظالم ; لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إن الشرك لظلم عظيم ) [لقمان : 13] ، والفاسق ظالم ؛ لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) [الحجرات : 11] فثبت بهذه الآية أن
nindex.php?page=treesubj&link=28652_30525الفاسق لا يعفى عنه ، بل يعذب لا محالة
[ ص: 57 ] والجواب : أنا لا نسلم أن كلمة " من " في معرض الشرط للعموم ، والكلام فيه مذكور في أصول الفقه ، سلمنا أنه للعموم ولكن قطعا أم ظاهرا ؟ ودعوى القطع ممنوعة ؛ فإنا نرى في العرف العام المشهور استعمال صيغ العموم مع أن المراد هو الأكثر ، أو لأن المراد أقوام معينون ، والدليل عليه قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) [البقرة : 6] ثم إن كثيرا من الذين كفروا قد آمنوا ، فلا دافع له إلا أن يقال : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6الذين كفروا ) وإن كان يفيد العموم ، لكن المراد منه الغالب ، أو المراد منه أقوام مخصوصون ، وعلى التقديرين ثبت أن استعمال ألفاظ العموم في الأغلب عرف ظاهر ، وإذا كان كذلك كانت دلالة هذه الصيغ على العموم دلالة ظاهرة لا قاطعة ، وذلك لا ينفي تجويز العفو .
سلمنا دلالته قطعا ، ولكنا أجمعنا على أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=19ومن يظلم منكم ) مشروط بأن لا يوجد ما يزيله ، وعند هذا نقول : هذا مسلم ، لكن لم قلت بأن لم يوجد ما يزيله ؟ فإن العفو عندنا أحد الأمور التي تزيله ، وذلك هو أحد الثلاثة أول المسألة . سلمنا دلالته على ما قال ، ولكنه معارض بآيات الوعد ؛ كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=107إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ) [الكهف : 107] فإن قيل : آيات الوعيد أولى ؛ لأن السارق يقطع على سبيل التنكيل ، ومن لم يكن مستحقا للعقاب لا يجوز قطع يده على سبيل التنكيل ، فإذا ثبت أنه مستحق للعقاب ثبت أن استحقاق الثواب أحبط ؛ لما بينا أن الجمع بين الاستحقاقين محال . قلنا : لا نسلم أن السارق يقطع على سبيل التنكيل ، ألا ترى أنه لو تاب فإنه يقطع لا على سبيل التنكيل ، بل على سبيل المحنة ، نزلنا عن هذه المقامات ، ولكن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=19ومن يظلم منكم ) إنه خطاب مع قوم مخصوصين معينين فهب أنه لا يعفو عنهم فلم قلت : إنه لا يعفو عن غيرهم ؟ .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=19وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا ) فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : قُرِئَ : " يُذِقْهُ "بِالْيَاءِ ، وَفِيهِ ضَمِيرُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ ضَمِيرُ الظُّلْمِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : أَنَّ
الْمُعْتَزِلَةَ تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28652الْقَطْعِ بِوَعِيدِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ ، فَقَالُوا : ثَبَتَ أَنَّ " مَنْ " لِلْعُمُومِ فِي مَعْرِضِ الشَّرْطِ ، وَثَبَتَ أَنَّ الْكَافِرَ ظَالِمٌ ; لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) [لُقْمَانَ : 13] ، وَالْفَاسِقَ ظَالِمٌ ؛ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [الْحُجُرَاتِ : 11] فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28652_30525الْفَاسِقَ لَا يُعْفَى عَنْهُ ، بَلْ يُعَذَّبُ لَا مَحَالَةَ
[ ص: 57 ] وَالْجَوَابُ : أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كَلِمَةَ " مَنْ " فِي مَعْرِضِ الشَّرْطِ لِلْعُمُومِ ، وَالْكَلَامُ فِيهِ مَذْكُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ، سَلَّمْنَا أَنَّهُ لِلْعُمُومِ وَلَكِنْ قَطْعًا أَمْ ظَاهِرًا ؟ وَدَعْوَى الْقَطْعِ مَمْنُوعَةٌ ؛ فَإِنَّا نَرَى فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ الْمَشْهُورِ اسْتِعْمَالَ صِيَغِ الْعُمُومِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْأَكْثَرُ ، أَوْ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَقْوَامٌ مُعَيَّنُونَ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) [الْبَقَرَةِ : 6] ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا قَدْ آمَنُوا ، فَلَا دَافِعَ لَهُ إِلَّا أَنْ يُقَالَ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6الَّذِينَ كَفَرُوا ) وَإِنْ كَانَ يُفِيدُ الْعُمُومَ ، لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْغَالِبُ ، أَوِ الْمُرَادُ مِنْهُ أَقْوَامٌ مَخْصُوصُونَ ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ ثَبَتَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فِي الْأَغْلَبِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ دَلَالَةُ هَذِهِ الصِّيَغِ عَلَى الْعُمُومِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً لَا قَاطِعَةً ، وَذَلِكَ لَا يَنْفِي تَجْوِيزَ الْعَفْوِ .
سَلَّمْنَا دَلَالَتَهُ قَطْعًا ، وَلَكِنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=19وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ ) مَشْرُوطٌ بِأَنْ لَا يُوجَدَ مَا يُزِيلُهُ ، وَعِنْدَ هَذَا نَقُولُ : هَذَا مُسَلَّمٌ ، لَكِنْ لِمَ قُلْتَ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مَا يُزِيلُهُ ؟ فَإِنَّ الْعَفْوَ عِنْدَنَا أَحَدُ الْأُمُورِ الَّتِي تُزِيلُهُ ، وَذَلِكَ هُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ أَوَّلَ المسألة . سَلَّمْنَا دَلَالَتَهُ عَلَى مَا قَالَ ، وَلَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِآيَاتِ الْوَعْدِ ؛ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=107إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ) [الْكَهْفِ : 107] فَإِنْ قِيلَ : آيَاتُ الْوَعِيدِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ السَّارِقَ يُقْطَعُ عَلَى سَبِيلِ التَّنْكِيلِ ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِلْعِقَابِ لَا يَجُوزُ قَطْعُ يَدِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْكِيلِ ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِقَابِ ثَبَتَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الثَّوَابِ أَحْبَطُ ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الِاسْتِحْقَاقَيْنِ مُحَالٌ . قُلْنَا : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّارِقَ يُقْطَعُ عَلَى سَبِيلِ التَّنْكِيلِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَابَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّنْكِيلِ ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْمِحْنَةِ ، نَزَلْنَا عَنْ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=19وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ ) إِنَّهُ خِطَابٌ مَعَ قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ مُعَيَّنِينَ فَهَبْ أَنَّهُ لَا يَعْفُو عَنْهُمْ فَلِمَ قُلْتَ : إِنَّهُ لَا يَعْفُو عَنْ غَيْرِهِمْ ؟ .