الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6168 ) فصل : وإن قال : أنت علي كأمي . أو : مثل أمي . ونوى به الظهار ، فهو ظهار ، في قول عامة العلماء ; منهم أبو حنيفة ، وصاحباه ، والشافعي ، وإسحاق . وإن نوى به الكرامة والتوقير ، أو أنها مثلها في الكبر ، أو الصفة ، فليس بظهار . والقول قوله في نيته . وإن أطلق ، فقال أبو بكر : هو صريح في الظهار . وهو قول مالك ، ومحمد بن الحسن . وقال ابن أبي موسى : فيه روايتان ، أظهرهما أنه ليس بظهار حتى ينويه . وهذا قول أبي حنيفة ، والشافعي ; لأن هذا اللفظ يستعمل في الكرامة أكثر مما يستعمل في التحريم ، فلم ينصرف إليه بغير نية ، ككنايات الطلاق .

                                                                                                                                            ووجه الأول أنه شبه امرأته بجملة أمه ، فكان مشبها لها بظهرها ، فيثبت الظهار كما لو شبهها به منفردا . والذي يصح عندي في قياس المذهب ، أنه إن وجدت قرينة تدل على الظهار ، مثل أن يخرجه مخرج الحلف ، فيقول : إن فعلت كذا فأنت علي مثل أمي . أو قال ذلك حال الخصومة والغضب ، فهو ظهار ; لأنه إذا خرج مخرج الحلف ، فالحلف يراد للامتناع من شيء ، أو الحث عليه ، وإنما يحصل ذلك بتحريمها عليه ، ولأن كونها مثل أمه في صفتها أو كرامتها . لا يتعلق على شرط ، فيدل على أنه إنما أراد الظهار ، ووقوع ذلك في حال الخصومة والغضب ، دليل على أنه أراد به ما يتعلق بأذاها ، ويوجب اجتنابها ، وهو الظهار . وإن عدم هذا فليس بظهار ; لأنه محتمل لغير الظهار احتمالا كثيرا ، فلا يتعين الظهار فيه بغير دليل . ونحو هذا قول أبي ثور .

                                                                                                                                            وهكذا لو قال : أنت علي كأمي أو : مثل أمي . أو قال : أنت أمي ، أو : امرأتي أمي . مع الدليل الصارف له إلى الظهار ، كان ظهارا ; إما بنية ، أو ما يقوم مقامها . وإن قال : أمي امرأتي . أو : مثل امرأتي . لم يكن ظهارا ; لأنه تشبيه لأمه ، ووصف لها ، وليس بوصف لامرأته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية