الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7028 ) مسألة : قال : والنساء والصبيان لا يقسمون يعني إذا كان المستحق نساء وصبيانا لم يقسموا ; أما الصبيان فلا خلاف بين أهل العلم أنهم لا يقسمون ، سواء كانوا من الأولياء ، أو مدعى عليهم ; لأن الأيمان حجة للحالف ، والصبي لا يثبت بقوله حجة ، ولو أقر على نفسه ، لم يقبل ، فلأن لا يقبل قوله في حق غيره أولى . وأما النساء فإذا كن من أهل القتيل ، لم يستحلفن . وبهذا قال ربيعة ، والثوري ، والليث ، والأوزاعي ، وقال مالك : لهن مدخل في قسامة الخطإ دون العمد . قال ابن القاسم : ولا يقسم في العمد إلا اثنان فصاعدا ، كما أنه لا يقتل إلا بشاهدين .

                                                                                                                                            وقال الشافعي : يقسم كل وارث بالغ ; لأنها يمين في دعوى ، فتشرع في حق النساء ، كسائر الأيمان . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { يقسم خمسون رجلا منكم ، وتستحقون دم صاحبكم } . ولأنها حجة يثبت بها قتل العمد ، فلا تسمع من النساء ، كالشهادة ، ولأن الجناية المدعاة التي تجب القسامة عليها هي القتل ، ولا مدخل للنساء في إثباته ، وإنما يثبت المال ضمنا ، فجرى ذلك مجرى رجل ادعى زوجية امرأة بعد موتها ليرثها ، فإن ذلك لا يثبت بشاهد ويمين ، ولا بشهادة رجل وامرأتين ، وإن كان مقصودها المال . فأما إن كانت المرأة مدعى عليها القتل ، فإن قلنا إنه يقسم من العصبة رجال . لم تقسم المرأة أيضا ; لأن ذلك مختص بالرجال .

                                                                                                                                            وإن قلنا : يقسم المدعى عليه . فينبغي أن تستحلف ; لأنها لا تثبت بقولها حقا ولا قتلا ، وإنما هي لتبرئتها منه ، فتشرع في حقها اليمين ، كما لو لم يكن لوث . فعلى هذا ، إذا كان في الأولياء نساء ورجال ، أقسم الرجال ، وسقط حكم النساء ، وإن كان فيهم صبيان ورجال بالغون ، أو كان فيهم حاضرون وغائبون ، فقد ذكرنا من قبل أن القسامة لا تثبت حتى يحضر الغائب ، فكذا لا تثبت حتى يبلغ الصبي ; لأن الحق لا يثبت إلا ببينته الكاملة ، والبينة أيمان الأولياء كلهم ، والأيمان لا تدخلها النيابة ; ولأن الحق إن كان قصاصا ، فلا يمكن تبعيضه ، فلا فائدة في قسامة الحاضر البالغ ، وإن كان غيره ، فلا تثبت إلا بواسطة ثبوت القتل ، وهو لا يتبعض [ ص: 393 ] أيضا .

                                                                                                                                            وقال القاضي : إن كان القتل عمدا ، لم يقسم الكبير حتى يبلغ الصغير ، ولا الحاضر حتى يقدم الغائب ; لأن حلف الكبير الحاضر لا يفيد شيئا في الحال ، وإن كان موجبا للمال ، كالخطإ وعمد الخطإ ، فللحاضر المكلف أن يحلف ، ويستحق قسطه من الدية . وهذا قول أبي بكر ، وابن حامد ، ومذهب الشافعي . واختلفوا في كم يقسم الحاضر ؟ فقال ابن حامد : يقسم بقسطه من الأيمان ، فإن كان الأولى اثنين أقسم الحاضر خمسا وعشرين يمينا ، وإن كانوا ثلاثة أقسم سبع عشرة يمينا ، وإن كانوا أربعة أقسم ثلاث عشرة يمينا ، وكلما قدم غائب أقسم بقدر ما عليه ، واستوفى حقه ; لأنه لو كان الجميع حاضرين ، لم يلزمه أكثر من قسطه ، فكذلك إذا غاب بعضهم كما في سائر الحقوق ، ولأنه لا يستحق أكثر من قسطه من الدية ، فلا يلزمه أكثر من قسطه من الأيمان .

                                                                                                                                            وقال أبو بكر : يحلف الأول خمسين يمينا . وهذا قول الشافعي ; لأن الحكم لا يثبت إلا بالبينة الكاملة ، والبينة هي الأيمان كلها ، ولذلك لو ادعى أحدهما دينا لأبيهما ، لم يستحق نصيبه منه إلا بالبينة المثبتة لجميعه ; ولأن الخمسين في القسامة كاليمين الواحدة في سائر الحقوق . ولو ادعى مالا له فيه شركة ، له به شاهد ، لحلف يمينا كاملة ، كذلك هذا . فإذا قدم الثاني : أقسم خمسا وعشرين يمينا ، وجها واحدا عند أبي بكر ; لأنه يبني على أيمان أخيه المتقدمة .

                                                                                                                                            وقال الشافعي : فيه قول آخر ، أنه يقسم خمسين يمينا أيضا ، لأن أخاه إنما استحق بخمسين ، فكذلك هو . فإذا قدم ثالث ، أو بلغ ، فعلى قول أبي بكر ، يقسم سبع عشرة يمينا ; لأنه يبني على أيمان أخويه ، وعلى قول الشافعي ، فيه قولان ، أحدهما ; أنه يقسم سبع عشرة يمينا . والثاني : خمسين يمينا وإن قدم رابع ، كان على هذا المثال . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية