[ ص: 34 ]   ( 7125 ) فصل : في السحر : وهو عقد ورقى وكلام يتكلم به ، أو يكتبه ، أو يعمل شيئا في بدن المسحور أو قلبه ، أو عقله ، من غير مباشرة له . وله حقيقة ، فمنه ما يقتل ، وما يمرض ، ويأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها ، ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه ، وما يبغض أحدهما إلى الآخر ، أو يحبب بين اثنين . وهذا قول  الشافعي    . وذهب بعض أصحابه إلى أنه لا حقيقة له ، إنما هو تخييل ; لأن الله تعالى قال : { يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى    } . وقال أصحاب  أبي حنيفة    : إن كان شيئا يصل إلى بدن المسحور ، كدخان ونحوه ، جاز أن يحصل منه ذلك ، فأما أن يحصل المرض والموت من غير أن يصل إلى بدنه شيء ، فلا يجوز ذلك ; لأنه لو جاز ، لبطلت معجزات الأنبياء عليهم السلام ; لأن ذلك يخرق العادات ، فإذا جاز من غير الأنبياء ، بطلت معجزاتهم وأدلتهم . 
ولنا ، قول الله تعالى : { قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد    } يعني السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن ، وينفثن عليه ، ولولا أن السحر له حقيقة  ، لما أمر الله تعالى بالاستعاذة منه . وقال الله تعالى : { يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت    } . إلى قوله : { فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه    } . وروت  عائشة  رضي الله عنها { أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر ، حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله وأنه قال لها ذات يوم : أشعرت أن الله تعالى أفتاني فيما استفتيته ؟ أنه أتاني ملكان فجلس أحدهما عند رأسي ، والآخر عند رجلي ، فقال : ما وجع الرجل ؟ قال : مطبوب قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم  في مشط ومشاطة ، في جف طلعة ذكر ، في بئر ذي أروان    .   } ذكره  البخاري  ، وغيره . جف الطلعة : وعاؤها . والمشاطة : الشعر الذي يخرج من شعر الرأس أو غيره إذا مشط . فقد أثبت لهم سحرا . 
وقد اشتهر بين الناس وجود عقد الرجل عن امرأته حين يتزوجها فلا يقدر على إتيانها ، وحل عقده ، فيقدر عليها بعد عجزه عنها ، حتى صار متواترا لا يمكن جحده . وروي من أخبار السحرة ما لا يكاد يمكن التواطؤ على الكذب فيه . وأما إبطال المعجزات ، فلا يلزم من هذا ; لأنه لا يبلغ ما يأتي به الأنبياء عليهم السلام ، وليس يلزم أن ينتهي إلى أن تسعى العصي والحبال . إذا ثبت هذا ، فإن تعلم السحر وتعليمه  حرام لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم . قال أصحابنا : ويكفر الساحر بتعلمه وفعله ، سواء اعتقد تحريمه أو إباحته . 
وروي عن  أحمد  ما يدل على أنه لا يكفر ، فإن  حنبلا  روي عنه ، قال : قال  [ ص: 35 ] عمي في العراف والكاهن والساحر : أرى أن يستتاب من هذه الأفاعيل كلها ، فإنه عندي في معنى المرتد ، فإن تاب وراجع يعني يخلى سبيله . قلت له : يقتل ؟ قال : لا ، يحبس ، لعله يرجع . قلت له : لم لا تقتله ؟ قال : إذا كان يصلي ، لعله يتوب ويرجع . وهذا يدل على أنه لم يكفره لأنه لو كفره لقتله . وقوله في معنى المرتد . يعني الاستتابة . وقال أصحاب  أبي حنيفة    : إن اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء ، كفر ، وإن اعتقد أنه تخييل لم يكفر . 
وقال  الشافعي  إن اعتقد ما يوجب الكفر ، مثل التقرب إلى الكواكب السبعة ، وأنها تفعل ما يلتمس ، أو اعتقد حل السحر ، كفر ; لأن القرآن نطق بتحريمه ، وثبت بالنقل المتواتر والإجماع عليه ، وإلا فسق ولم يكفر ; لأن عائشة  رضي الله عنها باعت مدبرة لها سحرتها ، بمحضر من الصحابة . ولو كفرت لصارت مرتدة يجب قتلها ، ولم يجز استرقاقها ، ولأنه شيء يضر بالناس ، فلم يكفر بمجرده كأذاهم . ولنا قول الله تعالى : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا    } . إلى قوله : { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر    } . أي وما كفر سليمان  ، أي وما كان ساحرا كفر بسحره . 
وقولهما : إنما نحن فتنة فلا تكفر . أي لا تتعلمه فتكفر بذلك ، وقد روى  هشام بن عروة  عن أبيه ، عن  عائشة  ، أن امرأة جاءتها ، فجعلت تبكي بكاء شديدا ، وقالت : يا أم المؤمنين ، إن عجوزا ذهبت بي إلى هاروت  وماروت    . فقلت : علماني السحر . فقالا : اتقي الله ولا تكفري ، فإنك على رأس أمرك . فقلت : علماني السحر . فقالا : اذهبي إلى ذلك التنور ، فبولي فيه . ففعلت ، فرأيت كأن فارسا مقنعا في الحديد خرج مني حتى طار ، فغاب في السماء ، فرجعت إليهما ، فأخبرتهما ، فقالا : ذلك إيمانك . فذكرت باقي القصة إلى أن قالت : والله يا أم المؤمنين ما صنعت شيئا غير هذا ، ولا أصنعه أبدا فهل لي من توبة ؟ قالت  عائشة    : ورأيتها تبكي بكاء شديدا ، فطافت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهم متوافرون - تسألهم ، هل لها من توبة ؟ فما أفتاها أحد ، إلا أن  ابن عباس  قال لها : إن كان أحد من أبويك حيا ، فبريه ، وأكثري من عمل البر ما استطعت . 
وقول عائشة  قد خالفها فيه كثير من الصحابة ، وقال  علي  رضي الله عنه الساحر كافر ويحتمل أن المدبرة تابت فسقط عنها القتل والكفر بتوبتها . ويحتمل أنها سحرتها ، بمعنى أنها ذهبت إلى ساحر سحر لها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					