الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( باب القسامة ) اسم للقسم أقيم مقام المصدر من أقسم إقساما وقسامة فهي الأيمان إذا كثرت على وجه [ ص: 67 ] المبالغة ( وهي ) شرعا ( أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم ) قال ابن قتيبة في المعارف أول من قضى بالقسامة في الجاهلية الوليد بن المغيرة فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام ا هـ وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار { أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية } رواه أحمد ومسلم ( ولا تثبت ) القسامة ( إلا بشروط ) أربعة بل عشرة كما يعلم مما يأتي :

                                                                                                                      ( أحدها دعوى القتل عمدا أو خطأ أو شبه عمد ) لأن كل حق لآدمي لا يثبت لشخص إلا بعد دعواه أنه له والقتل من الحقوق ( على واحد ) قال في المبدع لا يختلف المذهب فيه لقوله صلى الله عليه وسلم { فيحلف خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته } ولأنها بينة ضعيفة خولف بها الأصل لدليل في الواحد فيقتصر عليه ويبقى على الأصل ما عداه ( معين ) لأن الدعوى لا تسمع على المبهم ( مكلف ) لتصح الدعوى ( ذكر أو أنثى حر أو عبد مسلم أو كافر ملتزم ) لأحكام المسلمين كالذمي لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " على رجل منهم " والأنثى كالذكر ( ذكرا كان المقتول أو أنثى حرا أو عبدا مسلما أو ذميا ) لأنه قتل آدمي يوجب الكفارة فشرعت القسامة فيه كالحر المسلم ولأن ما كان حجة في قتل الحر المسلم كان حجة في قتل العبد والذمي ( ويقسم على العبد ) المقتول ( سيده ) لقيامه مقام وارثه ( وأم الولد والمدبر والمكاتب والمعلق عتقه بصفة ) قبل وجودها ( كالقن ) ليقسم عليه سيده .

                                                                                                                      قلت والمبعض يقسم عليه وارثه وسيده بحسب ما فيه من الحرية والرق ( فإن قتل عبدا لمكاتب فللمكاتب أن يقسم على الجاني ) بشروطه لأنه سيد المقتول ( وإن عجز ) المكاتب عن أداء مال الكتابة كله أو بعضه ( قبل أن يقسم ) الجاني ( فلسيده أن يقسم ) عليه لعوده إليه هو وما كان بيده ( ولو اشترى ) العبد ( المأذون له في التجارة عبدا أو ملكه سيده عبدا فقتل فالقسامة لسيده ) لأنه المالك ( دونه ) أي المأذون لأنه لا يملك ولو ملك ( ولا قسامة فيما دون النفس من الجراح والأطراف والمال غير العبد ) لأن القسامة ثبتت في النفس لحرمتها فاختصت بها كالكفارة ( والدعوى فيها ك ) الدعوى في ( سائر الحقوق البينة على المدعي واليمين على من أنكر يمينا واحدة ) لأنها دعوى لا قسامة فيها فلا تغلظ بالعدد .

                                                                                                                      ( وكذا لو ادعى القتل من غير وجود قتيل ولا عداوة ) فالبينة عليه واليمين على المنكر يمينا واحدة لعموم الخبر ( والمحجور عليه لسفه أو فلس [ ص: 68 ] كغيره في دعوى القتل ) لأن الحجر عليهما في مالهما وما يتعلق بالتصرف فيه .

                                                                                                                      ( و ) المحجور عليه لسفه أو فلس كغيره في ( الدعوى عليه ) بالقتل ( إلا أنه إذا أقر بمال أو لزمته الدية بالنكول عن اليمين لم يلزمه في حال حجره ) لاحتمال التواطؤ ويتبع بذلك بعد فك الحجر عنه ( ولو جرح ) بالبناء للمفعول ( مسلم فارتد المجروح ومات على الردة فلا قسامة ) لأنه غير معصوم .

                                                                                                                      ( وإن مات ) المجروح ( مسلما فارتد وارثه قبل القسامة فلذلك ) أي لا قسامة لأن ملك المرتد لما له إما أن يزول أو يكون موقوفا وحقوق المال لها حكمه فإن قلنا بزوال ملكه فلا حق له وإن قلنا موقوف فهو قبل انكشاف حاله مشكوك فيه ولا يثبت الحكم بشيء مشكوك فيه خصوصا قتل مسلم ( وإن ارتد ) الوارث ( قبل موت موروثه كانت القسامة لغيره ) أي غير المرتد ( من الوارث ) لأن المرتد كالعدم لقيام المانع به فإن عاد إلى الإسلام قبل قسامة غيره قياس المذهب أنه يدخل في القسامة قاله في الشرح ( وإن لم يكن له وارث سواه ) أي المرتد ( فلا قسامة فيه ) لعدم الوارث الخاص ( وإن ارتد رجل فقتل عبده أو ارتد ) السيد .

                                                                                                                      ( فإن عاد ) السيد ( إلى الإسلام فله القسامة ) كما لو لم يرتد ( وإلا ) أي وإن لم يعد إلى الإسلام بأن قتل للردة أو غيرها أو مات مرتدا ( فلا ) قسامة لعدم الوارث الخاص .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية