[ ص: 126 ] كتاب الأيمان
( قال ) الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر السلام
أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي : رضي الله تعالى عنه اليمين في اللغة القوة ، ومنه قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=45لأخذنا منه باليمين } ، وقال القائل :
رأيت عرابة الأوسي يسمو إلى الخيرات منقطع القرين إذا ما راية رفعت لمجد
تلقاها عرابة باليمين
فما يستعمل بالعهود والتوثيق والقوة يسمى يمينا ، وقيل : اليمين الجارحة فلما كانت يستعمل بذلها في العهود سمي ما يؤكد به العقد باسمها ، وهي نوعان نوع يعرفه أهل اللغة ، وهو ما يقصد به تعظيم المقسم به ، ويسمون ذلك قسما إلا أنهم لا يخصون ذلك بالله تعالى وفي الشرع هذا النوع من اليمين لا يكون إلا بالله تعالى فهو المستحق للتعظيم بذاته على وجه لا يجوز هتك حرمة اسمه بحال . والنوع الآخر الشرط والجزاء ، وهو يمين عند الفقهاء لما فيها من معنى اليمين ، وهو المنع والإيجاب ، ولكن أهل اللغة لا يعرفون ذلك ; لأنه ليس فيه معنى التعظيم
ثم بدأ الكتاب ببيان النوع الأول فقال : الأيمان ثلاثة وهذا اللفظ على النحو الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله تعالى يروى عن رجلين من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين
أبي مالك الغفاري وكعب بن مالك رحمهما الله ولم يرد عدد الأيمان ، فإن ذلك أكثر من أن يحصى ، وإنما أراد أن
nindex.php?page=treesubj&link=16459_16540_16541_16472اليمين بالله تعالى تنقسم في أحكامها ثلاثة أقسام : يمين يكفر ، ويمين لا يكفر ، ويمين يرجوا أن لا يؤاخذ الله تعالى بها صاحبها ، فأما
nindex.php?page=treesubj&link=16540_16478الذي يكفر فهو يمين على أمر في المستقبل لإيجاد فعل ، أو نفي فعل ، وهذا عقد مشروع أمر الله تعالى به في بيعة نصرة الحق وفي المظالم والخصومات ، وهي في وجوب الحفظ أربعة أنواع : نوع منها يجب إتمام البر فيها ، وهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=24900_16476يعقد على أمر طاعة أمر به ، أو الامتناع عن معصية ، وذلك فرض عليه قبل اليمين وباليمين يزداد وكادة
[ ص: 127 ] ونوع لا يجوز حفظها وهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=24904_16477يحلف على ترك طاعة أو فعل معصية لقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80426من حلف أن يطيع الله فليطعه ، ومن حلف أن يعصي الله فلا يعصه } . ونوع يتخير فيه بين البر والحنث ، والحنث خير من البر فيندب فيه إلى الحنث لقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80427من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير ، وليكفر } . وأدنى درجات الأمر الندب ، ونوع يستوي فيه البر والحنث في الإباحة فيتخير بينهما ، وحفظ اليمين أولى بظاهر قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89واحفظوا أيمانكم } . وحفظ اليمين يكون بالبر بعد وجودها فعرفنا أن المراد حفظ البر ، ومن حنث في هذا اليمين فعليه
nindex.php?page=treesubj&link=16544_16553_16564_16478_26927الكفارة كما قال تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89 : فكفارته إطعام عشرة مساكين } . ويتخير بين الطعام والكسوة والإعتاق للتنصيص على حرف أو ; ولأن البداية بالأخف والختم بالأغلظ إشارة إلى ذلك ; لأنها لو كانت مرتبة كانت البداية بالأغلظ .
[ ص: 126 ] كِتَابُ الْأَيْمَانِ
( قَالَ ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ السَّلَامِ
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ : رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْيَمِينُ فِي اللُّغَةِ الْقُوَّةُ ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=45لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ } ، وَقَالَ الْقَائِلُ :
رَأَيْت عَرَابَةَ الْأَوْسِيِّ يَسْمُو إلَى الْخَيْرَاتِ مُنْقَطِعَ الْقَرِينِ إذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ
تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ
فَمَا يُسْتَعْمَلُ بِالْعُهُودِ وَالتَّوْثِيقِ وَالْقُوَّةِ يُسَمَّى يَمِينًا ، وَقِيلَ : الْيَمِينُ الْجَارِحَةُ فَلَمَّا كَانَتْ يُسْتَعْمَلُ بَذْلُهَا فِي الْعُهُودِ سُمِّيَ مَا يُؤَكَّدُ بِهِ الْعَقْدُ بِاسْمِهَا ، وَهِيَ نَوْعَانِ نَوْعٌ يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ ، وَهُوَ مَا يُقْصَدُ بِهِ تَعْظِيمُ الْمُقْسَمِ بِهِ ، وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ قَسَمًا إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَخُصُّونَ ذَلِكَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَفِي الشَّرْعِ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْيَمِينِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلتَّعْظِيمِ بِذَاتِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ هَتْكُ حُرْمَةِ اسْمِهِ بِحَالٍ . وَالنَّوْعُ الْآخَرُ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ ، وَهُوَ يَمِينٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْيَمِينِ ، وَهُوَ الْمَنْعُ وَالْإِيجَابُ ، وَلَكِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى التَّعْظِيمِ
ثُمَّ بَدَأَ الْكِتَابَ بِبَيَانِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَقَالَ : الْأَيْمَانُ ثَلَاثَةٌ وَهَذَا اللَّفْظُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُرْوَى عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ
أَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَمْ يَرِدْ عَدَدُ الْأَيْمَانِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=16459_16540_16541_16472الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى تَنْقَسِمُ فِي أَحْكَامِهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : يَمِينٌ يُكَفَّرُ ، وَيَمِينٌ لَا يُكَفَّرُ ، وَيَمِينٌ يَرْجُوا أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا صَاحِبَهَا ، فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=16540_16478الَّذِي يُكَفَّرُ فَهُوَ يَمِينٌ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِإِيجَادِ فِعْلٍ ، أَوْ نَفْيِ فِعْلٍ ، وَهَذَا عَقْدٌ مَشْرُوعٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي بَيْعَةِ نُصْرَةِ الْحَقِّ وَفِي الْمَظَالِمِ وَالْخُصُومَاتِ ، وَهِيَ فِي وُجُوبِ الْحِفْظِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ : نَوْعٌ مِنْهَا يَجِبُ إتْمَامُ الْبَرِّ فِيهَا ، وَهُوَ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=24900_16476يَعْقِدَ عَلَى أَمْرِ طَاعَةٍ أُمِرَ بِهِ ، أَوْ الِامْتِنَاعُ عَنْ مَعْصِيَةٍ ، وَذَلِكَ فَرْضٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الْيَمِينِ وَبِالْيَمِينِ يَزْدَادُ وَكَادَةً
[ ص: 127 ] وَنَوْعٌ لَا يَجُوزُ حِفْظُهَا وَهُوَ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=24904_16477يَحْلِفَ عَلَى تَرْكِ طَاعَةٍ أَوْ فِعْلِ مَعْصِيَةٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80426مَنْ حَلَفَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ، وَمَنْ حَلَفَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ } . وَنَوْعٌ يَتَخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الْبَرِّ وَالْحِنْثِ ، وَالْحِنْثُ خَيْرٌ مِنْ الْبَرِّ فَيُنْدَبُ فِيهِ إلَى الْحِنْثِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80427مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ، وَلْيُكَفِّرْ } . وَأَدْنَى دَرَجَاتِ الْأَمْرِ النَّدْبُ ، وَنَوْعٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْبَرُّ وَالْحِنْثُ فِي الْإِبَاحَةِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا ، وَحِفْظُ الْيَمِينِ أَوْلَى بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ } . وَحِفْظُ الْيَمِينِ يَكُونُ بِالْبَرِّ بَعْدَ وُجُودِهَا فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ حِفْظُ الْبَرِّ ، وَمَنْ حَنِثَ فِي هَذَا الْيَمِينِ فَعَلَيْهِ
nindex.php?page=treesubj&link=16544_16553_16564_16478_26927الْكَفَّارَةُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89 : فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ } . وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَالْإِعْتَاقِ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى حَرْفِ أَوْ ; وَلِأَنَّ الْبِدَايَةَ بِالْأَخَفِّ وَالْخَتْمَ بِالْأَغْلَظِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُرَتَّبَةً كَانَتْ الْبِدَايَةُ بِالْأَغْلَظِ .