الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال وأمر اللباس نظير الأكل في جميع ما ذكرنا ) يعني أنه كما نهى عن الإسراف والتكثير من الطعام فكذلك نهى عن ذلك في اللباس والأصل فيه ما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثوبين } والمراد أن لا يلبس نهاية ما يكون من الحسن والجودة في الثياب على وجه يشار إليه بالأصابع أو يلبس نهاية ما يكون من الثياب الخلق على وجه يشار إليه بالأصابع ، فإن أحدهما يرجع إلى الإسراف والآخر يرجع إلى التقتير وخير الأمور أوسطها فينبغي أن يلبس في عامة الأوقات الغسيل من الثياب ، ولا يكلف الجديد الحسن عملا بقوله صلى الله عليه وسلم { البذاذة من الإيمان } إلا أنه لا بأس بأن يلبس أحسن ما يجد من الثياب في بعض الأعياد [ ص: 269 ] والأوقات والجمع لما روي { عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كان له جبة أهداها إليه المقوقس فكان يلبسها في الأعياد والجمع وللوفود ينزلون إليه } وروي أنه { كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قباء مكفوف بالحرير وكان يلبس ذلك في الأعياد والجمع } ، ولأن في لبس ذلك في بعض الأوقات إظهار النعمة قال صلى الله عليه وسلم { إذا أنعم الله على عبد أحب أن يرى أثرها عليه } ، وفي التكلف لذلك في جميع الأوقات معنى الصلف وربما يغيظ ذلك المحتاجين والتحرز عن ذلك أولى وكذا في زمان الشتاء لا ينبغي أن يظاهر بين جبتين أو ثلاثة إذا كان يكفيه لدفع البرد جبة واحدة ، فإن ذلك يغيظ المحتاجين ، وهو منهي عن اكتساب سبب يؤذي غيره ومقصوده يحصل بما دون ذلك والأولى له أن يختار الخشن من الثياب للبس على ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان لا يلبس إلا الخشن من الثياب فإن لبس الخشن في زمان الشتاء واللين في زمان الصيف فلا بأس بذلك ، الخشن يدفع من البرد ما لا يدفعه اللين ، فهو محتاج إلى ذلك في زمان الشتاء واللين منشف من العرق ما لا ينشفه الخشن ، فهو محتاج إلى ذلك في زمان الصيف ، وإن لبس اللين في الشتاء والصيف فذلك واسع له أيضا إذا كان اكتسبه من حله لقوله تعالى { قل من حرم زينة الله } الآية .

وكما يندب إلى ما بينا في طعام نفسه وكسوته فكذلك في طعام عياله وكسوتهم ; لأنه مأمور بالإنفاق عليهم بالمعروف والمعروف ما يكون دون السرف وفوق التقتير حتى قالوا لا ينبغي أن يكلف تحصيل جميع شهوات عياله ، ولا أن يمنعها جميع شهواتها ، ولكن إنفاقه بين ذلك فإن خير الأمور أوساطها ، وكذلك لا ينبغي أن يستديم الشبع من الطعام ، فإن الأول ما اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينه في قوله { أجوع يوما وأشبع يوما } { وكانت عائشة رضي الله عنها تبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قبض وتقول يا من لم يلبس الحرير ، ولم يشبع من خبز الشعير } { وكانت عائشة رضي الله عنها تقول ربما يأتي علينا الشهر أو أكثر لا نوقد في بيوتنا نارا ، وإنما هو الأسودان الماء والتمر } ، وقد روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا } ، فلهذا كان التحرز عن استدامة الشبع في جميع الأوقات أولى

التالي السابق


الخدمات العلمية