باب الإطعام في كفارة اليمين ( قال ) رضي الله تعالى عنه : بلغنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه أنه قال لمولى له أرقا وفي رواية ( 1 ) برقا : إني أحلف على قوم أن لا أعطيهم ، ثم يبدو لي فأعطيهم ، فإذا أنا فعلت ذلك فأطعم عني عشرة مساكين ، كل مسكين نصف صاع من حنطة ، أو صاعا من تمر ، وفي هذا دليل أنه لا بأس للإنسان أن يحلف مختارا بخلاف ما يقوله المتشفعة : أن ذلك مكروه بظاهر قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224 : ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } ، ولكنا نقول : قد حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة من غير ضرورة كانت له في ذلك ، وتأويل تلك الآية أنه يجازف في الحلف من غير مراعاة البر والحنث ، وفيه دليل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=16477_24898_16578الحالف إذا رأى الحنث خيرا يجوز له أن يحنث نفسه ، وقد روينا فيه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=77عبد الرحمن بن سمرة ، وفي حديث
أبي مالك الأشعري رحمه الله تعالى قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من
الأشعريين نستحمله فحلف أن لا يحملنا ، ثم رجع قوم عنده بخمس ذود ، وقالوا : حملنا عليها . فقلت : لعله نسي يمينه فأتيته فأخبرته بذلك . قال : إني أحلف ثم أرى غيره خيرا منه فأتحلل يميني ، وفيه دليل أن أوان التكفير ما بعد الحنث كما هو مذهبنا ، وأن
[ ص: 150 ] ما روي فليكفر يمينه ، وليأت الذي هو خير ، محمول على التقديم والتأخير ، وكذلك قوله : ثم يأت بالذي هو خير ; لأن ثم قد تكون بمعنى الواو . قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثم كان من الذين آمنوا } ، أي وكان {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=46ثم الله شهيد } ، أي والله شهيد ، وفيه دليل أن
nindex.php?page=treesubj&link=26397_16549التوكيل بالتكفير جائز .
بخلاف ما يقوله بعض الناس : أنه لا توكيل في العبادة أصلا لظاهر قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39 : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } ، ولكنا نقول : المقصود فيما هو مالي الابتداء بإخراج جزء من المال عن ملكه ، وذلك يتحقق بالنائب ، وفيه دليل أن الوظيفة لكل مسكين نصف صاع من حنطة ، أو صاع من تمر أو صاع من شعير ، وهكذا روي عن
عائشة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس رضي الله عنهم وذكر بعده عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه نصف صاع من حنطة ، وقد بينا هذه المسألة في كتاب الظهار ، وكفارة اليمين مثله ، وقد بينا أن دقيق الحنطة وسويقها بمنزلة الحنطة ; لأن ما هو المقصود يحصل للفقير بهما مع سقوط مؤنة الطحن عنه ، وقد بينا أن طعام الإباحة تتأدى به الكفارة عندنا ، والمعتبر فيه أكلتان مشبعتان ، سواء كان خبز البر مع الطعام أو بغير إدام ، وإن أعطى قيمة الطعام يجوز ، فكذلك في كفارة اليمين ، وكذلك إن غداهم وأعطاهم قيمة العشاء اعتبارا للبعض بالكل ; وهذا لأن المقصود واحد ، وقد أتى من كل وظيفة بنصفه ، وإن غداهم وعشاهم ، وفيهم صبي فطم ، أو فوق ذلك شيئا لم يجز ; لأنه لا يستوفي كمال الوظيفة كما يستوفيه البالغ ، وعليه طعام مسكين واحد مكانه ، فإن أعطى عشرة مساكين كل مسكين مدا من حنطة ، فعليه أن يعيد عليهم مدا مدا ، وإن لم يقدر عليهم استقبل الطعام ; لأن الواجب لا يتأدى إلا بإيصال وظيفة كاملة إلى كل مسكين ، وذلك نصف صاع من حنطة وذكر
هشام عن
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمهما الله تعالى أنه لو
nindex.php?page=treesubj&link=26712_16549أوصى بأن يطعم عنه عشرة مساكين في كفارة يمينه ، فغدى الوصي عشرة مساكين ، ثم ماتوا قبل أن يعشيهم ، فعليه الاستقبال ; لأن الوظيفة في طعام الإباحة الغداء والعشاء ، فلا يتأدى الواجب إلا باتصال وظيفة كاملة إلى كل مسكين ، ولا يكون الوصي ضامنا لما أطعم ; لأنه فيما صنع كان ممتثلا لأمره ، وكان بقاؤهم إلى أن يعشيهم ليس في وسعه ، ولو كان
nindex.php?page=treesubj&link=26712_16549أوصى بأن يطعم عنه عشرة مساكين غداء وعشاء ، ولم يذكر الكفارة فغدى الوصي عشرة فماتوا فإنه يعشي عشرة أخرى ، ويكفي ذلك ; لأن الموصى به أكلتان فقط دون إسقاط الكفارة بهما ، وقد وجد بخلاف الأول ثم قد بينا في باب الظهار أن المسكين الواحد في الأيام المتفرقة كالمساكين عندنا ، وعند تفريق الدفعات في يوم واحد فيه اختلاف بين المشايخ ، فكذلك في اليمين .
بَابُ الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ( قَالَ ) رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : بَلَغَنَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِمَوْلًى لَهُ أَرَقًا وَفِي رِوَايَةٍ ( 1 ) بَرَقًا : إنِّي أَحْلِفُ عَلَى قَوْمٍ أَنْ لَا أُعْطِيَهُمْ ، ثُمَّ يَبْدُوَ لِي فَأُعْطِيَهُمْ ، فَإِذَا أَنَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَطْعِمْ عَنِّي عَشَرَةَ مَسَاكِينَ ، كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَحْلِفَ مُخْتَارًا بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ الْمُتَشَفِّعَةُ : أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=224 : وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ } ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : قَدْ حَلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَانَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَتَأْوِيلُ تِلْكَ الْآيَةِ أَنَّهُ يُجَازِفُ فِي الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ الْبَرِّ وَالْحِنْثِ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=16477_24898_16578الْحَالِفَ إذَا رَأَى الْحِنْثَ خَيْرًا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ ، وَقَدْ رَوَيْنَا فِيهِ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=77عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ ، وَفِي حَدِيثِ
أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ
الْأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يُحَمِّلَنَا ، ثُمَّ رَجَعَ قَوْمٌ عِنْدَهُ بِخَمْسِ ذَوْدٍ ، وَقَالُوا : حَمَلَنَا عَلَيْهَا . فَقُلْتُ : لَعَلَّهُ نَسِيَ يَمِينَهُ فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ . قَالَ : إنِّي أَحْلِفُ ثُمَّ أَرَى غَيْرَهُ خَيْرًا مِنْهُ فَأَتَحَلَّلُ يَمِينِي ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ أَوَانَ التَّكْفِيرِ مَا بَعْدَ الْحِنْثِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا ، وَأَنَّ
[ ص: 150 ] مَا رُوِيَ فَلْيُكَفِّرْ يَمِينَهُ ، وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ، مَحْمُولٌ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : ثُمَّ يَأْتِ بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ; لِأَنَّ ثُمَّ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاوِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=17ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا } ، أَيْ وَكَانَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=46ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ } ، أَيْ وَاَللَّهُ شَهِيدٌ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26397_16549التَّوْكِيلَ بِالتَّكْفِيرِ جَائِزٌ .
بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ : أَنَّهُ لَا تَوْكِيلَ فِي الْعِبَادَةِ أَصْلًا لِظَاهِرِ قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39 : وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى } ، وَلَكِنَّا نَقُولُ : الْمَقْصُودُ فِيمَا هُوَ مَالِيُّ الِابْتِدَاءِ بِإِخْرَاجِ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ عَنْ مِلْكِهِ ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالنَّائِبِ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْوَظِيفَةَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ
عَائِشَةَ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَذُكِرَ بَعْدَهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ ، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ مِثْلُهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ دَقِيقَ الْحِنْطَةِ وَسَوِيقَهَا بِمَنْزِلَةِ الْحِنْطَةِ ; لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ لِلْفَقِيرِ بِهِمَا مَعَ سُقُوطِ مُؤْنَةِ الطَّحْنِ عَنْهُ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ طَعَامَ الْإِبَاحَةِ تَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ ، سَوَاءٌ كَانَ خُبْزُ الْبُرِّ مَعَ الطَّعَامِ أَوْ بِغَيْرِ إدَامٍ ، وَإِنْ أَعْطَى قِيمَةَ الطَّعَامِ يَجُوزُ ، فَكَذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ، وَكَذَلِكَ إنْ غَدَّاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الْعَشَاءِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ ; وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَاحِدٌ ، وَقَدْ أَتَى مِنْ كُلِّ وَظِيفَةٍ بِنِصْفِهِ ، وَإِنْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ ، وَفِيهِمْ صَبِيٌّ فُطِمَ ، أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يُجْزِ ; لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي كَمَالَ الْوَظِيفَةِ كَمَا يَسْتَوْفِيهِ الْبَالِغُ ، وَعَلَيْهِ طَعَامُ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ مَكَانَهُ ، فَإِنْ أَعْطَى عَشَرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ عَلَيْهِمْ مُدًّا مُدًّا ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ اسْتَقْبَلَ الطَّعَامَ ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِإِيصَالِ وَظِيفَةٍ كَامِلَةٍ إلَى كُلِّ مِسْكِينٍ ، وَذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ وَذَكَرَ
هِشَامٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=26712_16549أَوْصَى بِأَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ عَشَرَةُ مَسَاكِينَ فِي كَفَّارَةِ يَمِينِهِ ، فَغَدَّى الْوَصِيُّ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ ، ثُمَّ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يُعَشِّيَهُمْ ، فَعَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ ; لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ فِي طَعَامِ الْإِبَاحَةِ الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ ، فَلَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ إلَّا بِاتِّصَالِ وَظِيفَةٍ كَامِلَةٍ إلَى كُلِّ مِسْكِينٍ ، وَلَا يَكُونُ الْوَصِيُّ ضَامِنًا لِمَا أَطْعَمَ ; لِأَنَّهُ فِيمَا صَنَعَ كَانَ مُمْتَثِلًا لِأَمْرِهِ ، وَكَانَ بَقَاؤُهُمْ إلَى أَنْ يُعَشِّيَهُمْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ ، وَلَوْ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=26712_16549أَوْصَى بِأَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ عَشَرَةُ مَسَاكِينَ غَدَاءً وَعَشَاءً ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَفَّارَةَ فَغَدَّى الْوَصِيُّ عَشَرَةً فَمَاتُوا فَإِنَّهُ يُعَشِّي عَشَرَةً أُخْرَى ، وَيَكْفِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ أَكْلَتَانِ فَقَطْ دُونَ إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ بِهِمَا ، وَقَدْ وُجِدَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا فِي بَابِ الظِّهَارِ أَنَّ الْمِسْكِينَ الْوَاحِدَ فِي الْأَيَّامِ الْمُتَفَرِّقَةِ كَالْمَسَاكِينِ عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ تَفْرِيقِ الدَّفَعَاتِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْيَمِينِ .