وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=16394حلف بأيمان متصلة معطوفة بعضها على بعض ، واستثنى في آخرها كان ذلك استثناء من جميعها ; لأن الكلمات المعطوفة بعضها على بعض ككلام واحد ، فيؤثر الاستثناء في إبطالها كلها اعتبارا للأيمان بالإيقاعات ، وقيل : هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد رحمهما الله تعالى لأن الاستثناء عندهما لإبطال الكلام ، وحاجة اليمين الأولى كحاجة اليمين الثانية ، فأما عند أبي
يوسف رحمه الله تعالى الاستثناء بمنزلة الشرط ، فإنما ينصرف إلى ما يليه خاصة كما لو ذكر شرطا آخر ; لأن اليمين الأولى تامة بما ذكر لها من الشرط والجزاء ، فلا ينصرف الشرط المذكور آخرا إليها ، وقد بينا هذا في الجامع ، وكذلك لو قال : إلا أن يبدو لي أو أرى غير ذلك ، أو إلا أن أرى خيرا من ذلك ، فهذا كله من ألفاظ الاستثناء ، وبه يخرج الكلام من أن يكون عزيمة وإيجابا ، وإن قال : إلا أن لا أستطيع فهذا على ثلاثة أوجه ، فإن كان يعني ما سبق به من القضاء فهو موسع عليه ، ولا يلزمه الكفارة ; لأن المنوي من محتملات لفظه ، فالمذهب عند أهل السنة أن كل شيء بقضاء وقدر ، وأن الاستطاعة مع الفعل ، فإذا لم يفعل علمنا أن الاستطاعة التي قد استثنى بها لم توجد ، ولكن هذا في اليمين بالله فإن موجبه الكفارة ، وذلك بينه وبين ربه ، فإن كانت اليمين بالطلاق أو العتاق فهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى ولكن لا يدين في الحكم ; لأن العادة الظاهرة أن الناس يريدون بهذه الاستطاعة ارتفاع الموانع ، فإن الرجل يقول : أنا مستطيع لكذا ولا أستطيع أن أفعل كذا على معنى أنه يمنعني مانع من ذلك . قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97 : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } .
وفسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستطاعة بالزاد والراحلة ، فإذا كان الظاهر هذا ، والقاضي مأمور باتباع الظاهر لا يدينه في الحكم ، فإن كان يعني شيئا يعرض
[ ص: 159 ] من البلايا لم يسقط عنه يمينه ما لم يعرض ذلك الشيء ، وكذلك إن لم يكن له نية الاستطاعة ، فهو على أمر يعرض له فلا يكون على القضاء والقدر ما لم ينوه ; لما بينا أن الكلام المطلق محمول على ما هو الظاهر والمتعارف
nindex.php?page=treesubj&link=16394، ولو قال : والله لا أكلم فلانا والله لا أكلم فلانا رجلا آخر إن شاء الله تعالى يعني بالاستثناء اليمينين جميعا ، كان الاستثناء عليهما لكونه إحدى اليمينين معطوفة على الأخرى ، وفي بعض النسخ لم يذكر حرف العطف ، ولكن قال : والله لا أكلم فلانا وهذا صحيح أيضا ; لأن موجب هذه اليمين الكفارة ، وذلك أمر بينه وبين ربه ، فإذا لم يسكت بين اليمينين كان المنوي من محتملات لفظه ، أو يجعل الواو في الكلام الثاني للعطف دون القسم ، فكأنه قال : والله والله ، وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=4195لو قال : علي حجة إن كلمت فلانا ، وعلي عمرة إن كلمت فلانا إن شاء الله ، فكلمه لم يحنث ; لأن الكلام الثاني معطوف على الأول ، فأما
nindex.php?page=treesubj&link=4195_16394إذا قال : عبدي حر إن كلمت فلانا ، عبدي الآخر حر إن كلمت فلانا إن شاء الله تعالى ثم كلمه عبده الأول حر في القضاء ، ويدين فيما بينه وبين الله ; لأنه لم يذكر بين الكلامين حرف العطف ، فانعدام الاتصال بينهما حكما ، ووجد الاتصال صورة حين لم يسكت بينهما ، فإن نوى صرف الاستثناء إليهما كان مدينا فيما بينه وبين الله تعالى للاحتمال ولا يدين في الحكم ; لأنه خلاف الظاهر ، فإن الكلام الثاني غير معطوف على الأول فيصير فاصلا بين الاستثناء والكلام الأول .
وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=16394حَلَفَ بِأَيْمَانٍ مُتَّصِلَةٍ مَعْطُوفَةٍ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ ، وَاسْتَثْنَى فِي آخِرِهَا كَانَ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً مِنْ جَمِيعِهَا ; لِأَنَّ الْكَلِمَاتِ الْمَعْطُوفَةَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ كَكَلَامٍ وَاحِدٍ ، فَيُؤَثِّرُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي إبْطَالِهَا كُلِّهَا اعْتِبَارًا لِلْأَيْمَانِ بِالْإِيقَاعَاتِ ، وَقِيلَ : هَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّه تَعَالَى لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عِنْدَهُمَا لِإِبْطَالِ الْكَلَامِ ، وَحَاجَةُ الْيَمِينِ الْأُولَى كَحَاجَةِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي
يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الِاسْتِثْنَاءُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ ، فَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ خَاصَّةً كَمَا لَوْ ذَكَرَ شَرْطًا آخَرَ ; لِأَنَّ الْيَمِينَ الْأُولَى تَامَّةٌ بِمَا ذَكَرَ لَهَا مِنْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ ، فَلَا يَنْصَرِفُ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ آخِرًا إلَيْهَا ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْجَامِعِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ ، أَوْ إلَّا أَنْ أَرَى خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ ، فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ أَلْفَاظِ الِاسْتِثْنَاءِ ، وَبِهِ يَخْرُجُ الْكَلَامُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً وَإِيجَابًا ، وَإِنْ قَالَ : إلَّا أَنْ لَا أَسْتَطِيعَ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ، فَإِنْ كَانَ يَعْنِي مَا سَبَقَ بِهِ مِنْ الْقَضَاءِ فَهُوَ مُوَسَّعٌ عَلَيْهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ ; لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ ، فَالْمَذْهَبُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ ، وَأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ مَعَ الْفِعْلِ ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ الَّتِي قَدْ اسْتَثْنَى بِهَا لَمْ تُوجَدْ ، وَلَكِنَّ هَذَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ فَإِنَّ مُوجِبَهُ الْكَفَّارَةُ ، وَذَلِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فَهُوَ مَدِينٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ لَا يَدِينُ فِي الْحُكْمِ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ الظَّاهِرَةَ أَنَّ النَّاسَ يُرِيدُونَ بِهَذِهِ الِاسْتِطَاعَةِ ارْتِفَاعَ الْمَوَانِعِ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ : أَنَا مُسْتَطِيعٌ لِكَذَا وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَمْنَعُنِي مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97 : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } .
وَفَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِطَاعَةَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ ، فَإِذَا كَانَ الظَّاهِرُ هَذَا ، وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ لَا يُدِينُهُ فِي الْحُكْمِ ، فَإِنْ كَانَ يَعْنِي شَيْئًا يَعْرِضُ
[ ص: 159 ] مِنْ الْبَلَايَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ يَمِينُهُ مَا لَمْ يَعْرِضْ ذَلِكَ الشَّيْءُ ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةُ الِاسْتِطَاعَةِ ، فَهُوَ عَلَى أَمْرٍ يَعْرِضُ لَهُ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ مَا لَمْ يَنْوِهِ ; لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْكَلَامَ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ وَالْمُتَعَارَفُ
nindex.php?page=treesubj&link=16394، وَلَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا رَجُلًا آخَرَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى يَعْنِي بِالِاسْتِثْنَاءِ الْيَمِينَيْنِ جَمِيعًا ، كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَيْهِمَا لِكَوْنِهِ إحْدَى الْيَمِينَيْنِ مَعْطُوفَةً عَلَى الْأُخْرَى ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الْعَطْفِ ، وَلَكِنْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَهَذَا صَحِيحٌ أَيْضًا ; لِأَنَّ مُوجِبَ هَذِهِ الْيَمِينِ الْكَفَّارَةُ ، وَذَلِكَ أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ ، فَإِذَا لَمْ يَسْكُتْ بَيْنَ الْيَمِينَيْنِ كَانَ الْمَنْوِيُّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ ، أَوْ يَجْعَلُ الْوَاوَ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي لِلْعَطْفِ دُونَ الْقَسَمِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ ، وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=4195لَوْ قَالَ : عَلَيَّ حَجَّةٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا ، وَعَلَيَّ عُمْرَةٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَكَلَّمَهُ لَمْ يَحْنَثْ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ ، فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=4195_16394إذَا قَالَ : عَبْدِي حُرٌّ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا ، عَبْدِي الْآخَرُ حُرٌّ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ كَلَّمَهُ عَبْدُهُ الْأَوَّلُ حُرٌّ فِي الْقَضَاءِ ، وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ حَرْفَ الْعَطْفِ ، فَانْعِدَامُ الِاتِّصَالِ بَيْنَهُمَا حُكْمًا ، وَوُجِدَ الِاتِّصَالُ صُورَةً حِينَ لَمْ يَسْكُتْ بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ نَوَى صَرْفَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَيْهِمَا كَانَ مَدِينًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلِاحْتِمَالِ وَلَا يَدِينُ فِي الْحُكْمِ ; لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، فَإِنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ غَيْرُ مَعْطُوفٍ عَلَى الْأَوَّلِ فَيَصِيرُ فَاصِلًا بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْكَلَامِ الْأَوَّلِ .