[ ص: 36 ] بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الحدود
( قال ) الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام
أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله تعالى إملاء
: الحد في اللغة هو المنع ، ومنه سمي البواب حدادا لمنعه الناس من الدخول وسمي اللفظ الجامع المانع حدا ; لأنه يجمع معاني الشيء ويمنع دخول غيره فيه فسميت العقوبات حدودا ; لكونها مانعة من ارتكاب أسبابها . وفي الشرع ، الحد : اسم لعقوبة مقدرة تجب حقا لله تعالى ولهذا لا يسمى به التعزير ; لأنه غير مقدر ولا يسمى به القصاص ; لأنه حق العباد وهذا ; لأن وجوب حق العباد في الأصل بطريق الجبران فأما ما يجب حقا لله تعالى فالمنع من ارتكاب سببه ; لأن الله تعالى عن أن يلحقه نقصان ليحتاج في حقه إلى الجبران
وهي أنواع فهذا الكتاب لبيان نوعين : منها حد الزنا وحد النسبة إلى الزنا ، وسبب كل واحد منهما ما يضاف إليه ; لأن الواجبات تضاف إلى أسبابها والموجب هو الله تعالى ولكن الأسباب لتيسير المعرفة على العباد لا أن تكون الأسباب هي الموجبة ، ثم
nindex.php?page=treesubj&link=10394_10411_10378_10379_27984حد الزنا نوعان : رجم في حق المحصن ، وجلد في غير المحصن .
وقد كان الحكم في الابتداء الحبس في البيوت والتعيير والأذى باللسان كما قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15فأمسكوهن في البيوت } وقال {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16فآذوهما } ثم انتسخ ذلك بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18283خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة } وقد كان هذا قبل نزول سورة النور بدليل قوله خذوا عني ، ولو كان بعد نزولها لقال خذوا عن الله تعالى ثم انتسخ ذلك بقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } واستقر الحكم على الجلد في حق غير المحصن والرجم في حق المحصن فأما الجلد فهو متفق عليه بين العلماء وأما الرجم فهو حد مشروع في حق المحصن ثابت بالسنة ، إلا على قول
الخوارج فإنهم ينكرون الرجم ; لأنهم لا يقبلون الأخبار إذا لم تكن في حد التواتر والدليل على أن الرجم حد في حق المحصن
[ ص: 37 ] {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80454أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا بعد ما سأل عن إحصانه ورجم الغامدية ، وحديث العسيف حيث قال : واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها } دليل على ذلك ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه على المنبر : وإن مما أنزل في القرآن أن الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة وسيأتي قوم ينكرون ذلك ولولا أن الناس يقولون زاد
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في كتاب الله لكتبتها على حاشية المصحف
nindex.php?page=treesubj&link=10410_10379والجمع بين الجلد والرجم في حق المحصن غير مشروع حدا عندنا وعند أصحاب الظواهر هما حد المحصن لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39727والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة } ولحديث
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه فإنه جلد
شراحة الهمدانية ، ثم رجمها ، ثم قال : جلدتها بكتاب الله ورجمتها بالسنة .
( وحجتنا ) حديث
ماعز والغامدية قد رجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجلدهما ، وقال : فإن اعترفت فارجمها وقد بينا أن المقصود الزجر عن ارتكاب السبب وأبلغ ما يكون من الزجر بعقوبة تأتي على النفس بأفحش الوجوه فلا حاجة معها إلى الجلد ، والاشتغال به اشتغال بما لا يفيد وما لا فائدة فيه لا يكون مشروعا حدا ، وقد بينا أن الجمع بينهما قد انتسخ وقيل تأويل قوله جلد مائة ورجم بالحجارة الجلد في حق ثيب هو غير محصن ، والرجم في حق ثيب هو محصن وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه تأويله أنه جلدها ; لأنه لم يعرف إحصانها ثم علم إحصانها فرجمها وهو القياس عندنا على ما بيناه في الجامع
[ ص: 36 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْحُدُودِ
( قَالَ ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إمْلَاءً
: الْحَدُّ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمَنْعُ ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْبَوَّابُ حَدَّادًا لِمَنْعِهِ النَّاسَ مِنْ الدُّخُولِ وَسُمِّيَ اللَّفْظُ الْجَامِعُ الْمَانِعُ حَدًّا ; لِأَنَّهُ يَجْمَعُ مَعَانِيَ الشَّيْءِ وَيَمْنَعُ دُخُولَ غَيْرِهِ فِيهِ فَسُمِّيَتْ الْعُقُوبَاتُ حُدُودًا ; لِكَوْنِهَا مَانِعَةً مِنْ ارْتِكَابِ أَسْبَابِهَا . وَفِي الشَّرْعِ ، الْحَدُّ : اسْمٌ لِعُقُوبَةٍ مُقَدَّرَةٍ تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا لَا يُسَمَّى بِهِ التَّعْزِيرُ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَلَا يُسَمَّى بِهِ الْقِصَاصُ ; لِأَنَّهُ حَقُّ الْعِبَادِ وَهَذَا ; لِأَنَّ وُجُوبَ حَقِّ الْعِبَادِ فِي الْأَصْلِ بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ فَأَمَّا مَا يَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَالْمَنْعُ مِنْ ارْتِكَابِ سَبَبِهِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَنْ أَنْ يَلْحَقَهُ نُقْصَانٌ لِيُحْتَاجَ فِي حَقِّهِ إلَى الْجُبْرَانِ
وَهِيَ أَنْوَاعٌ فَهَذَا الْكِتَابُ لِبَيَانِ نَوْعَيْنِ : مِنْهَا حَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا ، وَسَبَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُضَافُ إلَيْهِ ; لِأَنَّ الْوَاجِبَاتِ تُضَافُ إلَى أَسْبَابِهَا وَالْمُوجِبُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنَّ الْأَسْبَابَ لِتَيْسِيرِ الْمَعْرِفَةِ عَلَى الْعِبَادِ لَا أَنْ تَكُونَ الْأَسْبَابُ هِيَ الْمُوجِبَةُ ، ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10394_10411_10378_10379_27984حَدُّ الزِّنَا نَوْعَانِ : رَجْمٌ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ ، وَجَلْدٌ فِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ .
وَقَدْ كَانَ الْحُكْمُ فِي الِابْتِدَاءِ الْحَبْسُ فِي الْبُيُوتِ وَالتَّعْيِيرُ وَالْأَذَى بِاللِّسَانِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ } وَقَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16فَآذُوهُمَا } ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=63عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=18283خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ } وَقَدْ كَانَ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ سُورَةِ النُّورِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ خُذُوا عَنِّي ، وَلَوْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِهَا لَقَالَ خُذُوا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وَاسْتَقَرَّ الْحُكْمُ عَلَى الْجَلْدِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُحْصَنِ وَالرَّجْمِ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ فَأَمَّا الْجَلْدُ فَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا الرَّجْمُ فَهُوَ حَدٌّ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ ، إلَّا عَلَى قَوْلِ
الْخَوَارِجِ فَإِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ الرَّجْمَ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ الْأَخْبَارَ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي حَدِّ التَّوَاتُرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الرَّجْمَ حَدٌّ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ
[ ص: 37 ] {
nindex.php?page=hadith&LINKID=80454أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مَاعِزًا بَعْدَ مَا سَأَلَ عَنْ إحْصَانِهِ وَرَجَمَ الْغَامِدِيَّةَ ، وَحَدِيثُ الْعَسِيفِ حَيْثُ قَالَ : وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا } دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ : وَإِنَّ مِمَّا أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّ الشَّيْخَ وَالشَّيْخَةَ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ وَسَيَأْتِي قَوْمٌ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَلَوْلَا أَنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ زَادَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتُهَا عَلَى حَاشِيَةِ الْمُصْحَفِ
nindex.php?page=treesubj&link=10410_10379وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ حَدًّا عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ هُمَا حَدُّ الْمُحْصَنِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39727وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ } وَلِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ جَلَدَ
شُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةَ ، ثُمَّ رَجَمَهَا ، ثُمَّ قَالَ : جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتهَا بِالسُّنَّةِ .
( وَحُجَّتنَا ) حَدِيثُ
مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ قَدْ رَجَمَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا ، وَقَالَ : فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ الزَّجْرُ عَنْ ارْتِكَابِ السَّبَبِ وَأَبْلَغُ مَا يَكُونُ مِنْ الزَّجْرِ بِعُقُوبَةٍ تَأْتِي عَلَى النَّفْسِ بِأَفْحَشِ الْوُجُوهِ فَلَا حَاجَةَ مَعَهَا إلَى الْجَلْدِ ، وَالِاشْتِغَالُ بِهِ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ وَمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا حَدًّا ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا قَدْ انْتَسَخَ وَقِيلَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ الْجَلْدُ فِي حَقِّ ثَيِّبٍ هُوَ غَيْرُ مُحْصَنٍ ، وَالرَّجْمُ فِي حَقِّ ثَيِّبٍ هُوَ مُحْصَنٌ وَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ جَلَدَهَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ إحْصَانَهَا ثُمَّ عَلِمَ إحْصَانَهَا فَرَجَمَهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَنَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْجَامِعِ