[ ص: 133 ] بسم الله الرحمن الرحيم كتاب السرقة
( قال ) الشيخ الإمام الأجل الزاهد الأستاذ شمس الأئمة وفخر الإسلام
أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله تعالى : السرقة لغة أخذ مال الغير على وجه الخفية سمي به ; لأنه يسارق عين حافظه ويطلب غرته ليأخذه ، أو يسارق عين أعوانه على الحفظ بأن يسامره ليلا ; لأن الغوث بالليل قل ما يلحقه . وهي نوعان : صغرى وكبرى ، فالكبرى هي قطع الطريق ; لأنه يأخذ المال في مكان لا يلحق صاحبه الغوث ويطلب غفلة من التزم حفظ ذلك المكان وهو السلطان ، والعقوبة تستحق بكل واحد من الفعلين على حسب الجريمة في الغلظ والخفة
فهذا الكتاب لبيان هذين الحدين وكل واحد منهما ثابت منهما بالنص .
أما
nindex.php?page=treesubj&link=10093_10096في السرقة الصغرى الواجب بالنص قطع اليد ، قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله } والواجب بأخذ المال في
nindex.php?page=treesubj&link=9797_9842_10096_10249_10248السرقة الكبرى قطع يد ورجل ، قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } الآية ، وكل واحد من الحدين عقوبة ، فإن الله عز وجل سمى أحدهما نكالا والآخر خزيا بقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33ذلك لهم خزي في الدنيا } وكل واحد منهما جميع موجب الفعل ، فقد سمى كل واحد منهما جزاء ، وفيه إشارة إلى الكمال ، يقال : خزى أي قضى وجزأ بالهمزة أي : كفى ، فعرفنا أنه جميع موجب الفعل ، وإن كان كل واحد منهما مستحقا حقا لله تعالى ; لأن الجزاء على الأفعال المحرمة من العباد يكون حقا لله تعالى ، وفيه إشارة إلى أن الفعل محرم العين ، وأن عصمة المال فيما يرجع إلى موجب الفعل لله تعالى خالصا .
واختلف العلماء بعد هذا في السرقة الصغرى قال فقهاء الأمصار رضي الله عنهم : المستحق قطع اليد اليمنى من الرسغ ، وقال
الخوارج : إلى المنكب ; لأن اليد اسم للجارحة من رءوس الأصابع إلى الآباط ، وقال بعض الناس المستحق قطع الأصابع فقط ; لأن بطشه كان بالأصابع فتقطع أصابعه ليزول تمكنه من البطش بها ، وهو مخالف للنص والمنصوص قطع اليد وقطع اليد قد يكون من الرسغ ، وقد
[ ص: 134 ] يكون من المرفق ، وقد يكون من المنكب ، ولكن هذا الإبهام زال ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه أمر بقطع يد السارق من الرسغ ، ولأن هذا القدر متيقن به ، وفي العقوبات إنما يؤخذ بالمتيقن
[ ص: 133 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ السَّرِقَةِ
( قَالَ ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ الْأُسْتَاذُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : السَّرِقَةُ لُغَةً أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ سُمِّيَ بِهِ ; لِأَنَّهُ يُسَارِقُ عَيْنَ حَافِظِهِ وَيَطْلُبُ غُرَّتَهُ لِيَأْخُذَهُ ، أَوْ يُسَارِقُ عَيْنَ أَعْوَانِهِ عَلَى الْحِفْظِ بِأَنْ يُسَامِرَهُ لَيْلًا ; لِأَنَّ الْغَوْثَ بِاللَّيْلِ قَلَّ مَا يَلْحَقُهُ . وَهِيَ نَوْعَانِ : صُغْرَى وَكُبْرَى ، فَالْكُبْرَى هِيَ قَطْعُ الطَّرِيقِ ; لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْمَالَ فِي مَكَان لَا يَلْحَقُ صَاحِبُهُ الْغَوْثَ وَيَطْلُبُ غَفْلَةَ مَنْ الْتَزَمَ حِفْظَ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَهُوَ السُّلْطَانُ ، وَالْعُقُوبَةُ تُسْتَحَقُّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلَيْنِ عَلَى حَسَبِ الْجَرِيمَةِ فِي الْغِلَظِ وَالْخِفَّةِ
فَهَذَا الْكِتَابُ لِبَيَانِ هَذَيْنِ الْحَدَّيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ مِنْهُمَا بِالنَّصِّ .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=10093_10096فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى الْوَاجِبُ بِالنَّصِّ قَطْعُ الْيَدِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّهِ } وَالْوَاجِبُ بِأَخْذِ الْمَالِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=9797_9842_10096_10249_10248السَّرِقَةِ الْكُبْرَى قَطْعُ يَدٍ وَرِجْلٍ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } الْآيَةَ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَدَّيْنِ عُقُوبَةٌ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَمَّى أَحَدَهُمَا نَكَالًا وَالْآخَرَ خِزْيًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا } وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمِيعُ مُوجِبِ الْفِعْلِ ، فَقَدْ سَمَّى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءً ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْكَمَالِ ، يُقَالُ : خَزَى أَيْ قَضَى وَجَزَأَ بِالْهَمْزَةِ أَيْ : كَفَى ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ جَمِيعُ مُوجِبِ الْفِعْلِ ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَحِقًّا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّ الْجَزَاءَ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ مِنْ الْعِبَادِ يَكُونُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْفِعْلَ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ ، وَأَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مُوجَبِ الْفِعْلِ لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ هَذَا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : الْمُسْتَحَقُّ قَطْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى مِنْ الرُّسْغِ ، وَقَالَ
الْخَوَارِجُ : إلَى الْمَنْكِبِ ; لِأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِلْجَارِحَةِ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْآبَاطِ ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ الْمُسْتَحَقُّ قَطْعُ الْأَصَابِعِ فَقَطْ ; لِأَنَّ بَطْشَهُ كَانَ بِالْأَصَابِعِ فَتُقْطَعُ أَصَابِعُهُ لِيَزُولَ تَمَكُّنُهُ مِنْ الْبَطْشِ بِهَا ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْمَنْصُوصُ قَطْعُ الْيَدِ وَقَطْعُ الْيَدِ قَدْ يَكُونُ مِنْ الرُّسْغِ ، وَقَدْ
[ ص: 134 ] يَكُونُ مِنْ الْمِرْفَقِ ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْمَنْكِبِ ، وَلَكِنَّ هَذَا الْإِبْهَامَ زَالَ بِبَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّهُ أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الرُّسْغِ ، وَلِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مُتَيَقَّنٌ بِهِ ، وَفِي الْعُقُوبَاتِ إنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْمُتَيَقَّنِ