( وأشهد أن محمدا ) علم منقول من اسم مفعول المضعف سمي به نبينا صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يؤلف قبل أو أن ظهوره بإلهام من الله لجده عبد المطلب إشارة إلى كثرة خصاله المحمودة ورجاء أن يحمده أهل السماء والأرض لا سيما إن صح ما نقل عن جده أنه رأى سلسلة بيضاء خرجت منه أضاء لها العالم فأولت بولد يخرج منه يكون كذلك ( عبده ) قدم لأن وصف العبودية أشرف الأوصاف ومن ثم ذكر في أفخم مقاماته { أسرى بعبده } { نزل الفرقان على عبده } { فأوحى إلى عبده } ( ورسوله ) لكافة الثقلين الإنس والجن إجماعا معلوما من الدين بالضرورة فيكفر منكره وكذا الملائكة كما رجحه جمع محققون كالسبكي ومن تبعه وردوا على من خالف ذلك وصريح آية { ليكون للعالمين نذيرا } إذ العالم ما سوى الله وخبر مسلم { وأرسلت إلى الخلق كافة } يؤيد ذلك بل .
قال البارزي أنه أرسل حتى للجمادات بعد جعلها مدركة وفائدة الإرسال للمعصوم وغير المكلف طلب إذعانهما لشرفه ودخولهما تحت دعوته واتباعه تشريفا له على سائر المرسلين والرسول من البشر ذكر حر أكمل معاصريه غير الأنبياء عقلا وفطنة وقوة رأي [ ص: 26 ] وخلقا بالفتح وعقدة موسى أزيلت بدعوته عند الإرسال كما في الآية معصوم ولو من صغيرة سهوا قبل النبوة على الأصح سليم من دناءة أب وخنى أم وإن عليا ومن منفر كعمى وبرص وجذام ولا يرد علينا نحو بلاء أيوب وعمى نحو يعقوب بناء على أنه حقيقي لطروه بعد الأنباء والكلام فيما قارنه والفرق أن هذا منفر بخلافه فيمن استقرت نبوته ومن قلة مروءة كأكل بطريق ومن دناءة صنعة كحجامة أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه وإن لم يكن له كتاب ولا نسخ كيوشع فإن لم يؤمر فنبي فحسب وهو أفضل من النبي إجماعا لتميزه بالرسالة التي هي على الأصح خلافا لابن عبد السلام أفضل من النبوة فيه وزعم تعلقها بالحق يرده أن الرسالة فيها ذلك مع التعلق بالخلق فهو زيادة كمال فيها ، وصح خبر أن { عدد الأنبياء مائة وألف وأربعة وعشرون ألفا } وخبر أن { عدد الرسل ثلثمائة وخمسة عشر } . وأما الحديث المشتمل على عدهما ففي سند له ضعيف وفي آخر مختلط لكنه انجبر بتعدده فصار حسنا لغيره وهو حجة ، ومما يقويه تكرر رواية أحمد له في مسنده وقد قرروا أن ما فيه من الضعيف في مرتبة الحسن وبما ذكر الصريح في تغاير النبي والرسول يتبين غلط من زعم اتحادهما في اشتراط التبليغ واسترواح ابن الهمام مع تحقيقه في نسبته ذلك الغلط للمحققين [ ص: 27 ] وقد صرح قبل بأن الخبر إن صح بعددهما المذكور وجب ظنا اعتقاده على أن الذي في كلام محققي أئمة الأصلين وغيرهما خلاف ذلك الاتحاد ، وأي محققين خلاف هؤلاء ثم رأيت تلميذه الكمال بن أبي شريف أشار للرد عليه ببعض ما ذكرته ووقع في بعض كتب التواريخ والتفسير ما ينافي ما ذكرناه من الشروط ، وهو تقول لا أصل له فوجب اعتقاد خلافه ( المصطفى ) أي المستخلص من الصفوة ( المختار ) من العالمين لدعائهم إلى ربهم فهو أفضلهم بنص { كنتم خير أمة أخرجت للناس } إذ كمال الأمة تابع لكمال نبيها { فبهداهم اقتده } إذ لا يكون ممتثلا له إلا إن حوى جميع كمالاتهم { أنا سيد ولد آدم ولا فخر آدم ومن دونه تحت لوائي } ونهيه عن التفضيل بين الأنبياء وعن تفضيله عليهم محله لقوله تعالى { فضلنا بعضهم على بعض } فيما يؤدي لخصومة أو تنقيص بعضهم أو هو تواضع أو قبل علمه بأنه الأفضل


