( ولا يسن جهر بشيء من ذلك ) أي الاستفتاح والتعوذ والبسملة في الصلاة  ، لحديث  أنس    { كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر   وعمر  رضي الله تعالى عنهما يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين   } متفق عليه ، ومعناه : أن الذي يسمعه  أنس  منهم ( الحمد لله رب العالمين ) كما يدل عليه قوله فيما رواه عنه  قتادة    { فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم   } . 
وفي لفظ { فكلهم يخفي بسم الله الرحمن الرحيم   } وفي لفظ { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسر بسم الله الرحمن الرحيم ، وأبو بكر   وعمر  رضي الله عنهما   } رواه ابن شاهين  ، وعلم مما تقدم : أن البسملة ليست آية من أول الفاتحة ولا غيرها لحديث { قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : الحمد لله رب العالمين ، الحديث   } رواه  مسلم    . 
فلو كانت آية لعدها وبدأ بها ، ولحديث { سورة هي ثلاثون آية شفعت لقارئها ، ألا وهي تبارك الذي بيده الملك   } وهي ثلاثون آية سوى بسم الله الرحمن الرحيم ( ثم ) يقرأ ( الفاتحة ) تامة بتشديد آياتها ، مرتبة مرتلة متوالية . يقف على كل آية ، كقراءته صلى الله عليه وسلم وهي أفضل سورة ، قاله الشيخ تقي الدين    . 
وذكر معناه ابن شهاب  وغيره { قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها أعظم سورة في القرآن ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم ، الذي أوتيته   } رواه  البخاري  من حديث أبي سعد بن المعلى  ، وآية الكرسي أعظم آية ; لحديث  مسلم  ، والفاتحة ركن في كل ركعة ; لحديث  أبي قتادة  مرفوعا { كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأولتين بأم الكتاب وسورتين ، ويطول الأولى ، ويقصر الثانية ، ويسمع الآية أحيانا ، وفي الركعتين الأخيرتين بأم الكتاب . وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي   } متفق عليه ; 
ولحديث أبي سعيد  مرفوعا { لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب   } وعنه وعن  عبادة  قالا { أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة   } رواه إسماعيل بن سعيد الشالنجي    ( وفيها ) أي الفاتحة ( إحدى عشرة تشديدة ) أولها : اللام في الله ، وآخرها : تشديدتا الضالين ، 
ويكره الإفراط في التشديد والمد ( فإن ترك ) غير مأموم ( واحدة ) من تشديداتها لزمه استئناف  [ ص: 189 ] الفاتحة ، لتركه حرفا منها ; لأن الحرف المشدد أقيم مقام حرفين ، هذا إذا فات محلها وبعد عنه ، بحيث يخل بالموالاة ، أما لو كان قريبا منه فأعاد الكلمة أجزأ ذلك ، كمن نطق بالكلمة على غير الصواب ، ثم أتى بها على وجهه . 
وإن لينها ولم يحققها على الكمال ، فلا إعادة ( أو ) ترك ( ترتيبها ) أي الفاتحة عمدا أو سهوا لزمه استئنافها ; لأن ترك الترتيب مخل بالإعجاز ( أو قطعها ) أي الفاتحة ( غير مأموم ) بأن كان إماما أو منفردا ( بسكوت طويل ) عرفا ( أو ) ب ( ذكر كثير أو دعاء ) كثير ، غير مشروع لزمه استئنافها ; لقطعه موالاتها ( أو ) قطعها غير مأموم ب ( قرآن كثير ) عرفا ( لزمه استئنافها ) أي أن يبتدئها من أولها ( إن تعمد ) القطع المبطل ، 
فلو كان سهوا عفي عنه ، قال ابن تميم    : لو سكت كثيرا نسيانا أو نوما أو انتقل إلى غيرها غلطا ، فطال . بنى على ما قرأ منها ( وكان ) القطع ( غير مشروع ) فإن كان مشروعا ، كسكوته لاستماع قراءة إمامه بعد شروعه هو في قراءة الفاتحة ، وكسجود لتلاوة وسؤاله الرحمة عند آية رحمة ، وتعوذ عند آية عذاب ، ولو كثيرا ; لأنه ليس بإعراض ، ولا يبطل ما مضى من قراءة الفاتحة بنية قطعها في أثنائها مطلقا ( فإذا فرغ ) من الفاتحة ( قال ) بعد سكتة لطيفة ، ليعلم أنها ليست من القرآن ، وإنما هي طابع الدعاء ( آمين ) بفتح الهمزة مع المد ، في الأشهر ، 
ويجوز القصر والإمالة . وهي اسم فعل بمعنى استجب ، مبنية على الفتح كليت ، وتسكن عند الوقف ( وحرم وبطلت ) صلاته ( إن شدد ميمها ) ; لأنها تصير كلاما أجنبيا ، فيبطلها عمده وسهوه وجهله ، مع أن بعضهم حكاه لغة فيها ( ويجهر بها ) أي آمين ( إمام ومأموم معا ) استحبابا ; لقول  عطاء    " كنت أسمع الأئمة :  ابن الزبير  ومن بعده يقولون : آمين ، ومن خلفهم آمين ، حتى إن للمسجد للجة " رواه  الشافعي  بسنده . 
واللجة بفتح اللام وتشديد الجيم : اختلاط الأصوات . وعن  أبي هريرة    { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال : آمين   } رواه  الدارقطني  وحسنه ، وصححه  ابن حبان   والحاكم    . وقال إنه على شرط الشيخين ، والتأمين لقراءة الإمام لا للمأموم ، فلذلك تبعه في الجهر ، ولهذا يجهر المنفرد بالتأمين في الصلاة الجهرية ، 
صرح به الزركشي  ، وعلله بأنه في معنى الإمام والمأموم ( ويجهر بها غيرهما ) أي غير الإمام والمأموم وهو المنفرد فيما يجهر فيه من القراءة  [ ص: 190 ] تبعا لها ( فإن تركه ) أي التأمين ( إمام ) في جهرية ( أو أسره ) الإمام فيها ( أتى به مأموم جهرا ) ; لأن جهر المأموم به سنة . فلا يسقط بترك الإمام له ، كتركه التعوذ ; ولأنه ربما نسيه الإمام فيجهر به المأموم ليذكره ، فيأتي به . فإن زاد على آمين : رب العالمين ، 
فقياس قول  أحمد    : لا يستحب لما تقدم في التكبير ذكره  القاضي    ( ويلزم جاهلا ) أي من لا يحسن الفاتحة ( تعلمها ) أي الفاتحة ، ليحفظها كبقية الأركان ; لأن الواجب لا يتم إلا بها ( فإن ضاق الوقت ) عن تعلمهما أو عجز عنه سقط لزومه . 
و ( لزمه قراءة قدرها ) أي الفاتحة ( في الحروف ) عددا ( و ) في ( الآيات ) من أي سورة شاء من القرآن ، لما يأتي في حديث رفاعة بن رافع  من قوله صلى الله عليه وسلم { فإن كان معك قرآن فاقرأه   } ( فإن لم يعرف إلا آية ) من الفاتحة أو غيرها ( كررها ) أي الآية ( بقدرها ) أي الفاتحة ; لأنها بدل عن الفاتحة فتعتبر المماثلة حسب الإمكان . 
وإن أحسن آية فأكثر من الفاتحة بقدرها ، لا يجزئه غيرها . ذكره  القاضي    ; لأنه أقرب إليها من غيرها ، وإن لم يعرف إلا بعض آية لم يكرره ، وعدل إلى الذكر الآتي ( فإن لم يحسن قرآنا ) أي آية منه ( حرم ترجمته ) أي تعبيره عنه بلغة أخرى ; لأن الترجمة عنه تفسير لا قرآن ، فلا يحنث بها من حلف لا يقرأ . 
وأما قوله تعالى : { وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ    } فالإنذار مع الترجمة يحصل بالمفسر الذي هو القرآن لا بالتفسير ( ولزم ) من لا يحسن آية من القرآن ( قول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ) لحديث رفاعة بن رافع    { أن النبي صلى الله عليه وسلم علم رجلا الصلاة ، فقال : إن كان معك قرآن فاقرأه ، وإلا فاحمد الله وكبره وهلله   } رواه أبو داود  والترمذي  وحسنه . 
وظاهره وجوب ذلك والاكتفاء به ، ونقصان البدل عن المبدل في القدر إذا اختلف جنسهما غير ممتنع ، كالتيمم ، ومسح الخف ( فإن ) لم يعرف هذا الذكر كله ، بل ( عرف بعضه كرره ) أي ذلك البعض ( بقدره ) كمن عرف آية فأكثر من الفاتحة ( وإلا ) أي وإن لم يعرف شيئا من الذكر ( وقف بقدر القراءة ) أي قراءة الفاتحة ; لأن القيام مقصود بنفسه ; لأنه لو تركه الأخرس أو الناطق وقرأ قاعدا ، لم تجزئه ، فلم يسقط بالعجز عن القراءة 
ولحديث { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم   } وأما من أدرك الإمام راكعا فسقوط  [ ص: 191 ] القيام عنه رخصة لئلا تفوته الركعة . ولا يلزم العاجز عن القراءة الصلاة خلف قارئ على الصحيح ; لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر به في الخبر السابق ( ومن صلى وتلقف ) أي أخذ بسرعة ( القراءة من لفظ غيره صحت ) صلاته لإتيانه بفرضها مع التوالي ، فإن لم يكن بسرعة ، بل مع تفريق طويل لم يعتد بها . 
وفي الفروع : ويتوجه على الأشهر : يلزم غير حافظ أن يقرأ من مصحف . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					