[ ص: 229 ] فصل وإذا كان يجوز في ظاهر مذهبه في المسجد الموقوف الذي يوقف للانتفاع بعينه وعينه محترمة شرعا : يجوز أن يبدل به غيره للمصلحة - لكون البدل أنفع وأصلح ; وإن لم تتعطل منفعته بالكلية ويعود الأول طلقا ; مع أنه مع تعطل نفعه بالكلية : هل يجوز بيعه ؟ عنه فيه روايتان - فلأن يجوز الإبدال بالأصلح والأنفع فيما يوقف للاستغلال أولى وأحرى ; فإنه عنده يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=25526بيع ما يوقف للاستغلال للحاجة قولا واحدا وفي
nindex.php?page=treesubj&link=25526بيع المسجد للحاجة روايتان . فإذا جوز على ظاهر مذهبه أن يجعل المسجد الأول طلقا ويوقف مسجد بدله للمصلحة وإن لم تتعطل منفعة الأول : فلأن يجوز أن يجعل الموقوف للاستغلال طلقا ويوقف بدله أصلح منه وإن لم تتعطل منفعة الأول أحرى ; فإن بيع الوقف المستغل أولى من بيع المسجد وإبداله أولى من إبدال المسجد لأن المسجد تحترم عينه شرعا ويقصد الانتفاع بعينه : فلا يجوز إجارته ولا المعاوضة عن منفعته ; بخلاف وقف الاستغلال ; فإنه يجوز إجارته والمعاوضة عن نفعه ; وليس المقصود أن يستوفي الموقوف عليه منفعته بنفسه كما يقتصد مثل ذلك في المسجد ولا له حرمة شرعية لحق الله تعالى كما للمسجد .
[ ص: 230 ] وأيضا فالوقف لله فيه شبه من التحرير وشبه من التمليك وهو أشبه بأم الولد عند من يمنع نقل الملك فيها ; فإن الوقف من جهة كونه لا يبيعه أحد يملك ثمنه ولا يهبه ولا يورث عنه : يشبه التحرير والإعتاق . ومن جهة أنه يقبل المعارضة بأن يأخذ عوضه فيشتري به ما يقوم مقامه : يشبه التمليك ; فإنه إذا أتلف ضمن بالبدل واشترى بثمنه ما يقوم مقامه عند عامة العلماء بخلاف المعتق ; فإنه صار حرا لا يقبل المعاوضة . فالبيع الثابت في الطلق لا يثبت في الوقف بحال وهو أن يبيعه المالك أو وليه أو وكيله ويملك عوضه : من غير بدل يقوم مقامه . وهذا هو البيع الذي تقرن به الهبة والإرث كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب في وقفه : لا يباع ولا يوهب ولا يورث . ويشبه هذا أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان بن عفان - رضي الله عنهما - جعلا
nindex.php?page=treesubj&link=8584الأرض المفتوحة عنوة فيئا للمسلمين : كأرض السواد وغيرها ولم يقسما شيئا مما فتح عنوة . و [ لما ] كانوا يمنعون من شرائها ; لئلا يقر المسلم بالصغار - فإن الخراج كالجزية أو يبطل حق المسلمين - ظن بعض العلماء أنهم منعوا بيعها لكونها وقفا والوقف لا يباع وزعموا أن ذلك يوجب أن
مكة لا تباع لكونها فتحت عنوة .
وهذا غلط ; فإن أرض الخراج المفتوحة عنوة المجعولة فيئا توهب وتورث ; فإنها تنتقل عمن هي بيده إلى وارثه ويهبها . وهذا ممتنع في الوقف . وإذا بيعت لمن يقوم فيها مقام البائع ولم يغير شيئا : فهذه المسألة تعلقت الأحكام الشرعية بأعيانها وما سواها تعلقت بجنسه ; لا بعينه فيؤدى خراجها فلم يكن في ذلك ضرر على مستحقها ولا زال حقهم عنها
[ ص: 231 ] والوقف إنما منع بيعه لئلا يبطل حق مستحقيه . وهذه يجوز فيها إبدال شخص بشخص بالاتفاق فسواء كان بطريق المعاوضة أو غيرها . والمقصود هنا : أن الوقف فيه شوب التحرير والتمليك ; ولهذا اختلف الفقهاء في
nindex.php?page=treesubj&link=26569الوقف على المعين : هل يفتقر إلى قبوله كالهبة ; أو لا يفتقر إلى قبوله كالعتق ؟ على قولين مشهورين ; بخلاف الوقف على جهة عامة كالمساجد . والوقف على المعين أقرب إلى التمليك من وقف المساجد ونحوها مما يوقف على جهة عامة ; ووقف المساجد أشبه بالتحرير من غيرها ; فإنها خالصة لله عز وجل كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5537&ayano=72وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1261&ayano=9ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1262&ayano=9إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين } والمساجد بيوت الله كما أن العتيق صار حرا أي خالصا لله .
" والتحرير " التخليص من الرق ومنه الطين الحر وهو الخالص . فالعتق تخليص العبد لله . ولهذا منع الشارع أن يجعل بعض مملوكه حرا وبعضه رقيقا وقال : " ليس لله شريك " فإذا أعتق بعضه عتق جميعه وفي الصحيحين عن
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600773من nindex.php?page=treesubj&link=7580أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد } " وكذلك
[ ص: 232 ] في الصحيحين مثله من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة . فأوجب تكميل عتقه ; وإن كان ملكا لغيره وألزم المعتق بأن يعطي شركاءه حصصهم من الثمن ; لتكميل عتق العبد لئلا يكون لله شريك . ومذهب الأئمة الأربعة وسائر الأمة وجوب تكميل العتق ; لكن الجمهور يقولون : إذا كان موسرا ألزم بالعوض كما في حديث
ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة ; وإن كان معسرا : فمنهم من قال بالسعاية : بأن يستسعى العبد وهو مذهب
أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين : اختارها
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب .
ومنهم من لا يقول بها وهو مذهب
مالك والشافعي وأحمد في الرواية الأخرى واختارها أكثر أصحابه . والمقصود أن المساجد أبلغ الموقوفات تحريرا وشبها بالعتق وليس لأحد أن يعتاض عن منفعتها كما يجوز ذلك في غيرها كما أنه لا يملك أحد أعتق عبدا منافعه . ومع هذا
فأحمد اتبع
الصحابة في جواز
nindex.php?page=treesubj&link=24123إبدال المسجد بمسجد آخر وجعل المسجد الأول سوقا . وجوز
nindex.php?page=treesubj&link=28348_4100_4090_27606إبدال الهدي والأضحية بخير منها مع أنها أيضا لله تعالى يجب ذبحها لله : فلأن يجوز الإبدال في غيرها وهو أقرب إلى التمليك أولى ; فإن حقوق الآدميين تقبل من المعاوضة والبدل ما لا يقبلها حقوق الله تعالى ولا تمنع المعاوضة في حق الآدمي إلا أن يكون في ذلك ظلم لغيره أو يكون في ذلك حق لله أو يكون من حقوق الله ; فإنه لا يجوز إبدال الصلوات والحج بعمل آخر ; ولا القبلة
[ ص: 233 ] بقبلة أخرى ولا شهر رمضان بشهر آخر ولا وقت الحج ومكانه بوقت آخر ومكان آخر ; بل أهل الجاهلية لما ابتدعوا النسيء الذي يتضمن إبدال وقت الحج بوقت آخر قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1281&ayano=9إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله } والمساجد الثلاثة التي بنتها الأنبياء - عليهم السلام - وشرع للناس السفر إليها ووجب السفر إليها بالنذر : لا يجوز إبدال عرصتها بغيرها ; بل يجوز الزيادة فيها وإبدال التأليف والبناء بغيره كما دلت عليه السنة وإجماع الصحابة ; بخلاف غيرها فإنه لا يتعين للنذر ; ولا يسافر إليه : فيجوز إبداله للمصلحة كما تقدم . والله أعلم .
ومما يبين ذلك أن
nindex.php?page=treesubj&link=27795الوقف على معين قد تنازع العلماء فيه هل هو ملك للموقوف عليه ؟ أو هو باق على ملك الواقف ؟ أو هو ملك لله تعالى ؟ على ثلاثة أقوال معروفة في مذهب
الشافعي وأحمد وغيرهما وأكثر أصحاب
أحمد يختارون أنه ملك للموقوف عليه كالقاضي
Multitarajem.php?tid=13371,13372وابن عقيل . وأما المسجد ونحوه فليس ملكا لمعين باتفاق المسلمين ; وإنما يقال : هو ملك لله . وقد يقال : هو ملك لجماعة المسلمين . لأنهم المستحقون للانتفاع به فإذا جاز إبدال هذا بخير منه للمصلحة فالأول أولى ; إما بأن يعوض عنها بالبدل ; وإما أن تباع ويشترى بثمنها البدل . والإبدال كما تقدم يبدل بجنسه بما هو أنفع للموقوف عليه .
[ ص: 229 ] فَصْلٌ وَإِذَا كَانَ يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْمَوْقُوفِ الَّذِي يُوقَفُ لِلِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ وَعَيْنُهُ مُحْتَرَمَةٌ شَرْعًا : يَجُوز أَنْ يُبَدِّلَ بِهِ غَيْرَهُ لِلْمَصْلَحَةِ - لِكَوْنِ الْبَدَلِ أَنْفَع وَأَصْلَحَ ; وَإِنْ لَمْ تَتَعَطَّلْ مَنْفَعَتُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَيَعُودُ الْأَوَّلُ طَلْقًا ; مَعَ أَنَّهُ مَعَ تَعَطُّلِ نَفْعِهِ بِالْكُلِّيَّةِ : هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ ؟ عَنْهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ - فَلَأَنْ يَجُوزُ الْإِبْدَالُ بِالْأَصْلَحِ وَالْأَنْفَعِ فِيمَا يُوقَفُ لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْلَى وَأَحْرَى ; فَإِنَّهُ عِنْدَهُ يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=25526بَيْعُ مَا يُوقَفُ لِلِاسْتِغْلَالِ لِلْحَاجَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي
nindex.php?page=treesubj&link=25526بَيْعِ الْمَسْجِدِ لِلْحَاجَةِ رِوَايَتَانِ . فَإِذَا جُوِّزَ عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ أَنْ يُجْعَلَ الْمَسْجِدُ الْأَوَّلُ طَلْقًا وَيُوقَفُ مَسْجِدٌ بَدَلَهُ لِلْمَصْلَحَةِ وَإِنْ لَمْ تَتَعَطَّلْ مَنْفَعَةُ الْأَوَّلِ : فَلَأَنْ يَجُوزَ أَنْ يَجْعَلَ الْمَوْقُوفُ لِلِاسْتِغْلَالِ طَلْقًا وَيُوقِفَ بَدَلَهُ أَصْلَحُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَتَعَطَّلْ مَنْفَعَةُ الْأَوَّلِ أَحْرَى ; فَإِنَّ بَيْعَ الْوَقْفِ الْمُسْتَغَلِّ أَوْلَى مِنْ بَيْعِ الْمَسْجِدِ وَإِبْدَالُهُ أَوْلَى مِنْ إبْدَالِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ تُحْتَرَمُ عَيْنُهُ شَرْعًا وَيُقْصَدُ الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهِ : فَلَا يَجُوزُ إجَارَتُهُ وَلَا الْمُعَاوَضَةُ عَنْ مَنْفَعَتِهِ ; بِخِلَافِ وَقْفِ الِاسْتِغْلَالِ ; فَإِنَّهُ يَجُوزُ إجَارَتُهُ وَالْمُعَاوَضَةُ عَنْ نَفْعِهِ ; وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَنْفَعَتَهُ بِنَفْسِهِ كَمَا يَقْتَصِدُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا لَهُ حُرْمَةٌ شَرْعِيَّةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا لِلْمَسْجِدِ .
[ ص: 230 ] وَأَيْضًا فَالْوَقْفُ لِلَّهِ فِيهِ شِبْهٌ مِنْ التَّحْرِيرِ وَشِبْهٌ مِنْ التَّمْلِيكِ وَهُوَ أَشْبَه بِأُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَ مَنْ يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ فِيهَا ; فَإِنَّ الْوَقْفَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ لَا يَبِيعُهُ أَحَدٌ يَمْلِكُ ثَمَنَهُ وَلَا يَهَبُهُ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ : يُشْبِهُ التَّحْرِيرَ وَالْإِعْتَاقَ . وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَقْبَلُ الْمُعَارَضَةَ بِأَنْ يَأْخُذَ عِوَضَهُ فَيَشْتَرِي بِهِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ : يُشْبِهُ التَّمْلِيكَ ; فَإِنَّهُ إذَا أَتْلَفَ ضَمِنَ بِالْبَدَلِ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ بِخِلَافِ الْمُعْتَقِ ; فَإِنَّهُ صَارَ حُرًّا لَا يَقْبَلُ الْمُعَاوَضَةَ . فَالْبَيْعُ الثَّابِتُ فِي الطَّلْقِ لَا يَثْبُتُ فِي الْوَقْفِ بِحَالِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَهُ الْمَالِكُ أَوْ وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَيَمْلِكُ عِوَضَهُ : مِنْ غَيْرٍ بَدَلٍ يَقُومُ مَقَامَهُ . وَهَذَا هُوَ الْبَيْعُ الَّذِي تُقْرَنُ بِهِ الْهِبَةُ وَالْإِرْثُ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي وَقْفِهِ : لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ . وَيُشْبِهُ هَذَا أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ nindex.php?page=showalam&ids=7وَعُثْمَانَ بْنَ عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - جَعَلَا
nindex.php?page=treesubj&link=8584الْأَرْضَ الْمَفْتُوحَةَ عَنْوَةً فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ : كَأَرْضِ السَّوَادِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يُقَسِّمَا شَيْئًا مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً . و [ لِمَا ] كَانُوا يَمْنَعُونَ مِنْ شِرَائِهَا ; لِئَلَّا يُقِرَّ الْمُسْلِمُ بِالصِّغَارِ - فَإِنَّ الْخَرَاجَ كَالْجِزْيَةِ أَوْ يَبْطُلُ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ - ظَنَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ مَنَعُوا بَيْعَهَا لِكَوْنِهَا وَقْفًا وَالْوَقْفُ لَا يُبَاعُ وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّ
مَكَّةَ لَا تُبَاعُ لِكَوْنِهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً .
وَهَذَا غَلَطٌ ; فَإِنَّ أَرْضَ الْخَرَاجِ الْمَفْتُوحَةَ عَنْوَةً الْمَجْعُولَةَ فَيْئًا تُوهَبُ وَتُورَثُ ; فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ عَمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ إلَى وَارِثِهِ وَيَهَبُهَا . وَهَذَا مُمْتَنِعٌ فِي الْوَقْفِ . وَإِذَا بِيعَتْ لِمَنْ يَقُومُ فِيهَا مَقَامَ الْبَائِعِ وَلَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا : فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَعَلَّقَتْ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ بِأَعْيَانِهَا وَمَا سِوَاهَا تَعَلَّقَتْ بِجِنْسِهِ ; لَا بِعَيْنِهِ فَيُؤَدَّى خَرَاجُهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى مُسْتَحِقِّهَا وَلَا زَالَ حَقُّهُمْ عَنْهَا
[ ص: 231 ] وَالْوَقْفُ إنَّمَا مُنِعَ بَيْعُهُ لِئَلَّا يُبْطِلَ حَقَّ مُسْتَحِقِّيهِ . وَهَذِهِ يَجُوزُ فِيهَا إبْدَالُ شَخْصٍ بِشَخْصِ بِالِاتِّفَاقِ فَسَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ أَوْ غَيْرِهَا . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ الْوَقْفَ فِيهِ شَوْبُ التَّحْرِيرِ وَالتَّمْلِيكِ ; وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=26569الْوَقْفِ عَلَى الْمُعَيَّنِ : هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى قَبُولِهِ كَالْهِبَةِ ; أَوْ لَا يَفْتَقِرُ إلَى قَبُولِهِ كَالْعِتْقِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ ; بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْمَسَاجِدِ . وَالْوَقْفُ عَلَى الْمُعَيَّنِ أَقْرَبُ إلَى التَّمْلِيكِ مِنْ وَقْفِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُوقَفُ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ ; وَوَقْفُ الْمَسَاجِدِ أَشْبَه بِالتَّحْرِيرِ مِنْ غَيْرِهَا ; فَإِنَّهَا خَالِصَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5537&ayano=72وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1261&ayano=9مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=1262&ayano=9إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } وَالْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللَّهِ كَمَا أَنَّ الْعَتِيقَ صَارَ حُرًّا أَيْ خَالِصًا لِلَّهِ .
" وَالتَّحْرِيرُ " التَّخْلِيصُ مِنْ الرِّقِّ وَمِنْهُ الطِّينُ الْحُرُّ وَهُوَ الْخَالِصُ . فَالْعِتْقُ تَخْلِيصُ الْعَبْدِ لِلَّهِ . وَلِهَذَا مَنَعَ الشَّارِعُ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ مَمْلُوكِهِ حُرًّا وَبَعْضَهُ رَقِيقًا وَقَالَ : " لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ " فَإِذَا أَعْتَقَ بَعْضَهُ عَتَقَ جَمِيعُهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600773مَنْ nindex.php?page=treesubj&link=7580أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ } " وَكَذَلِكَ
[ ص: 232 ] فِي الصَّحِيحَيْنِ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ . فَأَوْجَبَ تَكْمِيلَ عِتْقِهِ ; وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِغَيْرِهِ وَأُلْزِمَ الْمُعْتَقُ بِأَنْ يُعْطِيَ شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ مِنْ الثَّمَنِ ; لِتَكْمِيلِ عِتْقِ الْعَبْدِ لِئَلَّا يَكُونَ لِلَّهِ شَرِيكٌ . وَمَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَسَائِر الْأُمَّةِ وُجُوبُ تَكْمِيلِ الْعِتْقِ ; لَكِنْ الْجُمْهُورُ يَقُولُونَ : إذَا كَانَ مُوسِرًا أُلْزِمَ بِالْعِوَضِ كَمَا فِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبِي هُرَيْرَةَ ; وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا : فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالسِّعَايَةِ : بِأَنْ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ وَهُوَ مَذْهَبُ
أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ : اخْتَارَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=11851أَبُو الْخَطَّابِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقُولُ بِهَا وَهُوَ مَذْهَبُ
مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَاخْتَارَهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ . وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْمَسَاجِدَ أَبْلَغُ الْمَوْقُوفَاتِ تَحْرِيرًا وَشَبَهًا بِالْعِتْقِ وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَعْتَاضَ عَنْ مَنْفَعَتِهَا كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا كَمَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ أَعْتَقَ عَبْدًا مَنَافِعَهُ . وَمَعَ هَذَا
فَأَحْمَدُ اتَّبَعَ
الصَّحَابَةَ فِي جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=24123إبْدَالِ الْمَسْجِدِ بِمَسْجِدِ آخَرَ وَجَعَلَ الْمَسْجِدَ الْأَوَّلَ سُوقًا . وَجَوَّزَ
nindex.php?page=treesubj&link=28348_4100_4090_27606إبْدَالَ الْهَدْيَ وَالْأُضْحِيَّةَ بِخَيْرِ مِنْهَا مَعَ أَنَّهَا أَيْضًا لِلَّهِ تَعَالَى يَجِبُ ذَبْحُهَا لِلَّهِ : فَلَأَنْ يَجُوزُ الْإِبْدَالُ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى التَّمْلِيكِ أَوْلَى ; فَإِنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ تَقْبَلُ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ وَالْبَدَلِ مَا لَا يَقْبَلُهَا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تُمْنَعُ الْمُعَاوَضَةُ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ ظُلْمٌ لِغَيْرِهِ أَوْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ حَقٌّ لِلَّهِ أَوْ يَكُونُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ ; فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْدَالُ الصَّلَوَاتِ وَالْحَجِّ بِعَمَلِ آخَرَ ; وَلَا الْقِبْلَةِ
[ ص: 233 ] بِقِبْلَةِ أُخْرَى وَلَا شَهْرِ رَمَضَانَ بِشَهْرِ آخَرَ وَلَا وَقْتِ الْحَجِّ وَمَكَانِهِ بِوَقْتِ آخَرَ وَمَكَانٍ آخَرَ ; بَلْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَمَّا ابْتَدَعُوا النَّسِيءَ الَّذِي يَتَضَمَّنُ إبْدَالَ وَقْتِ الْحَجِّ بِوَقْتِ آخَرَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1281&ayano=9إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ } وَالْمَسَاجِدُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي بَنَتْهَا الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَشَرَعَ لِلنَّاسِ السَّفَرُ إلَيْهَا وَوَجَبَ السَّفَرُ إلَيْهَا بِالنَّذْرِ : لَا يَجُوزُ إبْدَالُ عَرْصَتِهَا بِغَيْرِهَا ; بَلْ يَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهَا وَإِبْدَالُ التَّأْلِيفِ وَالْبِنَاءِ بِغَيْرِهِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ; بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلنَّذْرِ ; وَلَا يُسَافِرُ إلَيْهِ : فَيَجُوزُ إبْدَالُهُ لِلْمَصْلَحَةِ كَمَا تَقَدَّمَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27795الْوَقْفَ عَلَى مُعَيَّنٍ قَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ هَلْ هُوَ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ؟ أَوْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ ؟ أَوْ هُوَ مَلِكٌ لِلَّهِ تَعَالَى ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ فِي مَذْهَبِ
الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ
أَحْمَد يَخْتَارُونَ أَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ كَالْقَاضِي
Multitarajem.php?tid=13371,13372وَابْنُ عَقِيلٍ . وَأَمَّا الْمَسْجِدُ وَنَحْوُهُ فَلَيْسَ مِلْكًا لِمُعَيَّنِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ; وَإِنَّمَا يُقَالُ : هُوَ مِلْكٌ لِلَّهِ . وَقَدْ يُقَالُ : هُوَ مِلْكٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ . لِأَنَّهُمْ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ فَإِذَا جَازَ إبْدَالُ هَذَا بِخَيْرِ مِنْهُ لِلْمَصْلَحَةِ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; إمَّا بِأَنْ يُعَوِّضَ عَنْهَا بِالْبَدَلِ ; وَإِمَّا أَنْ تُبَاعَ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهَا الْبَدَلُ . وَالْإِبْدَالُ كَمَا تَقَدَّمَ يُبَدِّلُ بِجِنْسِهِ بِمَا هُوَ أَنْفَع لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ .