الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                فصل وأما ميراث الأخوات مع البنات : وأنهن عصبة . كما قال : ( { وله أخت } - الذي هو قول جمهور الصحابة والعلماء - فقد دل عليه القرآن والسنة أيضا فإن قوله تعالى { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } . فدل على أن الأخت ترث النصف مع عدم الولد . وأنه هو يرث المال كله مع عدم ولدها . وذلك يقتضي أن الأخت مع الولد لا يكون لها النصف مما ترك ; إذ لو كان كذلك لكان لها النصف سواء كان له ولد أو لم يكن له فكان ذكر الولد تدليسا وعبثا مضرا وكلام الله منزه عن ذلك . ومن هذا قوله تعالى { ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك } وقوله { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } وإذا علم أنها مع الولد لا ترث النصف فالولد إما ذكر وإما أنثى .

                [ ص: 347 ] أما الذكر فإنه يسقطها كما يسقط الأخ بطريق الأولى ; بدليل قوله : { وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } فلم يثبت له الإرث المطلق إلا إذا لم يكن لها ولد والإرث المطلق هو حوز جميع المال فدل ذلك على أنه إذا كان لها ولد لم يحز المال ; بل : إما أن يسقط وإما أن يأخذ بعضه . فيبقى إذا كان لها ولد : فإما ابن وإما بنت . والقرآن قد بين أن البنت إنما تأخذ النصف فدل على أن البنت لا تمنعه النصف الآخر ; إذا لم يكن إلا بنت وأخ . ولما كان فتيا الله إنما هو في الكلالة ; والكلالة من لا والد له ولا ولد : علم أن من ليس له ولد ووالد ليس هذا حكمه . ولما كان قد بين تعالى أن الأخ يحوز المال - مال الأخت - فيكون لها عصبة ; كان الأب أن يكون له عصبة بطريق الأولى ; وإذا كان الأب والأخ عصبة فالابن بطريق الأولى . وقد قال تعالى : { ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون } ودل أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم { ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر } أن ما بقي بعد الفرائض لا يرثه إلا العصبة وقد علم أن الابن أقرب ثم الأب ; ثم الجد ; ثم الإخوة .

                وقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن أولاد بني الأم يتوارثون ; دون بني العلات . فالأخ للأبوين أولى من الأخ للأب وابن الابن يقوم مقام الابن وكذلك كل بني أب أدنى هم أقرب من بني الأب الذي هو أعلى منه وأقر بهم إلى الأب الأعلى [ ص: 348 ] فهو أقرب إلى الميت . وإذا استويا في الدرجة فمن كان لأبوين أولى ممن كان للأب . فلما دل القرآن على أن للأخت النصف مع عدم الولد . وأنه مع ذكور ولد يكون الابن عاصبا يحجب الأخت ; كما يحجب أخاها . بقي الأخت مع إناث الولد : ليس في القرآن ما ينفي ميراث الأخت في هذه الحال . بقي مع البنت : إما أن تسقط ; وإما أن يكون لها النصف وإما أن تكون عصبة . ولا وجه لسقوطها ; فإنها لا تزاحم البنت . وأخوها لا يسقط . فلا تسقط هي ولو سقطت بمن هو أبعد منها من الأقارب والبعيد لا يسقط القريب ولأنها كانت تساوي البنت مع اجتماعهما والبنت أولى منها فلا تساوى بها ; فإنه لو فرض لها النصف لنقصت البنت عن النصف كزوج وبنت فلو فرض لها النصف لعالت فنقصت البنت عن النصف والإخوة لا يزاحمون الأولاد بفرض ولا تعصيب ; فإن الأولاد أولى منهم .

                والله إنما أعطاها النصف إذا كان الميت كلالة . فلما بطل سقوطها وفرضها لم يبق إلا أن تكون عصبة أولى من البعيد كالعم وابن العم وهذا قول الجمهور . وقد دل عليه حديث البخاري { عن ابن مسعود لما ذكر له أن أبا موسى وسلمان بن ربيعة قالا : في بنت وبنت ابن . وأخت : للبنت النصف [ ص: 349 ] وللأخت النصف وائت ابن مسعود فإنه سيتابعنا . فقال : لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين لأقضين فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف وبنت الابن السدس تكملة الثلثين . وما بقي للأخت } فدل ذلك أن الأخوات مع البنات عصبة والأخت تكون عصبة بغيرها وهو أخوها فلا يمتنع أن تكون عصبة مع البنت . وقوله صلى الله عليه وسلم { ألحقوا الفرائض بأهلها إلخ } فهذا عام خص منه المعتقة والملاعنة والملتقطة ; لقوله صلى الله عليه وسلم { تحوز المرأة ثلاث مواريث : عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه } وإذا كان عاما مخصوصا : خصت منه هذه الصورة بما ذكر من الأدلة .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية