الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5827 202 - حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، أخبرني أبو سلمة، قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله: يسب بنو آدم الدهر، وأنا الدهر بيدي الليل والنهار

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: يسب بنو آدم الدهر; لأن معناه في الحقيقة يرجع إلى لفظ: لا تسبوا الدهر، ويؤيد هذا رواية مسلم المصرحة بذلك، كما ذكرناه. والحديث أخرجه النسائي أيضا في التفسير عن وهب بن بيان. قوله: " يسب بنو آدم الدهر.." إلى آخره. قال الخطابي: كانت الجاهلية تضيف المصائب والنوائب إلى الدهر الذي هو من الليل والنهار، وهم في ذلك فرقتان: فرقة لا تؤمن بالله، ولا تعرف إلا الدهر الليل والنهار اللذان هما محل للحوادث وظرف لمساقط الأقدار، فتنسب المكاره إليه على أنها من فعله، ولا ترى أن لها مدبرا غيره. وهذه الفرقة هي الدهرية الذين حكى الله عنهم في قوله: وما يهلكنا إلا الدهر وفرقة تعرف الخالق وتنزهه من أن تنسب إليه المكاره، فتضيفها إلى الدهر والزمان. وعلى هذين الوجهين كانوا يسبون الدهر ويذمونه؛ فيقول القائل منهم: يا خيبة الدهر، ويا بؤس الدهر، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم لهم مبطلا ذلك: لا يسبن أحد منكم الدهر، فإن الله هو الدهر. يريد، والله أعلم، لا تسبوا الدهر على أنه الفاعل لهذا الصنيع بكم، فالله هو الفاعل له، فإذا سببتم الذي أنزل بكم المكاره رجع السب إلى الله تعالى وانصرف إليه. ومعنى قوله: " أنا الدهر" أنا مالك الدهر ومصرفه؛ فحذف اختصارا للفظ واتساعا في المعنى. وقال غيره: معنى قوله: " أنا الدهر"؛ أي: المدبر، أو صاحب الدهر، أو مقلبه، أو مصرفه؛ ولهذا عقبه بقوله: "بيدي الليل والنهار"، وقال الكرماني: لم عدل عن الظاهر ثم قال: الدلائل العقلية موجبة للعدول، ويروى بنصب الدهر على معنى: أنا باق، أو ثابت في الدهر. وروى أحمد، عن أبي هريرة بلفظ: لا تسبوا الدهر، فإن الله قال: أنا الدهر، الأيام والليالي أوجدها وأبليها، وآتي بملوك بعد ملوك.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية