الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5889 16 - حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لم أر شيئا أشبه باللمم من قول أبي هريرة ( ح)، وحدثني محمود، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة؛ فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: فزنا العين النظر.." إلى آخره، والكلام فيه على أنواع.

                                                                                                                                                                                  الأول: في رجاله: الحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى المنسوب إلى أحد أجداده، وحميد مصغر حمد. وسفيان هو ابن عيينة. وابن طاوس هو عبد الله، وطاوس هو ابن كيسان الهمداني. ومحمود هو ابن غيلان. وعبد الرزاق هو ابن همام. ومعمر، بفتح الميمين، هو ابن راشد.

                                                                                                                                                                                  الثاني: أنه اقتصر أولا على قول أبي هريرة بقول ابن عباس من طريق سفيان موقوفا، ثم عطف عليه رواية معمر عن ابن طاوس فساقه مرفوعا بتمامه.

                                                                                                                                                                                  الثالث في معناه: فقوله: "اللمم" ما يلم به الشخص من شهوات النفس، وقيل: هو المقارب من الذنوب، وقيل: هو صغائر الذنوب. قوله: " كتب"؛ أي: قدر. قوله: " حظه"؛ أي: نصيبه مما قدر عليه. قوله: " لا محالة" بفتح الميم؛ أي: لا حيلة له في التخلص من إدراك ما كتب عليه، ولا بد من ذلك. قوله: " المنطق" بالميم، ويروى: "النطق" بلا ميم. قوله: " تمنى" أصله: تتمنى، فحذفت منه إحدى التاءين كما في قوله تعالى: نارا تلظى أي: تتلظى. قوله: " والفرج يصدق ذلك" المذكور من زنا العين، وزنا اللسان، والتصديق بالفعل، والتكذيب بالترك، وقيل: التصديق والتكذيب من صفات الإخبار فما معناهما هاهنا؟ وأجيب بأنه لما كان التصديق هو الحكم بمطابقة الخبر للواقع، والتكذيب الحكم بعدمها؛ فكأنه هو الموقع، أو الدفع، فهو تشبيه، أو لما كان الإيقاع مستلزما للحكم بها عادة، فهو كناية.

                                                                                                                                                                                  الرابع: فيما يتعلق بالمقصود منه؛ فقوله: "زنا العين"، يعني: فيما زاد على النظرة الأولى التي لا يملكها، فالمراد النظرة على سبيل اللذة والشهوة، وكذلك زنا المنطق فيما يلتذ به من محادثة ما لا يحل له ذلك منه، والنفس تمنى ذلك وتشتهيه، فهذا كله يسمى زنا; لأنه من دواعي الزنا الفرج. وقال المهلب: كل ما كتبه الله عز وجل على ابن آدم فهو سابق في علم الله لا بد أن يدركه المكتوب، وأن الإنسان لا يملك دفع ذلك عن نفسه، غير أن الله تعالى تفضل على عباده، وجعل ذلك لمما وصغائر لا يطالب بها عباده إذا لم يكن للفرج تصديق لها، فإذا صدق الفرج؛ كان ذلك من الكبائر، واحتج أشهب بقوله: "والفرج يصدق ذلك ويكذبه" أنه إذا قال: زنى يدك، أو رجلك لا يحد، وخالفه ابن القاسم وفي التوضيح: وقال الشافعي: إذا قال: زنت يدك يحد، واعترض عليه بعض من عاصرناه من الشافعية، والأصح أن هذا كناية؛ ففي الروضة: إذا قال: زنت يدك، أو عينك، أو رجلك، أو يداك، أو عيناك؛ فكناية على المذهب، وبه قطع الجمهور، يعني: من الشافعية.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية