الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5987 41 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثني سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.

                                                                                                                                                                                  قال سفيان: الحديث ثلاث، زدت أنا واحدة لا أدري أيتهن هي؟

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة. وعلي بن عبد الله بن المديني، وسفيان بن عيينة، وسمي، بضم السين وفتح الميم وتشديد الياء، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي، وأبو صالح ذكوان الزيات.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في القدر عن مسدد، وأخرجه مسلم في الدعوات عن عمرو الناقد وغيره، وأخرجه النسائي في الاستعاذة عن قتيبة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ" كذا هو في رواية الأكثرين، ورواه مسدد عن سفيان بسنده هذا بلفظ الأمر: تعوذوا. قوله: "ودرك الشقاء" بفتح الدال والراء، ويجوز سكون الراء، وهو الإدراك واللحوق، والشقاء، بالفتح والمد؛ الشدة والعسر، وهو ضد السعادة، ويطلق على السبب المؤدي إلى الهلاك، وقال ابن بطال: درك الشقاء ينقسم قسمين في أمر الدنيا والآخرة، وكذا سوء القضاء هو عام أيضا في النفس والمال والأهل والخاتمة والمعاد. قوله: "وسوء القضاء"؛ أي: المقضي، إذ حكم الله من حيث هو حكمه كله حسن لا سوء فيه، قالوا في تعريف القضاء والقدر: القضاء هو الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل، والقدر هو الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل في الإنزال. قال الله تعالى: وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننـزله إلا بقدر معلوم . قوله: "وشماتة الأعداء" هي الحزن بفرح عدوه والفرح بحزنه، وهو مما ينكأ في القلب ويؤثر في النفس تأثيرا شديدا، وإنما دعا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك؛ تعليما لأمته، وهذه كلمة جامعة; لأن المكروه إما أن يلاحظ من جهة المبدأ، وهو سوء القضاء، أو من جهة المعاد، وهو درك الشقاء؛ إذ شقاوة الآخرة هي الشقاء الحقيقي، أو من جهة المعاش؛ وذلك إما من جهة غيره، وهو شماتة الأعداء، أو من جهة نفسه، وهو جهد البلاء.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قال سفيان" هو ابن عيينة راوي الحديث المذكور، وهو موصول بالسند المذكور. قوله: "الحديث ثلاث"؛ أي: الحديث المرفوع المروي ثلاثة أشياء، وقال: زدت أنا واحدة فصارت أربعا، ولا أدري أيتهن هي؟ أي: الرابعة الزائدة. وقال الكرماني: كيف جاز له أن يخلط كلامه بكلام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بحيث لا يفرق بينهما، ثم أجاب بأنه ما خلط; بل اشتبهت عليه تلك الثلاث بعينها، وعرف أنها كانت ثلاثة من هذه الأربعة، فذكر الأربعة؛ تحقيقا لرواية تلك الثلاثة قطعا؛ إذ لا تخرج منها.

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم: وفيه تعقب على الكرماني حيث اعتذر عن سفيان في السؤال المذكور فقال: ويجاب عنه بأنه كان يميزها إذا حدث، كذا قال، وفيه نظر. قلت: لم يقل الكرماني أصلا ما قاله نقلا عنه، وإنما الذي قاله هو الذي ذكرناه، وهو اعتذار حسن مع أنه قال عقيب كلامه المذكور، وروى البخاري في كتاب القدر الحديث المذكور، وذكر فيه الأربعة مسندا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا تردد، ولا شك، ولا قول بزيادة، وفي بعض الروايات قال سفيان: أشك أني زدت واحدة منها.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية