[ العمل بالسياسة ] وجرت في ذلك مناظرة بين
nindex.php?page=showalam&ids=13372أبي الوفاء ابن عقيل وبين بعض الفقهاء ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل : العمل بالسياسة هو الحزم ، ولا يخلو منه إمام ، وقال الآخر : لا سياسة إلا ما وافق الشرع ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل : السياسة ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد ، وإن لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نزل به وحي ; فإن أردت بقولك " لا سياسة إلا ما وافق الشرع " أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح ، وإن أردت ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة ; فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والمثل ما لا يجحده عالم بالسير ، ولو لم يكن إلا تحريق المصاحف كان رأيا اعتمدوا فيه على مصلحة ، وكذلك تحريق
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه
الزنادقة في الأخاديد ، ونفي
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر نصر بن حجاج .
قلت : هذا موضع مزلة أقدام ، ومضلة أفهام ، وهو مقام ضنك في معترك صعب ، فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود ، وضيعوا الحقوق ، وجرؤا أهل الفجور على الفساد ، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد ، وسدوا على أنفسهم طرقا صحيحة من الطرق التي يعرف بها المحق من المبطل ، وعطلوها مع علمهم وعلم الناس بها أنها أدلة حق ، ظنا منهم منافاتها لقواعد الشرع ، والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة حقيقة الشريعة والتطبيق بين الواقع وبينها ، فلما رأى ولاة الأمر ذلك وأن الناس لا يستقيم أمرهم إلا بشيء زائد على ما فهمه هؤلاء من الشريعة فأحدثوا لهم قوانين سياسية ينتظم بها مصالح العالم ; فتولد من تقصير أولئك في الشريعة وإحداث هؤلاء ما أحدثوه من أوضاع سياستهم شر
[ ص: 284 ] طويل ، وفساد عريض ، وتفاقم الأمر ، وتعذر استدراكه ، وأفرط في طائفة أخرى فسوغت منه ما يناقض حكم الله ورسوله ، وكلا الطائفتين أتيت من قبل تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله ; فإن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط ، وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض ، فإذا ظهرت أمارات الحق ، وقامت أدلة العقل ، وأسفر صبحه بأي طريق كان ; فثم شرع الله ودينه ورضاه وأمره ، والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه وأدل وأظهر ، بل بين بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة الحق والعدل وقيام الناس بالقسط ، فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها .
والطرق أسباب ووسائل لا تراد لذواتها ، وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد ، ولكن نبه بما شرعه من الطرق على أسبابها وأمثالها ، ولن تجد طريقا من الطرق المثبتة للحق إلا وهي شرعة وسبيل للدلالة عليها ، وهل يظن بالشريعة الكاملة خلاف ذلك ؟ ولا نقول : إن السياسة العادلة مخالفة للشريعة الكاملة ، بل هي جزء من أجزائها وباب من أبوابها ، وتسميتها سياسة أمر اصطلاحي ، وإلا فإذا كانت عدلا فهي من الشرع ، فقد حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم في تهمة ، وعاقب في تهمة لما ظهرت أمارات الريبة على المتهم ; فمن أطلق كلا منهم وخلى سبيله أو حلفه مع علمه باشتهاره بالفساد في الأرض ونقب الدور وتواتر السرقات - ولا سيما مع وجود المسروق معه - وقال : لا آخذه إلا بشاهدي عدل أو إقرار اختيار وطوع فقوله مخالف للسياسة الشرعية ، وكذلك منع النبي صلى الله عليه وسلم الغال من الغنيمة سهمه ، وتحريق الخلفاء الراشدين متاعه ، ومنع المسيء على أمين سلب قتيله ، وأخذ شطر مال مانع الزكاة ، وإضعافه الغرم على سارق مالا قطع فيه ، وعقوبته بالجلد ، وإضعافه الغرم على كاتم الضالة ، وتحريق
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب حانوت الخمار ، وتحريقه قرية يباع فيها الخمر ، وتحريقه قصر
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص لما احتجب فيه عن رعيته ، وحلقه رأس
نصر بن حجاج ونفيه ، وضربه صبيغا بالدرة لما تتبع المتشابه فسأل عنه ، إلى غير ذلك من السياسة التي ساس بها الأمة فسارت سنة إلى يوم القيامة ، وإن خالفها من خالفها .
ولقد حد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الزنا بمجرد الحبل ، وفي الخمر بالرائحة والقيء ، وهذا هو الصواب ، فإن دليل القيء والرائحة والحبل على الشرب والزنا أولى من البينة قطعا ; فكيف يظن بالشريعة إلغاء أقوى الدليلين ، ومن ذلك تحريق
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق اللوطي ، وإلقاء أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه له من شاهق على رأسه ، ومن ذلك تحريق
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان المصاحف المخالفة للمصحف الذي جمع الناس عليه ، وهو الذي بلسان قريش ، ومن ذلك تحريق
[ ص: 285 ] nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق الفجاءة السلمي ، ومن ذلك اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه للناس إفراد الحج وأن يعتمروا في غير أشهر الحج ، فلا يزال
البيت الحرام معمورا بالحجاج والمعتمرين ، ومن ذلك منع
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه الناس من بيع أمهات الأولاد ، وقد باعوهن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه ، ومن ذلك إلزامه بالطلاق الثلاث لمن أوقعه بفم واحد عقوبة له كما صرح هو بذلك ، وإلا فقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=1وأبي بكر وصدرا من إمارته هو يجعل واحدة ، إلى أضعاف ذلك من السياسات العادلة التي ساسوا بها الأمة ، وهي مشتقة من أصول الشريعة وقواعدها .
وتقسيم بعضهم طرق الحكم إلى شريعة وسياسة كتقسيم غيرهم الدين إلى شريعة وحقيقة ، وكتقسيم آخرين الدين إلى عقل ونقل ، وكل ذلك تقسيم باطل ، بل السياسة والحقيقة والطريقة والعقل كل ذلك ينقسم إلى قسمين : صحيح ، وفاسد ; فالصحيح قسم من أقسام الشريعة لا قسيم لها ، والباطل ضدها ومنافيها ، وهذا الأصل من أهم الأصول وأنفعها ، وهو مبني على حرف واحد ، وهو عموم رسالته صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى كل ما يحتاج إليه العباد في معارفهم وعلومهم وأعمالهم ، وأنه لم يحوج أمته إلى أحد بعده ، وإنما حاجتهم إلى من يبلغهم عنه ما جاء به ، فلرسالته عمومان محفوظان لا يتطرق إليهما تخصيص : عموم بالنسبة إلى المرسل إليهم ، وعموم بالنسبة إلى كل ما يحتاج إليه من بعث إليه في أصول الدين وفروعه ; فرسالته كافية شافية عامة ، لا تحوج إلى سواها ، ولا يتم الإيمان به إلا بإثبات عموم رسالته في هذا وهذا ، فلا يخرج أحد من المكلفين عن رسالته ، ولا يخرج نوع من أنواع الحق الذي تحتاج إليه الأمة في علومها وأعمالها عما جاء به .
[ بين الرسول جميع أحكام الحياة والموت ] وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر للأمة منه علما ، وعلمهم كل شيء حتى آداب التخلي وآداب الجماع والنوم والقيام والقعود ، والأكل والشرب ، والركوب والنزول ، والسفر والإقامة ، والصمت والكلام ، والعزلة والخلطة ، والغنى والفقر ، والصحة والمرض ، وجميع أحكام الحياة والموت ، ووصف لهم العرش والكرسي والملائكة والجن والنار والجنة ويوم القيامة وما فيه حتى كأنه رأي عين ، وعرفهم معبودهم وإلههم أتم تعريف حتى كأنهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله ونعوت جلاله ، وعرفهم الأنبياء وأممهم وما جرى لهم ، وما جرى عليهم معهم حتى كأنهم كانوا بينهم ، وعرفهم من طرق الخير والشر دقيقها وجليلها ما لم يعرفه نبي لأمته قبله ، وعرفهم صلى الله عليه وسلم من
[ ص: 286 ] أحوال الموت وما يكون بعده في البرزخ وما يحصل فيه من النعيم والعذاب للروح والبدن ما لم يعرف به نبي غيره ، وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من أدلة التوحيد والنبوة والمعاد والرد على جميع فرق أهل الكفر والضلال ما ليس لمن عرفه حاجة من بعده ، اللهم إلا إلى من يبلغه إياه ويبينه ويوضح منه ما خفي عليه ، وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من مكايد الحروب ولقاء العدو وطرق النصر والظفر ما لو علموه وعقلوه ورعوه حق رعايته لم يقم لهم عدو أبدا ، وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من مكايد إبليس وطرقه التي يأتيهم منها وما يتحرزون به من كيده ومكره وما يدفعون به شره ما لا مزيد عليه ، وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من أحوال نفوسهم وأوصافها ودسائسها وكمائنها ما لا حاجة لهم معه إلى سواه ، وكذلك عرفهم صلى الله عليه وسلم من أمور معايشهم ما لو علموه وعملوه لاستقامت لهم دنياهم أعظم استقامة .
وبالجملة فجاءهم بخير الدنيا والآخرة برمته ، ولم يحوجهم الله إلى أحد سواه ، فكيف يظن أن شريعته الكاملة التي ما طرق العالم شريعة أكمل منها ناقصة تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها ، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج عنها ؟ ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده ، وسبب هذا كله خفاء ما جاء به على من ظن ذلك وقلة نصيبه من الفهم الذي وفق الله له أصحاب نبيه الذين اكتفوا بما جاء به ، واستغنوا به عما ما سواه ، وفتحوا به القلوب والبلاد ، وقالوا : هذا عهد نبينا إلينا ، وهو عهدنا إليكم ، وقد كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه يمنع من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن يشتغل الناس به عن القرآن ، فكيف لو رأى اشتغال الناس بآرائهم وزبد أفكارهم وزبالة أذهانهم عن القرآن والحديث ؟ فالله المستعان .
وقد قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=57يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين } وكيف يشفي ما في الصدور كتاب لا يفي هو وما تبينه السنة بعشر معشار الشريعة ؟ أم كيف يشفي ما في الصدور كتاب لا يستفاد منه اليقين في مسألة واحدة من مسائل معرفة الله وأسمائه وصفاته وأفعاله ؟ أو عامتها ظواهر لفظية دلالتها موقوفة على انتفاء عشرة أمور لا يعلم انتفاؤها ، سبحانك هذا بهتان عظيم ، ويا لله العجب ، كيف كان الصحابة والتابعون قبل وضع هذه القوانين التي أتى الله بنيانها من القواعد ، وقبل استخراج هذه الآراء والمقاييس والأوضاع ؟ أهل كانوا مهتدين
[ ص: 287 ] مكتفين بالنصوص أم كانوا على خلاف ذلك ؟ حتى جاء المتأخرون فكانوا أعلم منهم وأهدى وأضبط للشريعة منهم وأعلم بالله وأسمائه وصفاته وما يجب له و [ ما ] يمتنع عليه منهم ؟ فوالله لأن يلقى الله [ عبده ] بكل ذنب ما خلا الإشراك خير من أن يلقاه بهذا الظن الفاسد والاعتقاد الباطل .
فصل :
[ كلام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في السياسة الشرعية ]
وهذه نبذة يسيرة من كلام الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رحمه الله في السياسة الشرعية : قال في رواية
المروزي وابن منصور : والمخنث ينفى ; لأنه لا يقع منه إلا الفساد والتعرض له ، وللإمام نفيه إلى بلد يأمن فساد أهله ، وإن خاف به عليهم حبسه .
وقال في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=15772حنبل ، فيمن شرب خمرا في نهار رمضان ، أو أتى شيئا نحو هذا : أقيم الحد عليه ، وغلظ عليه مثل الذي يقتل في
الحرم دية وثلث .
وقال في رواية
حرب : إذا أتت المرأة المرأة تعاقبان وتؤدبان .
وقال أصحابنا : إذا رأى الإمام تحريق اللوطي بالنار فله ذلك ; لأن
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد كتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر رضي الله عنه أنه وجد في بعض نواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة ، فاستشار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله وجهه ، وكان أشدهم قولا ، فقال : إن هذا الذنب لم تعص الله به أمة من الأمم إلا واحدة ، فصنع الله بهم ما قد علمتم ، أرى أن يحرقوه بالنار ، فأجمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يحرقوه بالنار ، فكتب
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد رضي الله عنهما بأن يحرقوا ، فحرقهم ، ثم حرقهم
nindex.php?page=showalam&ids=14ابن الزبير ، ثم حرقهم
nindex.php?page=showalam&ids=17243هشام بن عبد الملك .
ونص الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رضي الله عنه فيمن طعن على الصحابة أنه قد وجب على السلطان عقوبته ، وليس للسلطان أن يعفو عنه ، بل يعاقبه ويستتيبه ، فإن تاب ، وإلا أعاد العقوبة .
وصرح أصحابنا في أن النساء إذا خيف عليهن المساحقة حرم خلوة بعضهن ببعض .
وصرحوا بأن من أسلم وتحته أختان فإنه يجبر على اختيار إحداهما ، فإن أبى ضرب حتى يختار .
قالوا : وهكذا كل من وجب عليه حق فامتنع من أدائه ، فإنه يضرب حتى يؤديه .
[ ص: 288 ] وأما كلام
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وأصحابه في ذلك فمشهور .
وأبعد الناس من الأخذ بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى مع أنه اعتبر قرائن الأحوال في أكثر من مائة موضع ، وقد ذكرنا منها كثيرا في غير هذا الكتاب .
منها جواز
nindex.php?page=treesubj&link=11343وطء الرجل المرأة ليلة الزفاف ، وإن لم يرها ولم يشهد عدلان أنها امرأته ، بناء على القرائن .
ومنها قبول الهدية التي يوصلها إليه صبي أو عبد أو كافر ، وجواز أكلها والتصرف فيها ، وإن لم يشهد عدلان أن فلانا أهدى لك كذا ، بناء على القرائن ، ولا يشترط تلفظه ولا تلفظ الرسول بلفظ الهبة والهدية .
ومنها جواز تصرفه في بابه بقرع حلقته ودقه عليه ، وإن لم يستأذنه في ذلك .
ومنها استدعاء المستأجر للدار والبستان لمن شاء من أصحابه وضيوفه وإنزالهم عنده مدة ، وإن لم يستأذنه نطقا ، وإن تضمن ذلك تصرفهم في منفعة الدار وإشغالهم الكنيف وإضعافهم السلم ونحوه .
ومنها جواز الإقدام على الطعام إذا وضعه بين يديه وإن لم يصرح له بالإذن لفظا .
ومنها جواز شربه من الإناء وإن لم يقدمه إليه ولا يستأذنه .
ومنها جواز قضاء حاجته في كنيفه وإن لم يستأذنه .
ومنها جواز الاستناد إلى وسادته .
ومنها أخذ ما ينبذه رغبة عنه من الطعام وغيره ، وإن لم يصرح بتمليكه له .
ومنها انتفاعه بفراش زوجته ولحافها ووسادتها وآنيتها ، وإن لم يستأذنها نطقا ، إلى أضعاف أضعاف ذلك .
وهل السياسة الشرعية إلا من هذا الباب .
وهي الاعتماد على القرائن التي تفيد القطع تارة والظن الذي هو أقوى من ظن الشهود بكثير تارة ؟ وهذا باب واسع ، وقد تقدم التنبيه عليه مرارا ، ولا يستغني عنه المفتي والحاكم .
[ الْعَمَلُ بِالسِّيَاسَةِ ] وَجَرَتْ فِي ذَلِكَ مُنَاظَرَةٌ بَيْنَ
nindex.php?page=showalam&ids=13372أَبِي الْوَفَاءِ ابْنِ عَقِيلٍ وَبَيْنَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابْنُ عَقِيلٍ : الْعَمَلُ بِالسِّيَاسَةِ هُوَ الْحَزْمُ ، وَلَا يَخْلُو مِنْهُ إمَامٌ ، وَقَالَ الْآخَرُ : لَا سِيَاسَةَ إلَّا مَا وَافَقَ الشَّرْعَ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابْنُ عَقِيلٍ : السِّيَاسَةُ مَا كَانَ مِنْ الْأَفْعَالِ بِحَيْثُ يَكُونُ النَّاسُ مَعَهُ أَقْرَبَ إلَى الصَّلَاحِ وَأَبْعَدَ عَنْ الْفَسَادِ ، وَإِنْ لَمْ يُشَرِّعْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَزَلَ بِهِ وَحْيٌ ; فَإِنْ أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ " لَا سِيَاسَةَ إلَّا مَا وَافَقَ الشَّرْعَ " أَيْ لَمْ يُخَالِفْ مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ فَصَحِيحٌ ، وَإِنْ أَرَدْتَ مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ فَغَلَطٌ وَتَغْلِيطٌ لِلصَّحَابَةِ ; فَقَدْ جَرَى مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ الْقَتْلِ وَالْمَثْلِ مَا لَا يَجْحَدُهُ عَالِمٌ بِالسِّيَرِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا تَحْرِيقُ الْمَصَاحِفِ كَانَ رَأْيًا اعْتَمَدُوا فِيهِ عَلَى مَصْلَحَةٍ ، وَكَذَلِكَ تَحْرِيقُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ
الزَّنَادِقَةَ فِي الْأَخَادِيدِ ، وَنَفْيُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ .
قُلْتُ : هَذَا مَوْضِعُ مَزَلَّةِ أَقْدَامٍ ، وَمَضَلَّةِ أَفْهَامٍ ، وَهُوَ مَقَامٌ ضَنْكٌ فِي مُعْتَرَكٍ صَعْبٍ ، فَرَّطَ فِيهِ طَائِفَةٌ فَعَطَّلُوا الْحُدُودَ ، وَضَيَّعُوا الْحُقُوقَ ، وَجَرَّؤُا أَهْلَ الْفُجُورِ عَلَى الْفَسَادِ ، وَجَعَلُوا الشَّرِيعَةَ قَاصِرَةً لَا تَقُومُ بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ ، وَسَدُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ طُرُقًا صَحِيحَةً مِنْ الطُّرُقِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا الْمُحِقُّ مِنْ الْمُبْطِلِ ، وَعَطَّلُوهَا مَعَ عِلْمِهِمْ وَعِلْمِ النَّاسِ بِهَا أَنَّهَا أَدِلَّةُ حَقٍّ ، ظَنًّا مِنْهُمْ مُنَافَاتِهَا لِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ ، وَاَلَّذِي أَوْجَبَ لَهُمْ ذَلِكَ نَوْعُ تَقْصِيرٍ فِي مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الشَّرِيعَةِ وَالتَّطْبِيقِ بَيْنَ الْوَاقِعِ وَبَيْنَهَا ، فَلَمَّا رَأَى وُلَاةُ الْأَمْرِ ذَلِكَ وَأَنَّ النَّاسَ لَا يَسْتَقِيمُ أَمْرُهُمْ إلَّا بِشَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى مَا فَهِمَهُ هَؤُلَاءِ مِنْ الشَّرِيعَةِ فَأَحْدَثُوا لَهُمْ قَوَانِينَ سِيَاسِيَّةً يَنْتَظِمُ بِهَا مَصَالِحُ الْعَالَمِ ; فَتَوَلَّدَ مِنْ تَقْصِيرِ أُولَئِكَ فِي الشَّرِيعَةِ وَإِحْدَاثِ هَؤُلَاءِ مَا أَحْدَثُوهُ مِنْ أَوْضَاعِ سِيَاسَتِهِمْ شَرٌّ
[ ص: 284 ] طَوِيلٌ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ، وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ ، وَتَعَذَّرَ اسْتِدْرَاكُهُ ، وَأَفْرَطَ فِي طَائِفَةٍ أُخْرَى فَسَوَّغَتْ مِنْهُ مَا يُنَاقِضُ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ أُتِيَتْ مِنْ قِبَلِ تَقْصِيرِهَا فِي مَعْرِفَةِ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ ; فَإِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ، وَهُوَ الْعَدْلُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ، فَإِذَا ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ الْحَقِّ ، وَقَامَتْ أَدِلَّةُ الْعَقْلِ ، وَأَسْفَرَ صُبْحُهُ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ ; فَثَمَّ شَرْعُ اللَّهِ وَدِينُهُ وَرِضَاهُ وَأَمْرُهُ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَحْصُرْ طُرُقَ الْعَدْلِ وَأَدِلَّتَهُ وَأَمَارَاتِهِ فِي نَوْعٍ وَاحِدٍ وَأَبْطَلَ غَيْرَهُ مِنْ الطُّرُقِ الَّتِي هِيَ أَقْوَى مِنْهُ وَأَدَلُّ وَأَظْهَرُ ، بَلْ بَيَّنَ بِمَا شَرَعَهُ مِنْ الطُّرُقِ أَنَّ مَقْصُودَهُ إقَامَةُ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَقِيَامُ النَّاسِ بِالْقِسْطِ ، فَأَيُّ طَرِيقٍ اُسْتُخْرِجَ بِهَا الْحَقُّ وَمَعْرِفَةُ الْعَدْلِ وَجَبَ الْحُكْمُ بِمُوجَبِهَا وَمُقْتَضَاهَا .
وَالطُّرُقُ أَسْبَابٌ وَوَسَائِلُ لَا تُرَادُ لِذَوَاتِهَا ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ غَايَاتُهَا الَّتِي هِيَ الْمَقَاصِدُ ، وَلَكِنْ نَبَّهَ بِمَا شَرَعَهُ مِنْ الطُّرُقِ عَلَى أَسْبَابِهَا وَأَمْثَالِهَا ، وَلَنْ تَجِدَ طَرِيقًا مِنْ الطُّرُقِ الْمُثْبِتَةِ لِلْحَقِّ إلَّا وَهِيَ شِرْعَةٌ وَسَبِيلٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهَا ، وَهَلْ يُظَنُّ بِالشَّرِيعَةِ الْكَامِلَةِ خِلَافُ ذَلِكَ ؟ وَلَا نَقُولُ : إنَّ السِّيَاسَةَ الْعَادِلَةَ مُخَالِفَةٌ لِلشَّرِيعَةِ الْكَامِلَةِ ، بَلْ هِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا وَبَابٌ مِنْ أَبْوَابِهَا ، وَتَسْمِيَتُهَا سِيَاسَةً أَمْرٌ اصْطِلَاحِيٌّ ، وَإِلَّا فَإِذَا كَانَتْ عَدْلًا فَهِيَ مِنْ الشَّرْعِ ، فَقَدْ حَبَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تُهْمَةٍ ، وَعَاقَبَ فِي تُهْمَةٍ لَمَّا ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ الرِّيبَةِ عَلَى الْمُتَّهَمِ ; فَمَنْ أَطْلَقَ كُلًّا مِنْهُمْ وَخَلَّى سَبِيلَهُ أَوْ حَلَّفَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِاشْتِهَارِهِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَنَقْبِ الدُّورِ وَتَوَاتُرِ السَّرِقَاتِ - وَلَا سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ الْمَسْرُوقِ مَعَهُ - وَقَالَ : لَا آخُذُهُ إلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ أَوْ إقْرَارِ اخْتِيَارٍ وَطَوْعٍ فَقَوْلُهُ مُخَالِفٌ لِلسِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَكَذَلِكَ مَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَالَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ سَهْمَهُ ، وَتَحْرِيقُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مَتَاعَهُ ، وَمَنْعُ الْمُسِيءِ عَلَى أَمِينٍ سَلَبَ قَتِيلَهُ ، وَأَخْذُ شَطْرِ مَالِ مَانِعِ الزَّكَاةِ ، وَإِضْعَافُهُ الْغُرْمَ عَلَى سَارِقٍ مَالًا قَطْعٌ فِيهِ ، وَعُقُوبَتُهُ بِالْجَلْدِ ، وَإِضْعَافُهُ الْغُرْمَ عَلَى كَاتِمِ الضَّالَّةِ ، وَتَحْرِيقُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَانُوتَ الْخَمَّارِ ، وَتَحْرِيقُهُ قَرْيَةً يُبَاعُ فِيهَا الْخَمْرُ ، وَتَحْرِيقُهُ قَصْرَ
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ لَمَّا احْتَجَبَ فِيهِ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَحَلْقُهُ رَأْسَ
نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ وَنَفْيُهُ ، وَضَرْبُهُ صَبِيغًا بِالدُّرَّةِ لَمَّا تَتَبَّعَ الْمُتَشَابِهَ فَسَأَلَ عَنْهُ ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ السِّيَاسَةِ الَّتِي سَاسَ بِهَا الْأُمَّةَ فَسَارَتْ سُنَّةً إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَإِنْ خَالَفَهَا مَنْ خَالَفَهَا .
وَلَقَدْ حَدَّ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الزِّنَا بِمُجَرَّدِ الْحَبَلِ ، وَفِي الْخَمْرِ بِالرَّائِحَةِ وَالْقَيْءِ ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، فَإِنَّ دَلِيلَ الْقَيْءِ وَالرَّائِحَةِ وَالْحَبَلِ عَلَى الشُّرْبِ وَالزِّنَا أَوْلَى مِنْ الْبَيِّنَةِ قَطْعًا ; فَكَيْفَ يُظَنُّ بِالشَّرِيعَةِ إلْغَاءُ أَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ ، وَمِنْ ذَلِكَ تَحْرِيقُ
nindex.php?page=showalam&ids=1الصِّدِّيقِ اللُّوطِيَّ ، وَإِلْقَاءُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ لَهُ مِنْ شَاهِقٍ عَلَى رَأْسِهِ ، وَمِنْ ذَلِكَ تَحْرِيقُ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ الْمَصَاحِفَ الْمُخَالِفَةَ لِلْمُصْحَفِ الَّذِي جَمَعَ النَّاسَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ الَّذِي بِلِسَانِ قُرَيْشٍ ، وَمِنْ ذَلِكَ تَحْرِيقُ
[ ص: 285 ] nindex.php?page=showalam&ids=1الصِّدِّيقِ الْفُجَاءَةَ السُّلَمِيُّ ، وَمِنْ ذَلِكَ اخْتِيَارُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلنَّاسِ إفْرَادَ الْحَجِّ وَأَنْ يَعْتَمِرُوا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ، فَلَا يَزَالُ
الْبَيْتُ الْحَرَامُ مَعْمُورًا بِالْحُجَّاجِ وَالْمُعْتَمِرِينَ ، وَمِنْ ذَلِكَ مَنْعُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النَّاسَ مِنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ، وَقَدْ بَاعُوهُنَّ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَيَاةِ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ ، وَمِنْ ذَلِكَ إلْزَامُهُ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لِمَنْ أَوْقَعَهُ بِفَمٍ وَاحِدٍ عُقُوبَةً لَهُ كَمَا صَرَّحَ هُوَ بِذَلِكَ ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=showalam&ids=1وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إمَارَتِهِ هُوَ يُجْعَلُ وَاحِدَةً ، إلَى أَضْعَافِ ذَلِكَ مِنْ السِّيَاسَاتِ الْعَادِلَةِ الَّتِي سَاسُوا بِهَا الْأُمَّةَ ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَقَوَاعِدِهَا .
وَتَقْسِيمُ بَعْضِهِمْ طُرُقَ الْحُكْمِ إلَى شَرِيعَةٍ وَسِيَاسَةٍ كَتَقْسِيمِ غَيْرِهِمْ الدِّينَ إلَى شَرِيعَةٍ وَحَقِيقَةٍ ، وَكَتَقْسِيمِ آخَرِينَ الدِّينَ إلَى عَقْلٍ وَنَقْلٍ ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَقْسِيمٌ بَاطِلٌ ، بَلْ السِّيَاسَةُ وَالْحَقِيقَةُ وَالطَّرِيقَةُ وَالْعَقْلُ كُلُّ ذَلِكَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ : صَحِيحٌ ، وَفَاسِدٌ ; فَالصَّحِيحُ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الشَّرِيعَةِ لَا قَسِيمٌ لَهَا ، وَالْبَاطِلُ ضِدُّهَا وَمُنَافِيهَا ، وَهَذَا الْأَصْلُ مِنْ أَهَمِّ الْأُصُولِ وَأَنْفَعِهَا ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ عُمُومُ رِسَالَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْعِبَادُ فِي مَعَارِفِهِمْ وَعُلُومِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ ، وَأَنَّهُ لَمْ يُحْوِجْ أُمَّتَهُ إلَى أَحَدٍ بَعْدَهُ ، وَإِنَّمَا حَاجَتُهُمْ إلَى مَنْ يُبَلِّغُهُمْ عَنْهُ مَا جَاءَ بِهِ ، فَلِرِسَالَتِهِ عُمُومَانِ مَحْفُوظَانِ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِمَا تَخْصِيصٌ : عُمُومٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ ، وَعُمُومٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ بُعِثَ إلَيْهِ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ ; فَرِسَالَتُهُ كَافِيَةٌ شَافِيَةٌ عَامَّةٌ ، لَا تُحْوِجُ إلَى سِوَاهَا ، وَلَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ بِهِ إلَّا بِإِثْبَاتِ عُمُومِ رِسَالَتِهِ فِي هَذَا وَهَذَا ، فَلَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ عَنْ رِسَالَتِهِ ، وَلَا يَخْرُجُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَقِّ الَّذِي تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْأُمَّةُ فِي عُلُومِهَا وَأَعْمَالِهَا عَمَّا جَاءَ بِهِ .
[ بَيَّنَ الرَّسُولُ جَمِيعَ أَحْكَامِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ ] وَقَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي السَّمَاءِ إلَّا ذَكَرَ لِلْأُمَّةِ مِنْهُ عِلْمًا ، وَعَلَّمَهُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى آدَابَ التَّخَلِّي وَآدَابَ الْجِمَاعِ وَالنَّوْمِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ ، وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ، وَالرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ ، وَالسَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ ، وَالصَّمْتِ وَالْكَلَامِ ، وَالْعُزْلَةِ وَالْخُلْطَةِ ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ ، وَالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ ، وَجَمِيعِ أَحْكَامِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ ، وَوَصَفَ لَهُمْ الْعَرْشَ وَالْكُرْسِيَّ وَالْمَلَائِكَةَ وَالْجِنَّ وَالنَّارَ وَالْجَنَّةَ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا فِيهِ حَتَّى كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ ، وَعَرَّفَهُمْ مَعْبُودَهُمْ وَإِلَهَهُمْ أَتَمَّ تَعْرِيفٍ حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ وَيُشَاهِدُونَهُ بِأَوْصَافِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ ، وَعَرَّفَهُمْ الْأَنْبِيَاءَ وَأُمَمَهُمْ وَمَا جَرَى لَهُمْ ، وَمَا جَرَى عَلَيْهِمْ مَعَهُمْ حَتَّى كَأَنَّهُمْ كَانُوا بَيْنَهُمْ ، وَعَرَّفَهُمْ مِنْ طُرُقِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ دَقِيقَهَا وَجَلِيلَهَا مَا لَمْ يُعَرِّفْهُ نَبِيٌّ لِأُمَّتِهِ قَبْلَهُ ، وَعَرَّفَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
[ ص: 286 ] أَحْوَالِ الْمَوْتِ وَمَا يَكُونُ بَعْدَهُ فِي الْبَرْزَخِ وَمَا يَحْصُلُ فِيهِ مِنْ النَّعِيمِ وَالْعَذَابِ لِلرُّوحِ وَالْبَدَنِ مَا لَمْ يُعَرِّفْ بِهِ نَبِيٌّ غَيْرُهُ ، وَكَذَلِكَ عَرَّفَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَدِلَّةِ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ وَالرَّدِّ عَلَى جَمِيعِ فِرَقِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ مَا لَيْسَ لِمَنْ عَرَفَهُ حَاجَةٌ مِنْ بَعْدِهِ ، اللَّهُمَّ إلَّا إلَى مَنْ يُبَلِّغُهُ إيَّاهُ وَيُبَيِّنُهُ وَيُوَضِّحُ مِنْهُ مَا خَفِيَ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ عَرَّفَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَايِدِ الْحُرُوبِ وَلِقَاءِ الْعَدُوِّ وَطُرُقِ النَّصْرِ وَالظُّفْرِ مَا لَوْ عَلِمُوهُ وَعَقَلُوهُ وَرَعَوْهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ لَمْ يَقُمْ لَهُمْ عَدُوٌّ أَبَدًا ، وَكَذَلِكَ عَرَّفَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَايِدِ إبْلِيسَ وَطُرُقِهِ الَّتِي يَأْتِيهِمْ مِنْهَا وَمَا يَتَحَرَّزُونَ بِهِ مِنْ كَيْدِهِ وَمَكْرِهِ وَمَا يَدْفَعُونَ بِهِ شَرَّهُ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ عَرَّفَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْوَالِ نُفُوسِهِمْ وَأَوْصَافِهَا وَدَسَائِسِهَا وَكَمَائِنِهَا مَا لَا حَاجَةَ لَهُمْ مَعَهُ إلَى سِوَاهُ ، وَكَذَلِكَ عَرَّفَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُمُورِ مَعَايِشِهِمْ مَا لَوْ عَلِمُوهُ وَعَمِلُوهُ لَاسْتَقَامَتْ لَهُمْ دُنْيَاهُمْ أَعْظَمَ اسْتِقَامَةٍ .
وَبِالْجُمْلَةِ فَجَاءَهُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِرُمَّتِهِ ، وَلَمْ يُحْوِجْهُمْ اللَّهُ إلَى أَحَدٍ سِوَاهُ ، فَكَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ شَرِيعَتَهُ الْكَامِلَةَ الَّتِي مَا طَرَقَ الْعَالَمَ شَرِيعَةٌ أَكْمَلُ مِنْهَا نَاقِصَةٌ تَحْتَاجُ إلَى سِيَاسَةٍ خَارِجَةٍ عَنْهَا تُكَمِّلُهَا ، أَوْ إلَى قِيَاسٍ أَوْ حَقِيقَةٍ أَوْ مَعْقُولٍ خَارِجٍ عَنْهَا ؟ وَمَنْ ظَنَّ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ ظَنَّ أَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَى رَسُولٍ آخَرَ بَعْدَهُ ، وَسَبَبُ هَذَا كُلِّهِ خَفَاءُ مَا جَاءَ بِهِ عَلَى مَنْ ظَنَّ ذَلِكَ وَقِلَّةُ نَصِيبِهِ مِنْ الْفَهْمِ الَّذِي وَفَّقَ اللَّهُ لَهُ أَصْحَابَ نَبِيِّهِ الَّذِينَ اكْتَفَوْا بِمَا جَاءَ بِهِ ، وَاسْتَغْنَوْا بِهِ عَمَّا مَا سِوَاهُ ، وَفَتَحُوا بِهِ الْقُلُوبَ وَالْبِلَادَ ، وَقَالُوا : هَذَا عَهْدُ نَبِيِّنَا إلَيْنَا ، وَهُوَ عَهْدُنَا إلَيْكُمْ ، وَقَدْ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَمْنَعُ مِنْ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشْيَةَ أَنْ يَشْتَغِلَ النَّاسُ بِهِ عَنْ الْقُرْآنِ ، فَكَيْفَ لَوْ رَأَى اشْتِغَالَ النَّاسِ بِآرَائِهِمْ وَزَبَدِ أَفْكَارِهِمْ وَزُبَالَةِ أَذْهَانِهِمْ عَنْ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ ؟ فَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=51أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=57يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } وَكَيْفَ يَشْفِي مَا فِي الصُّدُورِ كِتَابٌ لَا يَفِي هُوَ وَمَا تُبَيِّنُهُ السُّنَّةُ بِعُشْرِ مِعْشَارِ الشَّرِيعَةِ ؟ أَمْ كَيْفَ يَشْفِي مَا فِي الصُّدُورِ كِتَابُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْيَقِينُ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مَسَائِلِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ ؟ أَوْ عَامَّتُهَا ظَوَاهِرُ لَفْظِيَّةٍ دَلَالَتُهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى انْتِفَاءِ عَشَرَةِ أُمُورٍ لَا يُعْلَمُ انْتِفَاؤُهَا ، سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ، وَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ ، كَيْفَ كَانَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ قَبْلَ وَضْعِ هَذِهِ الْقَوَانِينِ الَّتِي أَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهَا مِنْ الْقَوَاعِدِ ، وَقَبْلَ اسْتِخْرَاجِ هَذِهِ الْآرَاءِ وَالْمَقَايِيسِ وَالْأَوْضَاعِ ؟ أَهَلْ كَانُوا مُهْتَدِينَ
[ ص: 287 ] مُكْتَفِينَ بِالنُّصُوصِ أَمْ كَانُوا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ؟ حَتَّى جَاءَ الْمُتَأَخِّرُونَ فَكَانُوا أَعْلَمَ مِنْهُمْ وَأَهْدَى وَأَضْبَطَ لِلشَّرِيعَةِ مِنْهُمْ وَأَعْلَمَ بِاَللَّهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَمَا يَجِبُ لَهُ وَ [ مَا ] يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ ؟ فَوَاَللَّهِ لَأَنْ يَلْقَى اللَّهَ [ عَبْدُهُ ] بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلَا الْإِشْرَاكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِهَذَا الظَّنِّ الْفَاسِدِ وَالِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ .
فَصْلٌ :
[ كَلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ فِي السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ ]
وَهَذِهِ نَبْذَةٌ يَسِيرَةٌ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ : قَالَ فِي رِوَايَةِ
الْمَرْوَزِيِّ وَابْنِ مَنْصُورٍ : وَالْمُخَنَّثُ يُنْفَى ; لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ مِنْهُ إلَّا الْفَسَادُ وَالتَّعَرُّضُ لَهُ ، وَلِلْإِمَامِ نَفْيُهُ إلَى بَلَدٍ يَأْمَنُ فَسَادَ أَهْلِهِ ، وَإِنْ خَافَ بِهِ عَلَيْهِمْ حَبَسَهُ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=15772حَنْبَلٍ ، فِيمَنْ شَرِبَ خَمْرًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ، أَوْ أَتَى شَيْئًا نَحْوَ هَذَا : أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَيْهِ ، وَغُلِّظَ عَلَيْهِ مِثْلَ الَّذِي يَقْتُلُ فِي
الْحَرَمِ دِيَةٌ وَثُلُثٌ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
حَرْبٍ : إذَا أَتَتْ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ تُعَاقَبَانِ وَتُؤَدَّبَانِ .
وَقَالَ أَصْحَابُنَا : إذَا رَأَى الْإِمَامُ تَحْرِيقَ اللُّوطِيِّ بِالنَّارِ فَلَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=22خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ كَتَبَ إلَى
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ وَجَدَ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْعَرَبِ رَجُلًا يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ، وَكَانَ أَشَدَّهُمْ قَوْلًا ، فَقَالَ : إنَّ هَذَا الذَّنْبَ لَمْ تَعْصِ اللَّهَ بِهِ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ إلَّا وَاحِدَةٌ ، فَصَنَعَ اللَّهُ بِهِمْ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ ، أَرَى أَنْ يُحَرِّقُوهُ بِالنَّارِ ، فَأَجْمَعَ رَأْيُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يُحَرِّقُوهُ بِالنَّارِ ، فَكَتَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى
nindex.php?page=showalam&ids=22خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِأَنْ يُحَرِّقُوا ، فَحَرَّقَهُمْ ، ثُمَّ حَرَّقَهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=14ابْنُ الزُّبَيْرِ ، ثُمَّ حَرَّقَهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=17243هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ .
وَنَصَّ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَنْ طَعَنَ عَلَى الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَى السُّلْطَانِ عُقُوبَتُهُ ، وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ ، بَلْ يُعَاقِبَهُ وَيَسْتَتِيبَهُ ، فَإِنْ تَابَ ، وَإِلَّا أَعَادَ الْعُقُوبَةَ .
وَصَرَّحَ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ النِّسَاءَ إذَا خِيفَ عَلَيْهِنَّ الْمُسَاحَقَةَ حَرُمَ خَلْوَةُ بَعْضِهِنَّ بِبَعْضٍ .
وَصَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى اخْتِيَارِ إحْدَاهُمَا ، فَإِنْ أَبَى ضُرِبَ حَتَّى يَخْتَارَ .
قَالُوا : وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ فَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ ، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ .
[ ص: 288 ] وَأَمَّا كَلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ فَمَشْهُورٌ .
وَأَبْعَدُ النَّاسِ مِنْ الْأَخْذِ بِذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ قَرَائِنَ الْأَحْوَالِ فِي أَكْثَرِ مِنْ مِائَةِ مَوْضِعٍ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا كَثِيرًا فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ .
مِنْهَا جَوَازُ
nindex.php?page=treesubj&link=11343وَطْءِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ لَيْلَةَ الزِّفَافِ ، وَإِنْ لَمْ يَرَهَا وَلَمْ يَشْهَدْ عَدْلَانِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ ، بِنَاءً عَلَى الْقَرَائِنِ .
وَمِنْهَا قَبُولُ الْهَدِيَّةِ الَّتِي يُوصِلُهَا إلَيْهِ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ ، وَجَوَازُ أَكْلِهَا وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَدْلَانِ أَنَّ فُلَانًا أَهْدَى لَكَ كَذَا ، بِنَاءً عَلَى الْقَرَائِنِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَلَفُّظُهُ وَلَا تَلَفُّظُ الرَّسُولِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ .
وَمِنْهَا جَوَازُ تَصَرُّفِهِ فِي بَابِهِ بِقَرْعِ حَلَقَتِهِ وَدَقِّهِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ فِي ذَلِكَ .
وَمِنْهَا اسْتِدْعَاءُ الْمُسْتَأْجِرِ لِلدَّارِ وَالْبُسْتَانِ لِمَنْ شَاءَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَضُيُوفِهِ وَإِنْزَالُهُمْ عِنْدَهُ مُدَّةً ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ نُطْقًا ، وَإِنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ تَصَرُّفَهُمْ فِي مَنْفَعَةِ الدَّارِ وَإِشْغَالَهُمْ الْكَنِيفَ وَإِضْعَافَهُمْ السُّلَّمَ وَنَحْوَهُ .
وَمِنْهَا جَوَازُ الْإِقْدَامِ عَلَى الطَّعَامِ إذَا وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُصَرَّحْ لَهُ بِالْإِذْنِ لَفْظًا .
وَمِنْهَا جَوَازُ شُرْبِهِ مِنْ الْإِنَاءِ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّمْهُ إلَيْهِ وَلَا يَسْتَأْذِنْهُ .
وَمِنْهَا جَوَازُ قَضَاءِ حَاجَتِهِ فِي كَنِيفِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ .
وَمِنْهَا جَوَازُ الِاسْتِنَادِ إلَى وِسَادَتِهِ .
وَمِنْهَا أَخْذُ مَا يَنْبِذُهُ رَغْبَةً عَنْهُ مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِتَمْلِيكِهِ لَهُ .
وَمِنْهَا انْتِفَاعُهُ بِفِرَاشِ زَوْجَتِهِ وَلِحَافِهَا وَوِسَادَتِهَا وَآنِيَتِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهَا نُطْقًا ، إلَى أَضْعَافِ أَضْعَافِ ذَلِكَ .
وَهَلْ السِّيَاسَةُ الشَّرْعِيَّةُ إلَّا مِنْ هَذَا الْبَابِ .
وَهِيَ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْقَرَائِنِ الَّتِي تُفِيدُ الْقَطْعَ تَارَةً وَالظَّنَّ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنْ ظَنِّ الشُّهُودِ بِكَثِيرٍ تَارَةً ؟ وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ مِرَارًا ، وَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمُ .