الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ كل الأئمة يذهبون إلى الحديث ومتى صح فهو مذهبهم ] الفائدة السابعة والأربعون : قول الشافعي - رحمه الله تعالى - : " إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلته " وكذلك قوله : " إذا صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقلت أنا قولا فأنا راجع عن قولي وقائل بذلك الحديث " وقوله : " إذا صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي الحائط " وقوله : " إذا رويت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أذهب إليه فاعلموا أن عقلي قد ذهب " وغير ذلك من كلامه في هذا المعنى صريح في مدلوله ، وأن مذهبه ما دل عليه الحديث ، لا قول له غيره ، ولا يجوز أن ينسب إليه ما خالف الحديث ويقال : " هذا مذهب الشافعي " ولا يحل الإفتاء بما خالف الحديث على أنه مذهب الشافعي ، ولا الحكم به ، صرح بذلك جماعة من أئمة أتباعه ، حتى كان منهم من يقول للقارئ إذا قرأ عليه مسألة من كلامه : قد صح الحديث بخلافها ، اضرب على هذه المسألة فليست مذهبه ، وهذا هو الصواب قطعا ، ولو لم ينص عليه ، فكيف إذا نص عليه وأبدى فيه وأعاد وصرح فيه بألفاظ كلها صريحة في مدلولها ؟ فنحن نشهد بالله أن مذهبه وقوله الذي لا قول له سواء ما وافق الحديث ، دون ما خالفه وأن من نسب إليه خلافه فقد نسب إليه خلاف مذهبه ، ولا سيما إذا ذكر هو ذلك الحديث وأخبر أنه إنما خالفه لضعف في سنده أو لعدم بلوغه له من وجه يثق به ، ثم ظهر للحديث سند صحيح لا مطعن فيه وصححه أئمة الحديث من وجوه لم تبلغه ، فهذا لا يشك عالم ولا يماري في أنه مذهبه قطعا ، وهذا كمسألة الجوائح ; فإنه علل حديث سفيان بن عيينة بأنه كان ربما ترك ذكر الجوائح ، وقد [ ص: 180 ] صح الحديث من غير طريق سفيان صحة لا مرية فيها ولا علة ولا شبهة بوجه ; فمذهب الشافعي وضع الجوائح ، وبالله التوفيق .

وقد صرح بعض أئمة الشافعية بأن مذهبه أن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، وأن وقت المغرب يمتد إلى مغيب الشفق ، وأن من مات وعليه صيام صام عنه وليه ، وأن أكل لحوم الإبل ينقض الوضوء ، وهذا بخلاف الفطر بالحجامة ، وصلاة المأموم قاعدا إذا صلى إمامه كذلك ; فإن الحديث ، وإن صح في ذلك فليس بمذهبه ، فإن الشافعي قد رواه وعرف صحته ، ولكن خالفه ، لاعتقاده نسخه .

وهذا شيء وذاك شيء ، ففي هذا القسم يقع النظر في النسخ وعدمه ، وفي الأول يقع النظر في صحة الحديث وثقة السند ، فاعرفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية