[ إذا منع المفتي من محظور دل على مباح    ] الفائدة الرابعة : 
من فقه المفتي ونصحه إذا سأله المستفتي عن شيء فمنعه منه ،  [ ص: 122 ] وكانت حاجته تدعوه إليه ، أن يدله على ما هو عوض له منه ، فيسد عليه باب المحظور ، ويفتح له باب المباح ، وهذا لا يتأتى إلا من عالم ناصح مشفق قد تاجر الله وعامله بعلمه . 
فمثاله في العلماء مثال الطبيب العالم الناصح في الأطباء يحمي العليل عما يضره ، ويصف له ما ينفعه ، فهذا شأن أطباء الأديان والأبدان ، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم   } . 
وهذا شأن خلق الرسل وورثتهم من بعدهم ، ورأيت شيخنا قدس الله روحه يتحرى ذلك في فتاويه مهما أمكنه ، ومن تأمل فتاويه وجد ذلك ظاهرا فيها ، { وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم  بلالا  أن يشتري صاعا من التمر الجيد بصاعين من الرديء ، ثم دله على الطريق المباح ، فقال بع الجميع بالدراهم ، ثم اشتر بالدراهم جنيبا   } فمنعه من الطريق المحرم ، وأرشده إلى الطريق المباح . 
ولما سأله  عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث   والفضل بن عباس  أن يستعملهما في جباية الزكاة ; ليصيبا ما يتزوجان به منعهما من ذلك ، وأمر محمية بن جزو    - وكان على الخمس - أن يعطيهما ما ينكحان به ، فمنعهما من الطريق المحرم ، وفتح لهم الطريق المباح ، وهذا اقتداء منه بربه تبارك وتعالى فإنه يسأله عبده الحاجة فيمنعه إياها ، ويعطيه ما هو أصلح له وأنفع منها ، وهذا غاية الكرم والحكمة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					