الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3535 باب فضل الجهاد في البحر

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب فضل الغزو في البحر) .

                                                                                                                              .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 57 - 59 جـ 13 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أنس بن مالك ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه . وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت ، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فأطعمته. ثم جلست تفلي رأسه. فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك. قالت: فقلت: ما يضحكك؟ يا رسول الله! قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر، ملوكا على الأسرة -أو مثل الملوك على الأسرة-" يشك أيهما قال) قالت: فقلت: يا رسول الله! ادع الله: أن يجعلني منهم. فدعا لها. ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك. قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: "ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله" كما قال في الأولى. قالت: فقلت: يا رسول الله! ادع الله: أن يجعلني منهم. قال: "أنت من الأولين". [ ص: 470 ] فركبت أم حرام بنت ملحان البحر، في زمن معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه؛ (أن رسول الله صلى الله عليه) وآله وسلم، كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه) .

                                                                                                                              اتفق العلماء على أنها كانت محرما له، صلى الله عليه وآله وسلم. واختلفوا في كيفية ذلك؛ فقال ابن عبد البر وغيره: كانت إحدى خالاته من الرضاعة.

                                                                                                                              وقال آخرون: بل كانت خالة لأبيه أو لجده؛ لأن عبد المطلب كانت أمه من بني النجار.

                                                                                                                              (وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم يوما، فأطعمته) .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى: " فتزوجها عبادة بن الصامت بعد".

                                                                                                                              قال النووي : فظاهر الرواية الأولى: أنها كانت زوجة لعبادة، حال دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليها. ولكن الرواية الثانية صريحة في أنه: إنما تزوجها بعد ذلك. فتحمل الأولى على موافقة الثانية. ويكون قد أخبر عما صار حالا لها، بعد ذلك. والله أعلم.

                                                                                                                              [ ص: 471 ] (ثم جلست تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم) بفتح التاء وإسكان الفاء.

                                                                                                                              وفيه: جواز فلي الرأس وقتل القمل منه ومن غيره. قال الشافعية : قتل القمل وغيره من المؤذيات: مستحب.

                                                                                                                              وفيه: جواز ملامسة المحرم في الرأس وغيره، مما ليس بعورة. وجواز الخلوة بالمحرم. والنوم عندها.

                                                                                                                              قال النووي : وهذا كله مجمع عليه.

                                                                                                                              وفيه: جواز أكل الضيف عند المرأة المتزوجة مما قدمته له، إلا أن يعلم أنه من مال الزوج، ويعلم أنه يكره أكله من طعامه.

                                                                                                                              (ثم استيقظ وهو يضحك) . وهذا الضحك: فرحا وسرورا بكون أمته تبقى بعده متظاهرة بأمور الإسلام، قائمة بالجهاد، حتى في البحر .

                                                                                                                              (قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال: ناس من أمتي، عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر) بثاء ثم باء مفتوحتين، ثم جيم. وهو ظهره ووسطه.

                                                                                                                              وفي رواية: يركبون ظهر البحر (ملوكا على الأسرة - أو مثل الملوك على الأسرة -) . قيل: هذا صفة لهم في الآخرة، إذا دخلوا الجنة.

                                                                                                                              [ ص: 472 ] والأصح: أنه صفة لهم في الدنيا. أي: يركبون مراكب الملوك، لسعة حالهم، واستقامة أمرهم، وكثرة عددهم.

                                                                                                                              (يشك أيهما قال) والمعنى واحد.

                                                                                                                              (قالت: فقلت: يا رسول الله ! ادع الله أن يجعلني منهم. فدعا لها. ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك. قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال: " ناس من أمتي، عرضوا علي غزاة في سبيل الله "، كما قال في الأولى. قالت: فقلت: يا رسول الله ! ادع الله أن يجعلني منهم. قال: " أنت من الأولين ") .

                                                                                                                              هذا دليل على أن رؤياه الثانية، غير الأولى. وأنه عرض فيها غير الأولين.

                                                                                                                              وفيه: معجزات للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛

                                                                                                                              منها: إخباره ببقاء أمته بعده. وأنه تكون لهم شوكة وقوة وعدد. وأنهم يغزون وأنهم يركبون البحر. وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان. وأنها تكون معهم.

                                                                                                                              قال النووي : وقد وجد " بحمد الله"، كل ذلك.

                                                                                                                              وفيه: فضيلة لتلك الجيوش، وأنهم غزاة في سبيل الله.

                                                                                                                              (فركبت أم حرام بنت ملحان البحر، في زمان معاوية) ابن أبي سفيان (فصرعت عن دابتها، حين خرجت من البحر، فهلكت) .

                                                                                                                              [ ص: 473 ] فيه: أن هذه الغزوة، جرت في زمن معاوية. وقال عياض : قال أكثر أهل السير والأخبار: إن ذلك كان في خلافة عثمان بن عفان "رضي الله عنه "، وإن فيها ركبت أم حرام وزوجها إلى " قبرس " فهلكت هناك، ودفنت. وعلى هذا؛ معنى هذا القول: في زمان غزوه في البحر. لا في أيام خلافته.

                                                                                                                              وقيل: بل كان فيها. قال: وهو أظهر في دلالة قوله: "في زمانه ".

                                                                                                                              قال النووي : وفي هذا الحديث: جواز ركوب البحر للرجال والنساء. وكذا قاله الجمهور. وكره مالك ركوبه للنساء. لأنه لا يمكنهن غالبا: التستر فيه، ولا غض البصر عن المتصرفين فيه، ولا يؤمن انكشاف عوراتهن في تصرفهن، لا سيما فيما صغر من السفائن، مع ضرورتهن إلى قضاء الحاجة بحضرة الرجال.

                                                                                                                              قال عياض : وروي عن عمر، وعمر بن عبد العزيز: منع ركوبه. وقيل: إنما منعه " العمران ": للتجارة وطلب الدنيا، لا للطاعات.

                                                                                                                              وقد روي عن ابن عمر؛ " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: النهي عن ركوب البحر؛ إلا لحاج أو معتمر، أو غاز " وضعفه أبو داود، وقال: رواته مجهولون.

                                                                                                                              واستدل بعض العلماء بهذا الحديث: على أن القتل في سبيل الله، والموت فيه: سواء في الأجر. لأن أم حرام ماتت ولم تقتل.

                                                                                                                              [ ص: 474 ] قال النووي : ولا دلالة فيه لذلك. لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل: إنهم شهداء. بل قال: هم غزاة في سبيله. ولكن ذكر مسلم في حديث آخر بعد هذا بقليل: " من قتل في سبيل الله: فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد " . وهو موافق لمعنى قول الله تعالى: ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ".




                                                                                                                              الخدمات العلمية