الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3273 [ ص: 613 ] باب: الحرب خدعة

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب جواز الخداع في الحرب) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 45 جـ 12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ (عن سفيان ، قال: سمع عمرو جابرا رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم : الحرب خدعة" ) .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              " خدعة ": فيها ثلاث لغات مشهورات، اتفقوا على أن أفصحهن: " خدعة " بفتح الخاء وإسكان الدال. قال ثعلب وغيره: وهي لغة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

                                                                                                                              والثانية: بضم الخاء وإسكان الدال.

                                                                                                                              والثالثة: بضم الخاء وفتح الدال.

                                                                                                                              [ ص: 614 ] قال النووي : اتفق العلماء، على جواز خداع الكفار في الحرب. وكيف أمكن الخداع، إلا أن يكون فيه نقض عهد، أو أمان، فلا يحل.

                                                                                                                              وقد صح في الحديث: جواز الكذب في ثلاثة أشياء:

                                                                                                                              أحدها: في الحرب. قال الطبري: إنما يجوز من الكذب - في الحرب -: المعاريض، دون حقيقة الكذب، فإنه لا يحل. هذا كلامه. والظاهر: إباحة حقيقة نفس الكذب. لكن الاقتصار على التعريض أفضل. انتهى.

                                                                                                                              قلت: ومن هذا الباب: قصة قتل " كعب بن الأشرف"، طاغوت اليهود. وهي متفق عليها من حديث جابر، أيضا.

                                                                                                                              وفي حديث أم كلثوم بنت عقبة، (قالت: ولم أسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرخص في شيء من الكذب مما تقول الناس إلا في: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها) رواه أحمد، ومسلم ، وأبو داود.

                                                                                                                              [ ص: 615 ] وقد ورد في معنى حديث " أم كلثوم ": أحاديث أخر؛ منها: حديث أسماء بنت يزيد، عند الترمذي ، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " يا أيها الناس ! ما يحملكم أن تتابعوا على الكذب، كتتابع الفراش في النار ؟ الكذب كله على ابن آدم حرام، إلا في ثلاث خصال: رجل كذب على امرأته ليرضيها، ورجل كذب في الحرب، فإن الحرب خدعة، ورجل كذب بين مسلمين ليصلح بينهما ".

                                                                                                                              " والتتابع ": التهافت في الأمر. "والفراش ": الطائر الذي يتواقع في ضوء السراج فيحترق.

                                                                                                                              قال ابن العربي: الكذب في الحرب، من المستثنى الجائز بالنص، رفقا بالمسلمين، لحاجتهم إليه. وليس للعقل فيه مجال. انتهى.

                                                                                                                              والمنع المطلق من الكذب، من خصائص النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فلا يتعاطى شيئا، وإن كان مباحا لغيره. والتورية غير الكذب [ ص: 616 ] قال ابن بطال: سألت بعض شيوخي عن معنى هذا الحديث ؟ فقال: الكذب المباح في الحرب، ما يكون في المعاريض، لا التصريح بالتأمين مثلا.

                                                                                                                              وقال المهلب: لا يجوز الكذب الحقيقي، في شيء من الدين أصلا. قال الحافظ: واتفقوا على جواز الكذب عند الاضطرار. كما لو قصد ظالم قتل رجل هو مختف عنده، فله أن ينفي كونه عنده، ويحلف على ذلك ولا يأثم. انتهى.

                                                                                                                              وقال القاضي زكريا: ضابط ما يباح من الكذب، وما لا يباح: أن الكلام وسيلة إلى المقصود. فكل مقصود محمود، إن أمكن التوصل إليه بالصدق: فالكذب فيه حرام. وإن لم يمكن إلا بالكذب: فهو مباح، إن كان المقصود مباحا. وواجب، إن كان المقصود واجبا. انتهى.

                                                                                                                              قال في النيل: والحق أن الكذب حرام كله، بنصوص الكتاب والسنة، من غير فرق بين ما كان في مقصود محمود أو غير محمود. ولا يستثنى منه: إلا ما خصه الدليل، من الأمور المذكورة في أحاديث الباب. نعم، إن صح ما قدمناه عن الطبراني في الأوسط: كان من جملة [ ص: 617 ] المخصصات لعموم الأدلة القاضية بالتحريم على العموم. انتهى. والذي أخرجه الطبراني فيه: " الكذب كله إثم، إلا ما نفع به مسلم، أو دفع به عن دين ". والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية