الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3304 باب منه

                                                                                                                              وهو في النووي في (باب حكم الفيء) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 76-79 ج 12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ عن عروة بن الزبير، عن عائشة، أنها أخبرته، أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق، تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المال" وإني، والله! لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئا. فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك. قال فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلا. ولم يؤذن بها أبا بكر . وصلى عليها علي. وكان لعلي من الناس وجهة، حياة فاطمة فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن بايع تلك الأشهر فأرسل إلى أبي بكر [ ص: 38 ] أن ائتنا ولا يأتنا معك أحد (كراهية محضر عمر بن الخطاب) فقال عمر لأبي بكر والله لا تدخل عليهم وحدك فقال أبو بكر وما عساهم أن يفعلوا بي إني والله لآتينهم فدخل عليهم أبو بكر فتشهد علي بن أبي طالب ثم قال إنا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك وما أعطاك الله ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك ولكنك استبددت علينا بالأمر وكنا نحن نرى لنا حقا لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يكلم أبا بكر حتى فاضت عينا أبي بكر فلما تكلم أبو بكر قال والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فإني لم آل فيها عن الحق ولم أترك أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيها إلا صنعته فقال علي لأبي بكر موعدك العشية للبيعة فلما صلى أبو بكر صلاة الظهر رقي على المنبر فتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر إليه ثم استغفر وتشهد علي بن أبي طالب فعظم حق أبي بكر وأنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ولا إنكارا للذي فضله الله به ولكنا كنا نرى لنا في الأمر نصيبا فاستبد علينا به فوجدنا في أنفسنا فسر بذلك المسلمون وقالوا أصبت فكان المسلمون إلى علي قريبا حين راجع الأمر المعروف .

                                                                                                                              [ ص: 39 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 39 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها ، (أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أرسلت إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، (تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم ، مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك) ، وما بقي من خمس خيبر . فقال أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : "لا نورث . ما تركنا صدقة . إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه) وآله (وسلم في هذا المال ، وإني والله ! لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم عن حالها التي كانت عليها ، في عهد رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم . ولأعملن فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم . وأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئا . فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك . قال : فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت . وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم ستة أشهر) .

                                                                                                                              أما هجرانها فمعناه : ما مر من انقباضها عن لقائه . وليس هذا من الهجران المحرم ، الذي هو ترك السلام والكلام ، والإعراض عن اللقاء .

                                                                                                                              ومعنى " فلم تكلمه ": يعني في هذا الأمر . أو لانقباضها لم تطلب [ ص: 40 ] منه حاجة ، ولا اضطرت إلى لقائه فتكلمه . ولم ينقل أنهما التقيا فلم تسلم عليه ولا كلمته .

                                                                                                                              وأما كونها عاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ستة أشهر" ، فهذا هو الصحيح المشهور . وقيل : " ثمانية أشهر " . وقيل : "ثلاثة ". وقيل : " شهرين " . وقيل : " سبعين يوما " .

                                                                                                                              فعلى الصحيح ، قالوا : توفيت لثلاث مضين من شهر رمضان ، سنة إحدى عشرة .

                                                                                                                              (فلما توفيت ، دفنها زوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنهم (ليلا. ولم يؤذن بها أبا بكر . وصلى عليها علي) .

                                                                                                                              فيه . جواز الدفن ليلا . وهو مجمع عليه . لكن النهار أفضل ، إذا لم يكن عذر .

                                                                                                                              (وكان لعلي من الناس وجهة ، حياة فاطمة) رضي الله عنهما .

                                                                                                                              (فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته . ولم يكن بايع تلك الأشهر) .

                                                                                                                              أما تأخر علي " رضي الله عنه ، عن البيعة ، فقد ذكره علي في هذا الحديث ، واعتذر أبو بكر "رضي الله عنه" . ومع هذا ، فتأخره ليس بقادح في البيعة ، ولا فيه ;

                                                                                                                              [ ص: 41 ] أما البيعة : فقد اتفق العلماء على أنه لا يشترط لصحتها ، مبايعة كل الناس . ولا كل أهل الحل والعقد . وإنما يشترط مبايعة من تيسر إجماعهم من العلماء ، والرؤساء ، ووجوه الناس .

                                                                                                                              وأما عدم القدح فيه: فلأنه لا يجب على كل واحد أن يأتي إلى الإمام ، فيضع يده في يده ويبايعه . وإنما يلزمه - إذا عقد أهل الحل والعقد للإمام - : الانقياد له ، وأن لا يظهر خلافا ، ولا يشق العصا . وهكذا كان شأن علي "رضي الله عنه" ، في تلك المدة التي قبل بيعته . فإنه لم يظهر على أبي بكر خلافا ، ولا شق العصا . ولكنه تأخر عن الحضور عنده ، للعذر المذكور في الحديث . ولم يكن انعقاد البيعة وانبرامها متوقفا على حضوره ، فلم يجب عليه الحضور لذلك ولا لغيره . فلما لم يجب : لم يحضر . وما نقل عنه قدح في البيعة ، ولا مخالفة . ولكن بقي في نفسه عتب ، فتأخر حضوره إلى أن زال العتب .

                                                                                                                              وكان سبب العتب : أنه مع وجاهته وفضيلته في نفسه في كل شيء ، وقربه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وغير ذلك : رأى أنه لا يستبد بأمر إلا بمشورته وحضوره .

                                                                                                                              وكان عذر أبي بكر وعمر وسائر الصحابة واضحا. لأنهم رأوا المبادرة [ ص: 42 ] بالبيعة من أعظم مصالح المسلمين . وخافوا من تأخيرها : حصول خلاف ونزاع تترتب عليه مفاسد عظيمة . ولهذا أخروا دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى عقدوا البيعة . لكونها كانت أهم الأمور . كيلا يقع نزاع في مدفنه ، أو كفنه ، أو غسله ، أو الصلاة عليه ، أو غير ذلك ، وليس لهم من يفصل الأمور . فرأوا تقدم البيعة أهم الأشياء . والله أعلم . ذكر ذلك كله النووي ، " رحمه الله تعالى ".

                                                                                                                              (فأرسل إلى أبي بكر : أن ائتنا ، ولا يأتنا معك أحد ، " كراهية محضر عمر بن الخطاب ") رضي الله عنه (فقال عمر لأبي بكر : والله ! لا تدخل عليهم وحدك) .

                                                                                                                              أما كراهتهم لمحضر عمر : فلما علموا من شدته وصدعه بما يظهر له .

                                                                                                                              فخافوا أن ينتصر لأبي بكر "رضي الله عنه" ، فيتكلم بكلام يوحش قلوبهم على أبي بكر . وكانت قلوبهم قد طابت عليه وانشرحت له . فخافوا أن يكون حضور عمر سببا لتغيرها .

                                                                                                                              وأما قول عمر : " لا تدخل إلخ " ، فمعناه أنه خاف أن يغلظوا عليه في المعاتبة ، ويحملهم على الإكثار من ذلك : لين أبي بكر ، وصبره عن الجواب عن نفسه . وربما رأى من كلامهم ما غير قلبه ، فيترتب على ذلك مفسدة خاصة أو عامة . وإذا حضر عمر امتنعوا من ذلك .

                                                                                                                              وأما كون عمر حلف : أن لا يدخل عليهم أبو بكر وحده ، فحنثه أبو بكر (فقال أبو بكر : وما عساهم أن يفعلوا بي ؟ والله ! لآتينهم) [ ص: 43 ] ودخل وحده : ففيه دليل على أن إبرار القسم إنما يؤمر به الإنسان ، إذا أمكن احتماله بلا مشقة ، ولا تكون فيه مفسدة . وعلى هذا يحمل الحديث بإبرار القسم .

                                                                                                                              (فدخل عليهم أبو بكر) وحده ، (فتشهد علي بن أبي طالب ، ثم قال : إنا قد عرفنا ، يا أبا بكر ! فضيلتك وما أعطاك الله . ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك) هو بفتح الفاء . يقال : " نفست عليه " بكسر الفاء " أنفس " بفتحها "نفاسة " ، وهو قريب من معنى " الحسد ".

                                                                                                                              (ولكنك استبددت علينا بالأمر ، وكنا نحن نرى لنا حقا ، لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم . فلم يزل يكلم أبا بكر ، حتى فاضت عينا أبي بكر ، رضي الله عنه . (فلما تكلم أبو بكر قال : والذي نفسي بيده ! لقرابة رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم، أحب إلي أن أصل من قرابتي . وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال ، فإني لم آل فيها عن الحق ، ولم أترك أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصنعه فيها ، إلا صنعته) .

                                                                                                                              معنى " شجر " : الاختلاف ، والمنازعة . " ولم آل "، معناه : لم أقصر .

                                                                                                                              [ ص: 44 ] (فقال علي لأبي بكر : موعدك العشية للبيعة ، فلما صلى أبو بكر صلاة الظهر ، رقي على المنبر) بكسر القاف . يقال : " رقي يرقى " كعلم يعلم .

                                                                                                                              "والعشي" بحذف الهاء. هو من زوال الشمس . ومنه الحديث : صلى إحدى صلاتي العشي ، إما الظهر ، وإما العصر ".

                                                                                                                              وفي هذا الحديث : بيان صحة خلافة أبي بكر ، وانعقاد الإجماع عليها .

                                                                                                                              (فتشهد . وذكر شأن علي) رضي الله عنه ، (وتخلفه عن البيعة ، وعذره بالذي اعتذر إليه . ثم استغفر . وتشهد علي بن أبي طالب ، فعظم حق أبي بكر . وأنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ، ولا إنكارا للذي فضله الله عز وجل به . ولكنا كنا نرى لنا في الأمر نصيبا ، فاستبد علينا به ، فوجدنا في أنفسنا . فسر بذلك المسلمون . وقالوا : أصبت . وكان المسلمون إلى علي " رضي الله عنه " قريبا ، حين راجع الأمر المعروف) .

                                                                                                                              هذا الحديث : له طرق وألفاظ عند مسلم ، ترجع إلى معنى ما ذكرنا .

                                                                                                                              وقد تعلقت بها الشيعة في الطعن على أبي بكر وعمر ، "رضي الله عنهما" [ ص: 45 ] بناء على أوهامهم فيهما . وكل ذلك بمعزل عن التحقيق والتصديق بالإيمان ، والاتصاف بالإنصاف الذي هو خير الأوصاف . وليس ذكر الرد عليهم من غرضنا في هذا الكتاب . فقد قضى علماء السنة والجماعة " الوطر " عنهم . وكذبوهم في دعواهم في كتب مستقلة .




                                                                                                                              الخدمات العلمية