الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3297 باب منع القاتل السلب بالاجتهاد

                                                                                                                              وهو في النووي في (الباب المتقدم) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 64 - 65 ج 12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ عن عوف بن مالك، قال: قتل رجل من حمير رجلا من العدو، فأراد سلبه، فمنعه خالد بن الوليد، وكان واليا عليهم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عوف بن مالك فأخبره.

                                                                                                                              فقال لخالد: "ما منعك أن تعطيه سلبه؟" قال: استكثرته. يا رسول الله! قال: "ادفعه إليه". فمر خالد بعوف، فجر بردائه ثم قال: هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغضب. فقال: لا تعطه. يا خالد لا تعطه يا خالد هل أنتم تاركون لي أمرائي؟ إنما مثلكم ومثلهم كمثل رجل استرعي إبلا أو غنما فرعاها ثم تحين سقيها فأوردها حوضا [ ص: 11 ] فشرعت فيه، فشربت صفوه وتركت كدره فصفوه لكم وكدره عليهم ]
                                                                                                                              .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عوف بن مالك) رضي الله عنه : (قال : قتل رجل من حمير رجلا من العدو) . وهو المددي المذكور في بعض الأحاديث . وهذه القضية جرت في غزوة مؤتة ، سنة ثمان . كما بينه مسلم في الرواية الأخرى .

                                                                                                                              (فأراد سلبه ، فمنعه خالد بن الوليد) رضي الله عنه ، (وكان واليا عليهم . فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عوف بن مالك ، فأخبره . فقال لخالد : " ما منعك أن تعطيه سلبه ؟ قال : استكثرته . يا رسول الله ! قال : " ادفعه إليه ". فمر خالد بعوف ، فجر بردائه . ثم قال : هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم ؟ فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستغضب . فقال : "لا تعطه . يا خالد ! لا تعطه . يا خالد ! ") .

                                                                                                                              وهذا الحديث قد يستشكل من حيث : إن القاتل قد استحق السلب ، فكيف منعه إياه ؟ ويجاب عنه بوجهين ;

                                                                                                                              أحدهما : لعله أعطاه بعد ذلك للقاتل . وإنما أخره تعزيرا له ولعوف ابن مالك ، لكونهما أطلقا ألسنتهما في خالد " رضي الله عنه " ، وانتهكا حرمة الوالي ومن ولاه .

                                                                                                                              [ ص: 12 ] الثاني : لعله استطاب قلب صاحبه ، فتركه صاحبه باختياره وجعله للمسلمين . وكان المقصود بذلك استطابة قلب خالد ، للمصلحة في إكرام الأمراء . قاله النووي . ولا يخلو عن بعد.

                                                                                                                              ويمكن الجواب : بأن للإمام أن يعطي السلب لغير القاتل ، لأمر يعرض فيه مصلحة ، من تأديب أو غيره . قاله في النيل .

                                                                                                                              وفيه : جواز القضاء في حال الغضب ونفوذه . وأن النهي للتنزيه لا للتحريم . قاله النووي .

                                                                                                                              والحق : أن النهي للتحريم هنا . ولا يقاس أحد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. (هل أنتم تاركوا لي أمرائي ؟) . هكذا هو في بعض النسخ : " تاركوا " بغير نون. وفي بعضها : "تاركون " بالنون . قال النووي : وهذا هو الأصل . والأول صحيح أيضا ، وهي لغة معروفة . وقد جاءت بها أحاديث كثيرة ;

                                                                                                                              منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا . ولا تؤمنوا حتى تحابوا" .

                                                                                                                              قال في النيل : فيه الزجر عن معارضة الأمراء ومغاضبتهم ، والشماتة بهم . للأدلة الدالة على وجوب طاعتهم ، في غير معصية الله .

                                                                                                                              (إنما مثلكم ومثلهم ، كمثل رجل استرعي إبلا؟ أو غنما فرعاها .

                                                                                                                              ثم تحين سقيها ، فأوردها حوضا ، فشرعت فيه ، وشربت صفوه [ ص: 13 ] وتركت كدره . فصفوه لكم) يعني : الرعية . (وكدره عليهم) يعني : على الأمراء .

                                                                                                                              قال أهل اللغة : " الصفو " هنا بفتح الصاد لا غير . وهو الخالص . فإذا ألحقوه الهاء ، فقالوا : " الصفوة " ، كانت الصاد مضمومة ، ومفتوحة ، ومكسورة . ثلاث لغات .

                                                                                                                              ومعنى الحديث : أن الرعية يأخذون صفو الأمور ، فتصلهم أعطياتهم بغير نكد. وتبتلى الولاة بمقاساة الأمور ، وجمع الأموال على وجوهها وصرفها في وجوهها ، وحفظ الرعية ، والشفقة عليهم ، والذب عنهم ، وإنصاف بعضهم من بعض . ثم متى وقع علقة أو عتب في بعض ذلك ، توجه على الأمراء دون الناس .




                                                                                                                              الخدمات العلمية