الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1624 (باب في من قتل نفسه)

                                                                                                                              وذكره النووي في: (كتاب الجنائز) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 47 ج7 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن جابر بن سمرة قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه .]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن جابر بن سمرة ) رضي الله عنه و (قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص) .

                                                                                                                              سهام عراض، واحدها: "مشقص"، بكسر الميم وفتح القاف.

                                                                                                                              (فلم يصل عليه) .

                                                                                                                              فيه: دليل لمن يقول: لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه.

                                                                                                                              قال النووي : وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز، والأوزاعي .

                                                                                                                              [ ص: 355 ] وقال الحسن، والنخعي، وقتادة، ومالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وجماهير العلماء: يصلى عليه.

                                                                                                                              وأجابوا عن هذا الحديث: بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه، زجرا للناس عن مثل فعله، وصلت عليه الصحابة.

                                                                                                                              وهذا، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في أول الأمر، على من عليه دين، زجرا لهم عن التساهل في الاستدانة، وعن إهمال وفائه، وأمر أصحابه بالصلاة عليه، فقال: "صلوا على صاحبكم".

                                                                                                                              قال عياض : مذهب العلماء كافة: الصلاة على كل مسلم، ومحدود، ومرجوم، وقاتل نفسه، وولد الزنا.

                                                                                                                              وعن مالك، وغيره: أن الإمام يجتنب الصلاة على مقتول في حد، وأن أهل الفضل لا يصلون على الفساق، زجرا لهم.

                                                                                                                              وعن الزهري : لا يصلى على مرجوم، ويصلى على المقتول في قصاص.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : لا يصلى على محارب، ولا على قتيل الفئة الباغية. وقال قتادة: "لا يصلى على ولد الزنا.

                                                                                                                              وعن الحسن: "لا يصلى على النفساء تموت من زنا، ولا على ولدها".

                                                                                                                              ومنع بعض السلف الصلاة على الطفل الصغير .

                                                                                                                              واختلفوا في الصلاة على القط، فقال بها فقهاء المحدثين، وبعض السلف، إذا مضى عليه أربعة أشهر.

                                                                                                                              [ ص: 356 ] ومنعها جمهور الفقهاء حتى يستهل. وتعرف حياته بغير ذلك.

                                                                                                                              وأما الشهيد المقتول في حرب الكفار؛ فقال مالك، والشافعي، والجمهور: لا يغسل، ولا يصلى عليه.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : لا يغسل، ويصلى عليه.

                                                                                                                              وعن الحسن : يغسل ويصلى عليه.

                                                                                                                              هذا كلام النووي . وفي هذا التفصيل الذي ذكره رطب، ويابس جدا.

                                                                                                                              والذي دلت عليه الأدلة الصحيحة، الثابتة المحكمة:

                                                                                                                              أن لا يصلى على الغال، لامتناعه صلى الله عليه وسلم غزاة خيبر من الصلاة عليه، كما أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة .

                                                                                                                              ولا على قاتل النفس، لحديث الباب، وهو عند أهل السنن أيضا.

                                                                                                                              ولا على الكافر، وذلك هو المعلوم منه صلى الله عليه وسلم، فإنه لم ينقل عنه أنه صلى على كافر.

                                                                                                                              وقد صرح بذلك الكتاب العزيز؛ قال تعالى:

                                                                                                                              ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره .

                                                                                                                              ولا على الشهيد؛ لحديث جابر في الصحيح: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد، وأخرجه أيضا أهل السنن.

                                                                                                                              وقد أطال الشوكاني الكلام على هذا، في "شرح المنتقى"، وسرد الروايات [ ص: 357 ] المختلفة، واختلاف أهل العلم في ذلك. فليرجع إليه، فإن المقام من المعارك.

                                                                                                                              وقال في "السيل الجرار": الصلاة على الأموات شريعة ثابتة، ثبوت أوضح من شمس النهار.

                                                                                                                              فلم يترك الصلاة في أيام النبوة، ولا في غيرها، على فرد من أفراد أموات المسلمين، إلا من عليه دين لا قضاء له، وعلى الذي قتل نفسه للزجر.

                                                                                                                              فلا يلحق بذلك غيره من أهل المعاصي، فإنهم من جملة المسلمين، وممن يدخلون تحت ما شرعه الله تعالى لعباده: أحياء وأمواتا.

                                                                                                                              وهم أحق بالشفاعة من المسلمين، بصلاتهم عليهم.

                                                                                                                              وتخصيص الصلاة بالمؤمنين، من التحجر لواسع الرحمة الواسعة، وللتفضل الرباني.

                                                                                                                              وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى على ماعز، والغامدية.

                                                                                                                              وقال أحمد : إن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك الصلاة على أحد؛ إلا على الغال، وقاتل نفسه. انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية