الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فأما معرفة الله تعالى وصفاته وأفعاله وجميع ما أشرنا إليه في علم المكاشفة فيحصل من علم الكلام بل يكاد أن يكون الكلام حجابا عليه ومانعا عنه وإنما الوصول إليه بالمجاهدة التي جعلها الله سبحانه مقدمة للهداية حيث قال تعالى : والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين .

التالي السابق


(فأما معرفة الله تعالى وصفاته وأفعاله وجميع ما أشرنا إليه في علم المكاشفة فلا يحصل من الكلام) ولا يثمره (بل يكاد يكون الكلام حجابا عليه وصادا عنه) فلا يتجاوز عن الحد الذي هو فيه (وإنما الوصول إليه المجاهدة) وهي مدافعة النفس والشيطان باستفراغ الوسع فيها (التي جعلها الله سبحانه وتعالى مقدمة الهداية) الحقيقية (حيث قال والذين جاهدوا فينا) أي لأجلنا أي لا للرياء والسمعة أو غيرهما (لنهدينهم سبلنا) أي: لنرشدنهم إليها وهو إشارة إلى مجاهدة النفس والشيطان وهو أصعب وأشق ويعبر عنها بالجهاد الأكبر، فإن مراجعة النفس ومقاتلتها أصعب من قتال العدو .

وقال المصنف في الإملاء في الرد على من أنكر عليه هذا القول وهو أن أئمة الكلام في الاعتقاد مع العوام سواء وإنما فارقوهم في حراسة عقائدهم ونصه: ما رأيت في الإحياء صحيح ولكن بقي في كشفه أمر لا يخفى عن المستبصرين ولا يغيب عن الشاردين إذا كانوا منصفين وهو أن المتكلمين من حيث صناعة الكلام فقط، لم يفارقوا عقائد العوام وإنما حرسوها بالجدل عن الانخرام إذ الكلام والجدل علم لفظي وأكثره احتمال وهمي وهو عمل النفس وتخليق الفهم وليس بشدة المشاهدة والكشف ولهذا كان فيه السمين والغث وشاع في حال انتضاله إيراد القطعي وما هو في حكمه من غلبة الظن، وإبداء الصحيح، وإلزام مذهب الخصم والمقام المشار إليه بالذكر وشبهه إنما هو علم الوجود وفهم الأحوال ومعرفة اليقين التام والعلم المضارع للضروري بأن لا إله إلا الله ولا فاعل غيره ولا حاكم سواه ومشاهدته بالقلوب لما حجبه عن العيون ومن أين للنازل طي المنازل، ولعلم الكلام مثل هذا المقام بل هو في خدام الشرع وحراس نواحيه من أهل الاختلاس والقطع وله بركة على قدره ونفع ولكن شتان بين مطالع الأنوار ومدارك الاستبصار، والمراد في أوقات الضرورات والاختيار وبين ما يراد لوقت حاجته إن عنت وخصام صاحب بدعة ومناضلة سخيف ذي صلالة مما ينغص على ذي اليقين العيش، ويشغل الذهن ويكدر النفس، وأما أهله الذين حفظ عنهم ذلك لا تقول في أكثرهم أنهم لا يختصون في التوحيد بمقام سواه مما هو أعلى منه بل الظن بهم أنهم علماء بمثل ما ذكرنا، لكنهم لم يعد لهم العلم في الظاهر إلا ما كانت الحاجة إليه أمس، والمصلحة لتوجه الضرورة أعم وآكد، حين ظهر في وقتهم من الأهواء والبدع، فإن ذلك كان أولى بهم من الاشتغال بفقه الأرواح والنفوس فإن هذه وإن كانت أهنى فذلك من علم الخواص وهم مكفون المؤنة، والعامة أحق بالحفظ وعقائدهم أولى بالحراسة، ثم قال: ولقد كانت رعاية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحال الجماهير أكثر والخوف عليهم من الزيغ والهلاك أشد واللطف في تخفيف الوظائف والأخذ بالرفق أبلغ، وكان يكل أهل القوة وذوي البصائر بالحقائق إلى ما كانوا يأخذون به أنفسهم، ثم قال: ومع ذلك فالذي حفظ عنه -صلى الله عليه وسلم- وعن أصحابه من بعده وفقهاء الأمصار وأعيان المتكلمين من الإشارات بتلك العلوم المذكورة كثير لا يحصى، وإنما القليل من حمله اليوم عنهم وتفقه فيه مثلهم، فابحث تجد، وتصد لاقتباس المعارف تعلم، وطالع كتب الحديث والتاريخ ومصنفات العلوم توقن، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، وما يذكر إلا ألو الألباب .




الخدمات العلمية