الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما الآثار فقد قال عمر رضي الله عنه إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة المنافق العليم ، قالوا وكيف يكون منافقا عليما قال عليم اللسان جاهل القلب والعمل .

وقال الحسن رحمه الله لا تكن ممن يجمع علم العلماء وطرائف الحكماء ويجري في العمل مجرى السفهاء .

وقال رجل لأبي هريرة رضي الله عنه أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه فقال : كفى بترك العلم إضاعة له .

وقيل لإبراهيم بن عتبة أي الناس أطول ندما قال أما في عاجل الدنيا فصانع المعروف إلى من لا يشكره وأما عند الموت فعالم مفرط .

وقال الخليل بن أحمد الرجال أربعة رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك عالم فاتبعوه ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك نائم فأيقظوه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذلك مسترشد فأرشدوه ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه .

وقال سفيان الثوري رحمه الله يهتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل .

وقال ابن المبارك لا يزال المرء عالما ما طلب العلم فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل .

وقال الفضيل بن عياض رحمه الله إني لأرحم ثلاثة: عزيز قوم ذل وغني قوم افتقر وعالما تلعب به الدنيا .

وقال الحسن: عقوبة العلماء موت القلب، وموت القلب طلب الدنيا بعمل الآخرة وأنشدوا .


عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى ومن يشتري دنياه بالدين أعجب     وأعجب من هذين من باع دينه
بدنيا سواه فهو من ذين أعجب

وقال صلى الله عليه وسلم : إن العالم ليعذب عذابا يطيف به أهل النار استعظاما لشدة عذابه أراد به العالم الفاجر .

وقال أسامة بن زيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يؤتى بالعالم يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فيطيف به أهل النار فيقولون ما لك فيقول : كنت آمر بالخير ولا آتيه وأنهى عن الشر وآتيه وإنما يضاعف عذاب العالم في معصيته ; لأنه عصى من علم ، ولذلك قال الله عز وجل إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار لأنهم جحدوا بعد العلم وجعل اليهود شرا من النصارى مع أنهم ما جعلوا لله سبحانه ولدا ولا قالوا إنه ثالث ثلاثة إلا أنهم أنكروا بعد المعرفة إذ قال الله يعرفونه كما يعرفون أبناءهم .

وقال تعالى : فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين وقال تعالى في قصة بلعام بن باعوراء واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين حتى قال فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث

التالي السابق


( وأما الآثار فقد قال عمر) بن الخطاب ( رضي الله عنه إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة المنافق العليم، قالوا كيف يكون منافقا عليما قال عليم اللسان جاهل القلب والعمل) اتخذ العلم حرفة يتأكل بها وهيئة وأبهة يتعزز بها يدعو الناس إلى الله ويفر هو منه ويستقبح عيب غيره، ويفعل ما هو أقبح منه ويظهر للناس النسك والتعبد ويسارر ربه بالعظائم ذئب من الذئاب لكن عليه ثياب فهذا هو الذي حذر منه الشارع صلى الله عليه وسلم حذرا من أن يخطفك بحلاوة لسانه ويحرقك بنار عصيانه ويقتلك بفتن باطنه وجنانه، وقال الطيبي أضاف أفعل إلى ما وهي نكرة موصوفة ليدل على أنه إذا استقصى الأشياء المخوفة لم يوجد أخوف منه قال العراقي: وهذا الذي ذكره أثرا فقد ذكره أحمد مرفوعا من حديث عمر بإسناد صحيح من رواية أبي عثمان النهدي، قال إني لجالس تحت منبر عمر بن الخطاب وهو يخطب الناس، فقال في خطبته: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة كل منافق عليم اللسان.

قلت: وهذا قد أخرجه ابن عساكر في تاريخه من رواية مالك بن دينار عن ميمون الكردي عن أبي عثمان النهدي قال: خطبنا عمر بن الخطاب قال: حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل منافق عليم اهـ .

ثم قال العراقي: وصح أيضا من حديث عمران بن حصين رواه الطبراني من رواية عبد الله بن بريدة عنه رفعه إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان اهـ .

قلت: وبمثل رواية أحمد رواه أيضا البزار وأبو يعلى قال المنذري رواتهم محتج بهم في الصحيح وقال الهيثمي رجاله موثقون في بعض نسخ المسند على أمتي بدل هذه الأمة وفي القوت وعن عمرو وروينا مسندا أيضا اتقوا كل منافق عليم اللسان يقول ما تعرفون ويعمل ما تنكرون وكان المصنف لم ينظر إلى قوله: وروينا مسندا أيضا تقوية لجانب الموقوف وسيأتي عن الدارقطني أنه قال الموقوف أشبه بالصواب ( وقال) أبو محمد ( الحسن) بن سعيد البصري ( لا تكن ممن يجمع علم العلماء وطرائف الحكماء ويجري في العمل مجرى السفهاء) أي: ممن عمله يخالف قوله فإنه عين الهلاك .

( وقال رجل لأبي هريرة) رضي الله عنه ( أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه فقال: كفى يترك العلم إضاعة له) هذا موقوف على أبي هريرة رضي الله عنه ويعضد ما يروى عن الأعمش معضلا آفة العلم النسيان وإضاعته أن تحدث به غير أهله أخرجه الدارمي في مسنده والعسكري في الأمثال وابن عدي من عدة طرق، ويروى عن علي مرفوعا: آفة العلم النسيان، أخرجه الدارقطني في مسنده وابن عدي في الكامل .

ويروى ذلك عن ابن مسعود أيضا موقوفا أشار له البيهقي في المدخل والنسيان ترك ضبط ما استودع ( وقيل لإبراهيم بن عتبة) أحد الزهاد ( أي الناس أطول ندما قال أما في عاجل الدنيا فصانع المعروف إلى من لا يشكره) أي: لا يجازيه على معروفه ولو بالثناء ( وأما عند الموت فعالم مفرط) أي: الذي فرط في نفسه في عدم عمله لما علمه ( وقال) إمام النحو واللغة ( الخليل بن أحمد) بن عبد الرحمن الفراهيدي البصري شيخ العربية والعروض أحد الأعلام، روى عن أيوب وعاصم الأحول والعوام بن حوشب وغالب القطان وجماعة وعند سيبويه والأصمعي والنضر بن شميل وهارون بن موسى ووهب بن [ ص: 353 ] جرير وعلي بن نصر الجهضمي وكان رأسا في علم اللسان خيرا متواضعا ذا زهد وعفاف ولد سنة مائة وتوفي سنة سبعين ومائة وقيل: ستين وقيل خمس وسبعين وقيل غير ذلك، كذا في تاريخ الذهبي ( الرجال أربعة رجل يدري ويدري أنه يدري) المراد به العامل بعلمه فإنه إذا درى أنه عالم لزمه اتباع علمه ضرورة ( فذلك عالم) حقا ( فاتبعوه) واستفيدوا منه ( ورجل يدري) في نفس الأمر ( ولا يدري أنه يدري) بل شبه عليه (فذلك نائم) أي: جاهل جهلا بسيطا ( فذلك مسترشد) أي: طالب الرشد ( فعلموه ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل) جهلا مركبا ( فارفضوه) أي: اتركوه وتحقيق هذا المقام ما أورده أبو القاسم الراغب في كتاب الذريعة ما لفظه وأما التقصير فأربعة أشياء الأول أن يكون إنسانا لا يعرف الحق من الباطل والجميل من القبيح فيقي غفلا ودواؤه سهل وهو التعليم الصائب .

الثاني أن يكون من قد عرف ذلك لكن لم يتعوذ فعل الصالح وزين له سوء عمله فرآه حسنا فتعاطاه وأمره أصعب من الأول لكن يمكن أن يقهر على العادة الجميلة حتى يتعودها وإن كان قد قيل ترك العادة شديد .

والثالث أن يعتقد في الباطل والقبيح أنه حق وجميل فتربى على ذلك ومداواة ذلك أصعب جدا فقد صار ممن طبع على قلبه إذ قد ينقش بنقش خسيس ككاغد كتب فيه ما يؤدي حذفه إلى خرقه وفساده والرابع، أن يكون مع جهله وتربيه على الفساد شديدا في نفسه يرى الخلاف وقهر النفس فضيلة وذلك أصعب الوجوه وإلى نحوه قصد من قال من التعذيب تأديب الذيب ليتهذب وغسل المسح ليتبيض فالأول من هؤلاء الأربعة يقال له جاهل والثاني يقال له جاهل وضال والثالث: يقال له جاهل وضال وفاسق والرابع يقال له جاهل وضال وفاسق وشديد ( وقال) سفيان بن سعيد ( الثوري) رحمه الله ( يهتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل) وعزاه صاحب القوت إلى سهل التستري وأورده الخطيب في كتاب الاقتضاء من وجهين الأول من طريق الحارث بن عبد الله قال سمعت ابن أبي ذئب يحدث عن ابن المنكدر قال العلم يهتف بالعمل مثل لفظ الثوري والثاني من طريق أبي الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز التميمي عن آبائه مسلسلا بالسماع عن علي رضي الله عنه قال هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل قال الخطيب: عدد الآباء تسعة ( وقال) أبو عبد الرحمن عبد الله ( ابن المبارك) بن واضح المروزي تقدمت ترجمته ( لا يزال المرء عالما ما طلب العلم فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل) ووجهه أنه إذا ظن في نفسه أنه صار عالما كسل عن طلب العلم وهو عمل فانقطع عن العمل فصار علمه منفكا عن العمل وهذا جهل .

( وقال) الإمام الزاهد أبو علي ( الفضيل) بن عياض بن منصور بن بشر التميمي المروزي المكي، روى عن الأعمش وابن المعتمر أدرك أنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه ما ومنهم عطاء بن السائب وحصين بن عبد الرحمن ومسلم الأعور وأبان بن أبي عياش وكلهم أدركوا أنس بن مالك روى عنه الأئمة الثوري وابن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي والحسين بن علي الجعفي، ومؤمل بن إسماعيل، وعبد الله بن وهب المصري وأسد بن موسى، وثابت بن محمد العابد ومسدد ويحيى بن يحيى النيسابوري وقتيبة بن سعيد في أشكالهم ونظرائهم وترجمته في الحلية طويلة .

وفي تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر ثقة عابد إمام مات سنة سبع وثمانين ومائة وقيل: قبلها بمكة وقبره بالمعلى مشهور خرج حديثه الجماعة، ما عدا ابن ماجه ( إني لأرحم ثلاثة عزيز قوم ذل وغنيا افتقر وعالما تلعب به الدنيا) وهذا قد روي مرفوعا من حديث ابن عباس وأنس وأبي هريرة أما حديث ابن عباس، فأخرجه ابن عدي من طريق وهب بن وهب عن ابن جريج عن عطاء عنه، ولفظه: ارحموا ثلاثة عزيز قوم ذل، وغني قوم افتقر وعالما يتلاعب به الصبيان.

وأما حديث أنس فأخرجه الخطيب من طريق سمعان بن مهدي عنه ولفظه ارحموا ثلاثة غني قوم افتقر وعزيز قوم ذل وفقيها يتلاعب به الجهال وأخرج ابن حبان من طريق عيسى بن طهمان عنه ولفظه مثل الأول إلا أنه قال وعالما بين جهال وقد حكم ابن الجوزي على هذه الأحاديث بالوضع فقال: وهب كذاب وسمعان مجهول وعيسى [ ص: 354 ] ينفرد بالمناكير عن المشاهير ولا يحتج به، وإنما يعرف هذا من قول الفضيل بن عياض اهـ .

وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الديلمي من طريق ابن علية عن أيوب عن الحسن عنه ولفظه بكت السماوات السبع ومن فيهن ومن عليهن لعزيز ذل وغني افتقر وعالم تلعب به الجهال هكذا أورده السيوطي في اللآلئ المصنوعة وهو شاهد قوي لما تقدم، وإسناده جيد ( وأنشد وافي) هذا ( المعنى لبعض الشعراء) :

( عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى ومن يشتري دنياه بالدين أعجب )

والابتياع هو الشراء وأشار صاحب هذا القول إلى عالم السوء الذي يأكل دينه بدنياه ( وقال صلى الله عليه وسلم: إن العالم ليعذب عذابا يطيف به أهل النار استعظاما لشدة عذابه) قال العراقي: لم أجده بهذا اللفظ وهو بمعنى حديث أسامة بن زيد الآتي بعده ( أراد به العالم الفاجر) أي: أن اللام في العالم ليست للجنس وإنما هي للعهد ( وقال أسامة بن زيد) بن حارثة بن شراحيل الكلبي الأمير أبو محمد وأبو زيد حب رسول الله وابن حب رسول الله صحابي مشهور مات سنة أربع وخمسين وهو ابن خمس وسبعين ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يؤتى بالعالم يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فيطيف به أهل النار فيقولون ما لك فيقول: كنت آمر بالخير ولا آتيه وأنهى عن الشر وآتيه) .

وفي بعض النسخ بعد قوله: أقتابه يعني أمعاءه وهو مدرج من الراوي، قال العراقي: أخرجه البخاري ومسلم من رواية أبي وائل شقيق بن سلمة عن أسامة بن زيد واللفظ لمسلم، إلا أنه قال: "يؤتى بالرجل وقال أقتاب بطنه، وقال فيجتمع إليه الناس فيقولون: يا فلان، ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول: كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه، ولفظ البخاري: يجاء برجل فيطرح في النار فيطحن بها كما يطحن الحمار برحاه فيطيف به أهل النار فيقولون أي فلان، ألست كنت تأمر بالمعروف فذكره، إلا أنه قال: ولا أفعله، وقال: وأفعله، وفي رواية لأحمد في مسنده: فيقولون ما لك يا فلان؟ ما أصابك؟" وفي رواية له: "يؤتى بالرجل الذي يطاع في معاصي الله الحديث وفيه فيقول: كنت آمركم بأمر وأخالفكم إلى غيره" اهـ .

قلت: وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أسامة بن زيد يجاء بالأمير يوم القيامة فيلقى في النار فيطحن فيها كما يطحن الحمار بطاحونته فيقال له ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر قال: بلى، ولكن لم أكن لأفعله كذا في الذيل للسيوطي، وأخرج أبو نعيم في ترجمة الشعبي من الحلية من طريق سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: يشرف قوم دخلوا الجنة على قوم دخلوا النار فيقولون: ما لكم في النار؟ وإنما كنا نعمل بما تعلموننا فيقولون إنما نعلمكم ولا نعمل به .

وأخرج في ترجمة منصور بن زاذان بسنده إليه قال نبئت أن بعض من يلقى في النار يتأذى أهل النار بريحه فيقال له، ويلك ما كنت تعمل أما يكفينا ما نحن فيه من النتن حتى ابتلينا بك وبنتن ريحك فيقول: كنت عالما لم أنتفع بعلمي ( وإنما يضاعف عذاب العالم في معصيته; لأنه عصى عن علم، ولذلك قال) الله ( عز وجل) في كتابه العزيز ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) قال صاحب القاموس في البصائر الدرك اسم في مقابلة الدرج وبمعنى أن الدرج مراتب باعتبار الصعود والدرك مراتب باعتبار الهبوط ولهذا عبروا عن منازل الجنة بالدرجات، وعن منازل جهنم بالدركات، وقول الله تعالى السابق قرأ الكوفيون غير الأعمش والبرجمي بسكون الراء والباقون بفتحها; ( لأنهم جحدوا) أي: أنكروا ( بعد العلم) والمعرفة ( وجعل اليهود شرا من النصارى مع أنهم ما جعلوا لله سبحانه ولدا) أي: أكثرهم ولو أنه قال بعضهم في عزير: هو ابن الله، لما رأوه حفظ التوراة عن ظهر قلبه، ( ولا قالوا ثالث ثلاثة) وهذا القول خاصة للنصارى، ( ولكن أنكروا) النبي صلى الله عليه وسلم ( بعد المعرفة إذ قال تعالى يعرفونه) أي: النبي صلى الله عليه وسلم ( كما يعرفون أبناءهم) أي: غاية المعرفة ( وقال عز وجل: فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) وقد تقدم للمصنف أن من لم ينفعه علمه لا ينجو به رأسا برأس [ ص: 355 ] هيهات فخطره عظيم ووباله جسيم ( وقال تعالى في) حق ( بلعم بن باعوراء) ابن برم بن برهم بن مازر بن هاران بن تارح بن ناحور بن سروع بن أرغو ابن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام من عشيرة سيدنا لوط بن هاران عليه السلام، ونقل السهيلي عن ابن عباس ومجاهد، هو بلعم بن باعوراء ويقال: بلعام وأصله من بني إسرائيل اهـ .

وقال محمد بن علي الأوسي في كتابه التكميل لتعريف السهيلي الأظهر أنه لم يكن من بني إسرائيل، وحكى المسعودي في نسبه أنه بلعام بن باعور بن سموم بن فرستم بن ماب بن لوط بن هاران وكان بقرية من قرى البلقاء من بلاد الشام، وقال الأوسي، ويقال فيه بلعام بن عابر ويقال: آبر وسيأتي للمصنف في أثناء هذا الكتاب وسمعت بعض العلماء يقول: إنه كان في أول أمره بحيث يكون في مجلسه اثنا عشر ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه العلم، ثم صار بحيث كان أول ما صنف كتابا أن ليس للعالم صانع نعوذ بالله من ذلك، وذلك بميله إلى الدنيا واتباعه للهوى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى .

( واتل عليهم ) أي: على اليهود ( نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ) أي: من الآيات بأن كفر بها أو أعرض عنها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، وهذا الذي ذهب إليه المصنف أنه في حق بلعم المذكور هو قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما .

ويروى عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن الآية نزلت في أمية بن أبي الصلت الثقفي، وكان قد قرأ التوراة والإنجيل في الجاهلية، وكان يعلم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، قبل بعثته فطمع أن يكون هو فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرفت النبوة عن أمية حسد وكفر ( حتى قال) بعد قوله: ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه ( فمثله ) أي: صفته التي هي مثل في الخسة ( كمثل الكلب ) كصفته في أخس أحواله ( إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ) ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون .




الخدمات العلمية