الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم .

أحمد الله أولا حمدا كثيرا متواليا وإن كان يتضاءل دون حق جلاله حمد الحامدين وأصلي وأسلم على رسله ثانيا صلاة تستغرق مع سيد البشر سائر المرسلين وأستخيره تعالى ثالثا فيما انبعث عزمي من تحرير كتاب في إحياء علوم الدين وأنتدب لقطع تعجبك رابعا أيها العاذل المتغالي في العذل من بين زمرة الجاحدين المسرف في التقريع والإنكار من بين طبقات المنكرين الغافلين .

فلقد حل عن لساني عقدة الصمت وطوقني عهدة الكلام وقلادة النطق ما أنت مثابر عليه من العمى عن جلية الحق مع اللجاج في نصرة الباطل وتحسين الجهل

التالي السابق


قال المصنف رحمه الله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم، أحمد الله تعالى) :

اعلم أنهم ذكروا أن من الواجب على كل مصنف كتاب ثلاثة أشياء، وهي: البسملة والحمدلة والصلاة، ومن الطرق الجائزة أربعة أشياء: وهي مدح الفن، وذكر الباعث، وتسمية الكتاب، وبيان كيفية الكتاب من التبويب والتفصيل، فهي سبعة أشياء:

أما البسملة والحمدلة فإن كتاب الله مفتوح بهما؛ ولقوله -صلى الله عليه وسلم- "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله، وببسم الله الرحمن الرحيم أقطع" رواه الحافظ عبد القادر بن محمد الرهاوي في أربعينه، وقوله عليه السلام: "كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم" رواه أبو داود والنسائي، وفي رواية ابن ماجه: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد أقطع" ورواه ابن حبان، وأبو عوانة في صحيحيهما، وقال ابن الصلاح: هذا حديث حسن بل صحيح .

وأما الصلاة فلأن ذكره -صلى الله عليه وسلم- مقرون بذكره تعالى؛ ولهذا قال مجاهد في تفسير قوله تعالى: [ ص: 54 ] ورفعنا لك ذكرك لا أذكر إلا ذكرت .

ومعنى البسملة: أي باستعانة المعبود بالحق، الواجب الوجود المطلق، المبدع للعالم، أصنف هذا الكتاب إجمالا، وأؤلف بين كل باب وباب تفصيلا، وفي تأخير المتعلق إيماء لإفادة الاختصاص، وإشعار باستحقاق تقديم ذكر اسمه الخاص، والابتداء بالبسملة حقيقي، وبالحمدلة إضافي، وكل حقيقي إضافي، ولا عكس، فبينهما عموم وخصوص مطلق؛ إذ الحقيقي ما لم يسبق بشيء أصلا، والإضافي ما تقدم أمام المقصود سبق بشيء أم لا، ثم الحمد لغوي وعرفي .

فالأول: هو الوصف بفضيلة على فضيلة على جهة التعظيم باللسان فقط .

والثاني: فعل يشعر بتعظيم المنعم لكونه منعما هبه فعل اللسان أو الأركان أو الجنان، فهو ينقسم إلى قولي وفعلي وحالي .

فالقولي: حمد اللسان وثناؤه على الحق بما أثنى به على نفسه على لسان أنبيائه ورسله .

والفعلي: الإتيان بالأعمال البدنية ابتغاء لوجه الله .

والحالي: ما يكون بحسب الروح والقلب كاعتقاد الاتصاف بالكمالات العلمية والعملية، والتخلق بالأخلاق الإلهية .

والشكر اللغوي: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب الإنعام، سواء كان ذكرا أو اعتقادا أو محبة بالجنان، أو عملا وخدمة بالأركان .

والعرفي: صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه من السمع والبصر وغيرهما لما خلق له .

وآثر الجملة الإنشائية على الخبرية لكونها لدلالتها على الحدوث والتجدد تقتضي الأثوبة والحسنات المنظور إليها في الأعمال .

قال ابن الهمام في بعض رسائله: لو كان الحمد خبرا محضا لما لاق وحسن تكراره في مجلس واحد; لأن من كرر خبرا واحدا في مجلس عد أحمق ناقص الغريزة، وقد علم من السنة الشريفة الترغيب في تكرير الحمد والتكبير وغيرهما من الكلمات الصالحات، فيناسب ذلك كله الإنشاء لا الإخبار; إذ في الإنشاء تجديد ومغايرات للكلمات يقتضي بحسبها تعدد الأثوبة والحسنات؛ ولهذا نقل الشرع كثيرا من الكلمات اللغوية، كالصلاة والزكاة وغير ذلك إلى معان أخر غير ما وضعت له في اللغة، فإن الصلاة مثلا وضعت للدعاء فقط، وقد وضعها الشارع للأفعال المخصوصة مما يدل عليه التجديدات العملية الشرعية، فيكون الحمد كذلك فكان من باب الإنشاء. فمن قال: خبر، قصر نظره على اللغة، ومن قال: إنشاء نظر إلى الشرع، فكان لفظيا. اهـ. وجملة "تعالى" فعلية معترضة .

(أولا) هو نقيض الآخر، وأصله أوأل على وزن أفعل، مهموز الأوسط، قلبت الهمزة واوا، وأدغم، يدل على ذلك قولهم: هذا أول منك، والجمع الأوائل والأوالي، أيضا على القلب، وقال قوم: أصله وول على فوعل، فقلبت الواو الأولى همزة، وإنما لم يجمع على أواول لاستثقالهم اجتماع الواوين بينهما ألف الجمع، وانتصاب أولا، وكذا ثانيا وثالثا ورابعا على الظرفية .

وأما التنوين في أولا مع أنه أفعل التفضيل بدليل الأولى والأوائل كالفضلى والأفاضل فلأنه هنا ظرف بمعنى قبل، وهو حينئذ منصرف لا وصفية له أصلا، وهذا معنى ما قاله الجوهري في الصحاح إذا جعلته صفة لم تصرفه، تقول: لقيته عام أول، وإذا لم تجعله صفة صرفته، تقول لقيته عاما أولا ومعناه في الأول: أول من هذا العام، وفي الثاني: قبل هذا العام، أشار لذلك السعد في أوائل التلويح .

وقد نظر فيه بعضهم فقال: يصير صفة أيضا، وإنما معناه على الثاني: أول هذا العام، على أن يكون منصوبا على الظرفية بدلا منه، فتكون الملاقاة في جزء أول من هذا العام بخلاف المعنى الأول .

(حمدا كثيرا متواليا) أي متتابعا في كل آن، ليس بين كل من أفراده ما ليس منه (وإن كان يتضاءل) أي يتصاغر، من ضئل كفرح إذا لصق بالأرض من حقارة، وفي الحديث: "إن العرش على منكب إسرافيل، وإنه ليتضاءل من خشية الله حتى يصير مثل الوصع" أي: يتصاغر ويدق تواضعا، قاله ابن الأثير.

(دون حق جلاله) أي: ما يليق من عظمته وكبريائه (حمد الحامدين) ولو بلغوا إلى أقصى مراتب الحمد .

(وأصلي على رسوله) لما كان أجل النعم الواصلة إلى العبد، هو دين الإسلام، وبه التوصل إلى النعيم الدائم في دار السلام، وذلك بتوسط رسله -عليهم الصلاة والسلام- وجب إرداف الصلاة والسلام عليه بعد الحمد، والصلاة من الله لعباده تزكية لهم، وبركته عليهم، ومن الملائكة استغفار، ومن الناس الدعاء .

وأصل الرسل الانبعاث على تؤدة، ومنه: ناقة رسله، أي: سهلة الانقياد، وإبل مراسيل، ويصدر منه تارة الرفق، وتارة الانبعاث، ومنه اشتق [ ص: 55 ] الرسول والجمع رسل بضمتين .

ويطلق الرسول تارة على المتحمل بالرسالة، وتارة على القول المتحمل، وتارة يطابق ما يراد به، وتارة يفرد وإن أريد به غير الواحد، وقد يراد بالرسل الملائكة، وفي الاصطلاح: إنسان بعثه الله لتبليغ الأحكام .

(ثانيا) منصوب على الظرفية كما تقدم (صلاة تستغرق) أي: تعم، فالسين ليست للطلب (مع) للمصاحبة، واختلف في كونه اسما أو حرف خفض، وقيل: إن "مع" المتحركة تكون اسما وحرفا، وساكنة العين حرف لا غير، وأنشد سيبويه:


وريشي منكم وهواي معكم وإن كانت زيارتكم لماما

وحكى الكسائي عن ربيعة أنهم يسكنون العين في مع، فيقولون: معكم، ومعنا، فإذا جاء الألف واللام، أو ألف الوصل اختلفوا فيها، فبعضهم يفتح العين، وبعضهم يكسرها، فيقولون: مع القوم ومع ابنك، وبعضهم يقول: مع القوم، ومع ابنك .

قال: وكلام عامة العرب بفتح العين مع ألف الوصل، وأما من سكن فقال: معكم كسر عند ألف الوصل; لأنه أخرجه مخرج الأدوات، مثل: هل وبل وقد وكم، فقال: مع القوم، كقولك: كم القوم، وقد ينون فيقال: جاؤوا معا، نقله الأزهري في التهذيب .

وقال الراغب والسمين: مع تقتضي الاجتماع، إما في المكان، نحو: هما معا في الدار، أو في الزمان، نحو: ولدا معا، أو في المعنى كالمتضايفين، نحو: الأخ مع الأخ، كأن أحدهما صار أخا للآخر في حال ما صار الآخر أخاه، وإما في الشرف والرتبة، نحو: هما معا في العلو، وتقتضي معنى النصرة، فإن المضاف إليه لفظ مع هو المنصور، نحو قوله تعالى: إن الله معنا و إن معي ربي سيهدين ونظائر ذلك. اهـ .

والمراد هنا معية الشرف والرتبة، ولا يلزم منه التساوي في سائر وجوه الشرف، كما لا يخفى على المتأمل .

(سيد البشر) : هو نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ثبتت سيادته على البشر بنص الكتاب، وبقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري في صحيحه: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة" وعبر عن عالم الإنسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده من الشعر بخلاف الحيوان الذي عليه نحو صوف ووبر .

(سائر المرسلين) : جميعهم، أو باقيهم، على اختلاف مشهور في اشتقاقه .

ثم إني رأيت سياق هذه العبارة التي أتى بها المصنف في جملة الحمد والصلاة في أول الجزء الرابع من تجريد الصحاح لأبي الحسن رزين بن معاوية العبدري، فقال ما نصه: أحمد الله حمدا يتضاءل دون بلوغ مداه حمد الحامدين، وأصلي على سيدنا محمد نبيه ورسوله، وخيرته من خلقه، صلاة تعم مع سيد البشر جميع الملائكة والنبيين والمرسلين، صلاة الله عليه وسلم وعليهم أجمعين، وعلى آله وأصحابه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. اهـ .

فلعل ذلك من وقع الحافر على الحافر، وتوارد الخاطر على الخاطر .

(وأستخيره سبحانه) : أي أطلب منه الخيرة، فالسين والتاء للطلب، وهو أصل هذا الباب، إلا ما شذ كاستخرج واستحجر واستحلاه فإنه في الأول بمعنى خرج، وفي الثاني بمعنى الصيرورة، وفي الثالث بمعنى الوجدان، وأتى بصيغة المضارع اتباعا للجملتين السابقتين ليكن على نسق واحد، وكذا الحكم فيما بعدها مع الإشارة إلى شدة الاستحضار في الذهن، ثم الاستخارة مطلوبة شرعا، وقد ورد فيها أحاديث، سيأتي بيانها، والضمير راجع لله تعالى .

(ثالثا) : منصوب على الظرفية كما تقدم (فيما انبعث) أي: تحرك وانتشط (له عزمي) هو عقد القلب على إمضاء الأمر (في تحرير) أي: تأليف (كتاب إحياء علوم الدين) فيه أربع إضافات، وفيه براعة الاستهلال .

(وأنتدب) أي: أسارع، يقال: انتدب له إذا أجابه بسرعة، ومنه حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "انتدب الله لمن خرج في سبيله" إلخ، أي: سارع بثوابه وحسن جزائه، أو أجابه إلى غفرانه، أو أوجب تفضلا أن ينجر له ذلك، نقله ابن الأثير .

(لقطع تعجبك رابعا أيها العاذل) أي: اللائم، وقد عذله إذا لامه، والاسم العذل بالتحريك، وقال ابن الأعرابي: العذل الإحراق، فكأن اللائم يحرق بعذله قلب المعذول، (المتغالي) أي: المتجاوز عن الحد (من بين زمرة) طائفة (الجاحدين) المنكرين للحق (المسرف) المبعد في مجاوزة الحد (في التقريع) التعنيف والتوبيخ والعذل، وقيل: هو الإيجاع باللوم، وقيل: هو النصح بين الملإ .

(و) على المعنى الأخير يكون عطف (الإنكار) عليه من باب عطف العام على الخاص (من بين طبقات المنكرين الغافلين) .

[ ص: 56 ] ثم من قوله: أحمد الله إلى هنا خمس سجعات: الأولى: متعلقة بالله تعالى، والثانية: متعلقة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- والثلاثة بعدهما متعلقات بنفسه، الأولى منها في الابتهال إلى الله تعالى، وطلب الخيرة منه، وحسن المعونة، والثنتان في تبكيت الخصم المعاند، وكل واحدة من الثلاثة الأول أشرف مما بعدها، وأشار لذلك بالترتيب والسجع توافق الفاصلتين من النثر على حرف واحد، وفي الجمهرة: هو موالاة الكلام على روي واحد، كقولهم في صفة سجستان: ماؤها وشل، ولصها بطل، وتمرها دقل، إن كثر الجيش بها جاعوا، وإن قلوا ضاعوا، نقله الليث.

وهو على أقسام: مطرف ومرصع ومتواز، فالمطرف: ما اتفقت فاصلتاه في حرف السجع لا في الوزن: كالرمم والأمم، والمرصع: ما وافق جميع ما في الفقرة الثانية أو أكثره بالأولى. والمتوازي: ما روعي في الكلمتين الوزن وحرف السجع، كالقلم والنسم، فتأمل .

وهنا على المصنف مؤاخذتان:

الأولى: أفرد الصلاة عن السلام، وهو مكروه في مذهبه، صرح به غير واحد، منهم الإمام النووي .

والجواب: أن المصنف ممن لا يوافقهم على كراهة الإفراد مطلقا، على أن بعضهم حمل الكراهة هنا على خلاف الأولى; لعدم النهي المخصوص .

وأجاب بعضهم فقال: إنه أراد بالصلاة ما يشمل السلام أيضا، كأن يراد مطلق الإكرام فيكون من عموم المجاز، أو الجمع بين الحقيقة والمجاز، وهذا قد رده بعض المحققين، فقال: هذا لا يظهر إلا إذا لم تكن الصلاة والسلام من الألفاظ المتعبد بها بخصوصها، أما إذا كان منها وهو الأظهر فلا .

وعبارة النووي في الأذكار: إذا صليت على النبي -صلى الله عليه وسلم- فاجمع بين الصلاة والسلام، ولا تقتصر على أحدهما، فلا تقل: صلى الله عليه، ولا: عليه السلام، فقط. اهـ .

والصحيح ما ذكره ابن الجزري في مفتاح الحصن: إن الجمع بين الصلاة والسلام هو الأولى، ولو اقتصر على أحدهما جاز من غير كراهة، وقد جرى عليه جماعة من السلف والخلف، منهم الإمام مسلم في أول صحيحه وهلم جرا; حتى الإمام ولي الله الشاطبي في قصيدته الرائية واللامية .

وأما قول النووي: "وقد نص العلماء على كراهة الاقتصار على الصلاة من غير السلام" فليس كذلك؛ فإني لا أعلم أحدا نص على ذلك من العلماء ولا من غيرهم. اهـ .

الثانية: لم يذكر الصلاة على الآل والأصحاب، وقد قال ابن القيم: المختار الذي عليه المحققون أن الصلاة والسلام على الأنبياء والملائكة وآل النبي وأزواجه وذريته، وأهل الطاعة، على سبيل الإجمال جائز، ويكره في غير الأنبياء لشخص مفرد مفردا بحيث يصير شعارا، ولا سيما إذا ترك في حق مثله، أو أفضل منه، فلو اتفق وقوع ذلك في بعض الأحايين من غير أن يتخذ شعارا لم يكن به بأس عند عامة أهل العلم .

والجواب: أنه أراد من الرسل المعنى الأعم، فدخل فيه الملائكة، وسائر الأنبياء، وجميع أتباعهم من العلماء والأصفياء، فدخل آله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فيهم دخولا أوليا، فتأمل ذلك .

(فلقد حل عن لساني عقدة) اسم لما يعقده العاقد بين الطرفين المفترقين بحيث يشق حلها (الصمت) السكوت، وقيل: طوله، ومنهم من فرق بينهما كما سيأتي في محله، وضم الصاد لغة فيه (وطوقني عهدة الكلام) أي: جعله طوقا في عنقي (وقلادة النطق) القلادة بالكسر اسم لما يشتمل على الشيء ويحيط به، وتطويقها تعليقها شبه الطوق، ومن أشهر الأمثال: حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق .

(ما أنت عليه مثابر) أي: مواظب مداوم وحريص ملازم له (من العمى) المراد هنا ضد البصيرة، وهو الجهل (عن جلية الحق) أي: واضحه ومكشوفه (مع اللجاج) هو التمادي (في) الفساد في الفعل المزجور عنه، الذي هو (نصر الباطل) هو بالإثبات له عند التنفير عنه; لأنه نقيض الحق والحق هو الثابت، ويقال ذلك بالاعتبار إلى المقال والفعال (وتحسين الجهل) أي: تزيينه، والجهل التقدم في الأمور المنبهمة بغير علم، ذكره الحراني، وهو على قسمين بسيط ومركب .

فالبسيط: هو عدم العلم عما من شأنه أن يعلم، والمركب: اعتقاد جازم غير مطابق للواقع .

وقال الراغب والسمين: الجهل ثلاثة:

الأول: خلو النفس من العلم، هذا أصله، وقد جعله بعضهم معنى مقتضيا للأفعال الخارجة عن النظام، كما جعل العلم معنى مقتضيا للأفعال الجارية على النظام .

الثاني: اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه .

الثالث: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل، هبه اعتقد فيه اعتقادا صحيحا [ ص: 57 ] أم فاسدا، كتارك الصلاة عمدا .

والجهل يذكر تارة للذم، وهو الأكثر، وتارة لا له، نحو يحسبهم الجاهل أغنياء أي: لا يعرف حالهم .

ونقل المناوي عن العضد أن الجهل البسيط أصحابه كالأنعام؛ لفقدهم ما به يمتاز الإنسان عنها، بل هم أضل؛ لتوجهها نحو كمالاتها. ويعالج بملازمة العلماء ليظهر له نقصه عند مماراتهم .

والجهل المركب إن قبل العلاج فبملازمة الرياضات ليطعم لذة اليقين، ثم التنبيه على كل مقدمة مقدمة بالتدريج .




الخدمات العلمية