وإنما فضل الصحابة لمشاهدتهم قرائن أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتلاق قلوبهم أمورا أدركت بالقرائن فسددهم ذلك إلى الصواب من حيث لا يدخل في الرواية والعبارة ، إذ فاض عليهم من نور النبوة ما يحرسهم في الأكثر عن الخطأ .
وإذا كان الاعتماد على المسموع من الغير تقليدا غير مرضي فالاعتماد على الكتب والتصانيف أبعد بل الكتب والتصانيف محدثة لم يكن شيء منها في زمن الصحابة وصدر التابعين ، وإنما حدثت بعد سنة مائة وعشرين من الهجرة وبعد وفاة جميع الصحابة وجملة التابعين رضي الله عنهم وبعد وفاة سعيد بن المسيب والحسن وخيار التابعين بل كان الأولون يكرهون كتب الأحاديث وتصنيف الكتب ; لئلا يشتغل الناس بها عن الحفظ وعن القرآن وعن التدبر والتذكر وقالوا : احفظوا كما كنا نحفظ .
ولذلك كره أبو بكر وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم تصحيف القرآن في مصحف وقالوا: كيف نفعل شيئا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وخافوا اتكال الناس على المصاحف وقالوا نترك القرآن يتلقاه بعضهم من بعض بالتلقين والإقراء ليكون هذا شغلهم وهمهم حتى أشار عمر رضي الله عنه وبقية الصحابة بكتب القرآن خوفا من تخاذل الناس وتكاسلهم وحذرا من أن يقع نزاع فلا يوجد أصل يرجع إليه في كلمة أو قراءة من المتشابهات فانشرح صدر أبي بكر رضي الله عنه لذلك فجمع القرآن في مصحف واحد .
وكان أحمد بن حنبل ينكر على مالك في تصنيفه الموطأ ويقول : ابتدع ما لم تفعله الصحابة رضي الله عنهم وقيل : أول كتاب صنف في الإسلام كتاب ابن جريج في الآثار وحروف التفاسير عن مجاهد وعطاء ، وأصحاب ابن عباس رضي الله عنهم بمكة .
ثم كتاب معمر بن راشد الصنعاني باليمن ، جمع فيه سننا مأثورة نبوية ثم كتاب الموطأ بالمدينة لمالك بن أنس ثم جامع سفيان الثوري .


