يبين ذلك:
الوجه الخامس والعشرون
وهو أن الله سبحانه وتعالى قد بين في كتابه أن معارضة مثل هذا فعل الشياطين المعادين للأنبياء.
قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=106اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=107ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=108ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=109وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=110ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون [سورة الأنعام: 106-110] أي وما يشعركم أن الآيات إذا جاءت لا يؤمنون، وأنا نقلب أفئدتهم وأبصارهم، كما لم يؤمنوا به أول مرة.
فقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=110ونقلب أفئدتهم معطوف على قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=109لا يؤمنون ، وكلاهما داخل في معنى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=109وما [ ص: 217 ] يشعركم وبهذا تزول شبهة من لم يفهم الآية، فظن أن (أن) بمعنى (لعل) لتوهمه أن قوله: (ونقلب) فعل مبتدأ، إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=112وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=113ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=115وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم [سورة الأنعام: 112-115] .
ومن تدبر هؤلاء الآيات علم أنها منطبقة على
nindex.php?page=treesubj&link=29613_30172من يعارض كلام الأنبياء بكلام غيرهم بحسب حاله، فإن هؤلاء هم أعداء ما جاءت به الأنبياء.
وأصل العداوة البغض، كما أن أصل الولاية [الحب]. ومن المعلوم أنك لا تجد أحدا ممن يرد نصوص الكتاب والسنة بقوله إلا وهو يبغض ما خالف قوله، ويود أن تلك الآية لم تكن نزلت، وأن ذلك الحديث لم يرد، ولو أمكنه كشط ذلك في المصحف لفعله.
قال بعض السلف: ما ابتدع أحد بدعة إلا خرجت حلاوة الحديث من قلبه.
وقيل عن بعض رؤوس
الجهمية - إما
nindex.php?page=showalam&ids=15211بشر المريسي، أو غيره- :
[ ص: 218 ] إنه قال: ليس شيء أنقض لقولنا من القرآن، فأقروا به في الظاهر، ثم صرفوه بالتأويل.
ويقال: إنه قال: إذا احتجوا عليكم بالحديث فغالطوهم بالتكذيب، وإذا احتجوا بالآيات فغالطوهم بالتأويل.
ولهذا تجد الواحد من هؤلاء لا يحب تبليغ النصوص النبوية، بل قد يختار كتمان ذلك والنهي عن إشاعته وتبليغه، خلافا لما أمر الله به ورسوله من التبليغ عنه.
كما قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650065«ليبلغ الشاهد الغائب» .
وقال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=653202«بلغوا عني ولو آية» .
وقال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=664950«نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه، [ ص: 219 ] فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» .
وقد
nindex.php?page=treesubj&link=27962_32428ذم الله في كتابه الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى، وهؤلاء يختارون كتمان ما أنزله الله، لأنه معارض لما يقولونه، وفيهم جاء الأثر المعروف عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر: قال: إياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن، أعيتهم السنن أن يحفظوها، وتفلتت منهم أن يعوها، وسئلوا فقالوا في الدين برأيهم.
فذكر أنهم أعداء السنن.
يُبَيِّنُ ذَلِكَ:
الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ
وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ مُعَارَضَةَ مِثْلِ هَذَا فِعْلُ الشَّيَاطِينِ الْمُعَادِينَ لِلْأَنْبِيَاءِ.
قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=106اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=107وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=108وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهِ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=109وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=110وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 106-110] أَيْ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّ الْآيَاتِ إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ، وَأَنَّا نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ، كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ.
فَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=110وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=109لا يُؤْمِنُونَ ، وَكِلَاهُمَا دَاخِلٌ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=109وَمَا [ ص: 217 ] يُشْعِرُكُمْ وَبِهَذَا تَزُولُ شُبْهَةُ مَنْ لَمْ يَفْهَمُ الْآيَةَ، فَظَنَّ أَنَّ (أَنَّ) بِمَعْنَى (لَعَلَّ) لِتَوَهُّمِهِ أَنَّ قَوْلَهُ: (وَنُقَلِّبُ) فِعْلُ مُبْتَدَأٍ، إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=112وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=113وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=115وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 112-115] .
وَمَنْ تَدَبَّرَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ عَلِمَ أَنَّهَا مُنْطَبِقَةٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=29613_30172مَنْ يُعَارِضُ كَلَامَ الْأَنْبِيَاءِ بِكَلَامِ غَيْرِهِمْ بِحَسَبِ حَالِهِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ أَعْدَاءُ مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ.
وَأَصْلُ الْعَدَاوَةِ الْبُغْضُ، كَمَا أَنَّ أَصْلَ الْوِلَايَةِ [الْحُبُّ]. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّكَ لَا تَجِدُ أَحَدًا مِمَّنْ يَرُدُّ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِقَوْلِهِ إِلَّا وَهُوَ يُبْغِضُ مَا خَالَفَ قَوْلَهُ، وَيَوَدُّ أَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ، وَأَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ لَمْ يَرِدْ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ كَشْطُ ذَلِكَ فِي الْمُصْحَفِ لَفَعَلَهُ.
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَا ابْتَدَعَ أَحَدٌ بِدْعَةً إِلَّا خَرَجَتْ حَلَاوَةُ الْحَدِيثِ مِنْ قَلْبِهِ.
وَقِيلَ عَنْ بَعْضِ رُؤُوسِ
الْجَهْمِيَّةِ - إِمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=15211بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ، أَوْ غَيْرُهُ- :
[ ص: 218 ] إِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ أَنْقَضَ لِقَوْلِنَا مِنَ الْقُرْآنِ، فَأَقِرُّوا بِهِ فِي الظَّاهِرِ، ثُمَّ صَرِّفُوهُ بِالتَّأْوِيلِ.
وَيُقَالُ: إِنَّهُ قَالَ: إِذَا احْتَجُّوا عَلَيْكُمْ بِالْحَدِيثِ فَغَالِطُوهُمْ بِالتَّكْذِيبِ، وَإِذَا احْتَجُّوا بِالْآيَاتِ فَغَالِطُوهُمْ بِالتَّأْوِيلِ.
وَلِهَذَا تَجِدُ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يُحِبُّ تَبْلِيغَ النُّصُوصِ النَّبَوِيَّةِ، بَلْ قَدْ يَخْتَارُ كِتْمَانَ ذَلِكَ وَالنَّهْيَ عَنْ إِشَاعَتِهِ وَتَبْلِيغِهِ، خِلَافًا لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ مِنَ التَّبْلِيغِ عَنْهُ.
كَمَا قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650065«لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» .
وَقَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=653202«بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» .
وَقَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=664950«نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَبَلَّغَهُ إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ، [ ص: 219 ] فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» .
وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=27962_32428ذَمَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، وَهَؤُلَاءِ يَخْتَارُونَ كِتْمَانَ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ، لِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِمَا يَقُولُونَهُ، وَفِيهِمْ جَاءَ الْأَثَرُ الْمَعْرُوفُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ: قَالَ: إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ، فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ، أَعْيَتْهُمُ السُّنَنُ أَنْ يَحْفَظُوهَا، وَتَفَلَّتَتْ مِنْهُمْ أَنْ يَعُوهَا، وَسُئِلُوا فَقَالُوا فِي الدِّينِ بِرَأْيِهِمْ.
فَذَكَرَ أَنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ.