الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واعلم أنه بالكلام على هذه الحجة التي لهؤلاء المتفلسفة في التوحيد يتبين الكلام على حجتهم الثانية، وهي قولهم: لو كان واجبان لا يشتركان في مسمى الوجوب، وامتاز أحدهما عن الآخر بما يخصه، فكان كل منهما مركبا مما به الاشتراك، ومما به الامتياز، والمركب مفتقر إلى جزئه فلا يكون واجبا.

فإنه يقال لهم: إنما اشتركا في المطلق الذهني، لم يشارك أحدهما الآخر في شيء موجود في الخارج، حتى يكون في ذلك الموجود تركيب، وكل منهما يمتاز عن الآخر بالوجوب الذي يخصه، كما امتاز عنه بحقيقته التي تخصه والوجود الذي يخصه. [ ص: 139 ]

ويقال لهم: هذا كاشتراك الموجود الواجب والموجود الممكن في مسمى الوجود، مع امتياز هذا بما يخصه وهذا بما يخصه، فإن الوجود المشترك الكلي ليس هو ثابتا في الخارج، بل للواجب وجود يخصه، وللممكن وجود يخصه،، كما أن لهذا حقيقة تخصه، ولهذا حقيقة تخصه.

وكذلك إذا قيل: لهذا ماهية تخصه ولهذا ماهية تخصه، فإنهما يشتركان في مسمى الماهية، ويمتاز أحدهما عن الآخر بما يختص به، وإنما اشتركا في المسمى المطلق الكلي، وامتاز كل منهما عن الآخر بالوجود الذي في الخارج، وذلك الموجود في الخارج لا اشتراك فيه، وذلك المطلق الكلي لا امتياز فيه، فما اشتركا فيه لا يكون إلا في الذهن، وما امتازا به هو موجود في الخارج وقد يتصور في الذهن، فإن ما في الخارج يتصور في الذهن، وليس كل ما يتصور في الذهن يكون في الخارج، فلم يكن ما به الاشتراك مفتقرا إلى ما به الامتياز، ولا ما به الامتياز مفتقرا إلى ما به الاشتراك، بل لا شركة في الأعيان الموجودة الجزئيات، ولا امتياز في الكليات المطلقة المعقولات، أعني من حيث تناولها وشمولها لأفرادها، بل تناولها لأفرادها تناول واحد، وشمولها شمول واحد.

وهذا المعنى الواحد الشامل هو كاللفظ الواحد الشامل العام، واشتراك الموجودين في الوجود، أو الواجبين في الوجوب، مع ما بينهما في الخارج من الامتياز والاختصاص، كاشتراك اللونين في اللونية، مع أن هذا في الخارج سواد، وهذا بياض [ ص: 140 ] فإذا قلت: السواد مركب من اللونية والسوادية، كما تقول: الموجود مركب من الحيوانية والناطقية.

قيل لك: أتعني أنه مركب من لونية مطلقة لا تخصه، ومن السوادية التي تخصه، ومن الوجود المطلق الذي لا يخصه، والوجوب الذي يخصه، ومن الحيوانية المطلقة التي لا تخصه، والناطقية التي تخصه؟ أم مركب من نفس لونيته الخاصة وسواديته، ومن نفس وجوده الخاص ووجوبه، ومن الحيوانية التي تخصه وناطقيته؟

فأما الأول فباطل، فإنه ليس فيه شيء مطلق: لا لونية مطلقة ولا حيوانية مطلقة، ولا وجودية مطلقة.

وإن عنيت الثاني، فلونيته الخاصة وسواديته متلازمان، وكذلك حيوانيته الخاصة وناطقيته، وكذلك وجوده الخاص ووجوبه، فكما لا يمكن تقدير هذا اللون المعين - الذي هو سواد - بدون السواد، فلا يمكن تقدير هذا الحيوان المعين الذي هو ناطق بدون النطق]، ولا يمكن تقدير هذا الموجود المعين الذي هو واجب بدون الوجود، فإن هذا الحيوان] هو الحيوان المعين والواجب هو الموجود المعين، ولا يتميز في الخارج سواد من لون، كما لا يتميز ناطق عن حيوان، ولا [ ص: 141 ] وجود عن وجوب، بل الذهن يعقل ما بين هذا السواد وسائر الألوان من المشابهة في اللونية، ويميز بين ذلك وبين ما يعقله بينه وبين سائر السوادات من المشابهة في السوادية، ويضم هذا إلى هذا، وهو تركيب عقلي اعتباري، وكذلك يعقل ما بين هذا الإنسان وغيره من الحيوان من المشابهة في الحيوانية، وما بينه وما بين سائر الأناسي من المشابهة في الإنسانية، ويضم هذا إلى هذا، وهو تركيب عقلي اعتباري.

التالي السابق


الخدمات العلمية