[ ص: 372 ] قاعدة
في الصبر والشكر
[ ص: 374 ] .. ويسمى الليل «كافرا»، كما قال
ثعلبة بن صعير: حتى إذا ألقت يدا في كافر
كما يسمى الزارع «كافرا»؛ لأنه يغطي الزرع بالتراب.
فكان الأمر بالإخراج من الظلمات إلى النور أمرا بالإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان.
قال الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35يهدي الله لنوره من يشاء ، ثم قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور [النور: 35 – 40].
[ ص: 376 ]
فذكر سبحانه مثلين:
* مثل الكفر المركب بالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء وليس كذلك. فهذا مثل الاعتقاد الفاسد.
* والآخر الذي في الظلمات لا يرى شيئا. وهذا مثل الجهل البسيط، كالحيرة والشك والريب الذي لا يعتقد صاحبها شيئا.
فالأول حال البدعة والدين الفاسد، كدين أهل الكتاب بعد التبديل والنسخ.
والثاني حال الزنادقة والمعطلة والمتفلسفة وأمثالهم ممن لم يحصل له علم يعتقده، ومثل كثير من أهل الكلام والنظر الذين لم يحصل لهم إلا الحيرة والشك.
قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا [الشورى: 52].
والكتاب والإيمان نور، وقد سمى الله ذلك نورا في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157واتبعوا النور الذي أنزل معه [الأعراف: 157]، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=15قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين الآية [المائدة: 15]، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=174يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا [النساء: 174]،
[ ص: 377 ] وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=32يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم [التوبة: 32].
وقال تعالى في حق المؤمن والكافر:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=122أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات [الأنعام: 122].
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=28يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به [الحديد: 28]، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور الآية [البقرة: 257]، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=9هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور [الحديد: 9].
وذكر تعالى في سورة الحديد نور النبي والذين آمنوا معه، وأن الله يتم لهم نورهم حين يطفى نور المنافقين.
وذكر أن نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، فيها، وفي سورة التحريم.
وذكر أن المنافقين انطفى نورهم في الدنيا؛ فلهذا انطفى نورهم في الآخرة؛ فإن الجزاء من جنس العمل، كما قال تعالى في حق المنافقين:
[ ص: 378 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17مثلهم كمثل الذي استوقد نارا الآية [البقرة: 17].
وذكر لهم مثلا آخر بالمطر الذي فيه ظلمات ورعد وبرق؛ لأن الله يضرب مثل الإيمان والقرآن بالنار تارة، وبالماء أخرى؛ لأن الماء فيه الحياة والرطوبة، والنار فيها الإشراق والحرارة، وبهذا وهذا يحصل الإيمان في القلب، كما أنه بذلك ينبت الزرع في الأرض. والقلب مشبه بالأرض، قال الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=122أومن كان ميتا فأحييناه الآية [الأنعام: 122]، ولهذا ذكر المثلين في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17أنزل من السماء ماء الآية [الرعد: 17].
فهو سبحانه ذكر أنه أنزل الكتاب ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأمر
موسى بإخراج قومه من الظلمات إلى النور، وأن يذكرهم بأيام الله، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور [إبراهيم: 5]، فإن أيام الله الأزمنة التي أحدث فيها ما أحدث من الآيات، ولهذا قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=6وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون الآية [إبراهيم: 5 – 6].
والبلاء أن
nindex.php?page=treesubj&link=19576يبلو الرب عز وجل عبده بالسراء والضراء، ليختبره ويمتحنه، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=168وبلوناهم بالحسنات والسيئات [الأعراف: 168]، وقال:
[ ص: 379 ] nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35ونبلوكم بالشر والخير فتنة [الأنبياء: 35].
فهذا البلاء العظيم تضمن بلواهم بالضراء أولا، وبالسراء ثانيا، وذلك يستوجب الصبر والشكر، كما قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور .
وقد قال سليمان:
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر الآية [النمل: 40]، هذا بعد أن ذكر قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=19رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه الآية [النمل: 19]، فلما رأى عرش
بلقيس مستقرا عنده قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر الآية.
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=15فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=16وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن [الفجر: 15 – 16]، فأخبر أن ذلك ليس إكراما ولا إهانة، وإنما ابتلاه ليعلم المؤمن الصبور والشكور من غيره.
كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=31ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم [محمد: 31]، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا [الملك: 2].
وذكر تعالى قول
موسى: nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=7وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد [إبراهيم: 7]،
[ ص: 380 ] فبين أن
nindex.php?page=treesubj&link=19607الكفر ضد الشكر، وأن من لم يشكر نعمته فقد كفر؛ فهو من أهل الظلمات، والشاكر من أهل النور، وكذلك قال سليمان:
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم [النمل: 40].
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار [إبراهيم: 34]، فذكر أن الإنسان ظلوم كفار، فلا يشكر نعمه التي لا تحصى.
فبين أن
nindex.php?page=treesubj&link=19607الشكر من النور والإيمان، وضده من الظلمة والكفر، وذلك لأن الشكر أصله هو الاعتراف بإنعام المنعم على وجه الخضوع، فمن لم يعرف النعمة بل كان جاهلا لها فهو في ظلمة الجهل، ومن عرفها ولم يعرف المنعم بها كان كذلك، ومن عرف النعمة والمنعم بها لكن جحدها كما يجحد المتكبر نعمة المنعم عليه فقد كفرها، وإن أقر بها واعترف بها فهو أول الشكر.
فلا بد في ذلك من علم القلب وعمل يتبع العلم، وهو الميل إلى المنعم ومحبته والخضوع له، كما في الحديث الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=75شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=655831«سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي». [ ص: 381 ]
فإن قوله:
nindex.php?page=hadith&LINKID=655831«أبوء لك بنعمتك علي» يتضمن الإقرار والإنابة إلى الله بالعبودية؛ لأن المباءة هي ما يبوء إليها الشخص، أي يرجع إليها رجوع مستقر؛ فإن المباءة هي المستقر، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=692349«من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»، أي ليتخذ مقعده مباءة، فيلزمه ويستقر فيه، ليس بمنزلة المنزل الذي ينزل به ويرحل عنه.
فالعبد يبوء إلى الله عز وجل بنعمه عليه، ويبوء بذنبه، فرجع إليه بالاعتراف بهذا وبهذا رجوع مطمئن إلى ربه منيب إليه، ليس رجوع من أقبل إليه ثم أعرض عنه، بل رجوع من لا يعرض عن ربه، بل لا يزال مقبلا عليه؛ إذ كان لا بد له منه، فهو معبوده، وهو مستعانه، لا صلاح له إلا بعبادته، وإن لم يكن معبوده هلك وفسد، ولا يمكن أن يعبده إلا بإعانته له، فلا مندوحة له عن هذا وهذا البتة.
وفي الحديث:
nindex.php?page=hadith&LINKID=691945«مثل المؤمن مثل الفرس في آخيته، يجول ثم يرجع إلى آخيته، كذلك المؤمن يجول ثم يرجع إلى الإيمان».
فقوله: «أبوء» يتضمن أني وإن جلت كما يجول الفرس -إما بالذنب، وإما بالتقصير في الشكر- فإني راجع منيب أواب، أبوء لك بنعمتك علي
[ ص: 382 ] وأبوء بذنبي.
وذكر النعمة والذنب لأن العبد دائما بين نعمة من ربه، وذنب من نفسه، كما في الحكاية المعروفة عن الرجل الذي كان في زمن الحسن البصري لما ذكر للحسن أمره، فسأله الحسن: فقال له: إني أجدني بين نعمة وذنب، فأريد أن أحدث للنعمة شكرا، وللذنب استغفارا، فقال الحسن: أنت عندي أفقه من الحسن.
وذلك أن الخير كله من الله، كما قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53وما بكم من نعمة فمن الله [النحل: 53]، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=8فضلا من الله ونعمة [الحجرات: 7 – 8]، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17يمنون عليك أن أسلموا الآية [الحجرات: 17].
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صراط الذين أنعمت عليهم [الفاتحة: 6 – 7]، والذين أنعم عليهم هم المذكورون في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الآية: [النساء: 69].
فالخير كله، والنعم كلها -من نعم الدنيا، ونعم الدين من الإيمان والعمل الصالح- وثواب ذلك كله من نعم الله ومنه على عبده.
[ ص: 383 ]
[ ص: 372 ] قَاعِدَةٌ
فِي الصَّبْرِ وَالشُّكْرِ
[ ص: 374 ] .. وَيُسَمَّى اللَّيْلُ «كَافِرًا»، كَمَا قَالَ
ثَعْلَبَةُ بْنُ صُعَيْرٍ: حَتَّى إِذَا أَلْقَتْ يَدًا فِي كَافِرٍ
كَمَا يُسَمَّى الزَّارِعُ «كَافِرًا»؛ لِأَنَّهُ يُغَطِّي الزَّرْعَ بِالتُّرَابِ.
فَكَانَ الْأَمْرُ بِالْإِخْرَاجِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ أَمْرًا بِالْإِخْرَاجِ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=35يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ، ثُمَّ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النُّورُ: 35 – 40].
[ ص: 376 ]
فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَثَلَيْنِ:
* مَثَلَ الْكُفْرِ الْمُرَكَّبِ بِالسَّرَابِ الَّذِي يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَهَذَا مَثَلُ الِاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ.
* وَالْآخَرُ الَّذِي فِي الظُّلُمَاتِ لَا يَرَى شَيْئًا. وَهَذَا مَثَلُ الْجَهْلِ الْبَسِيطِ، كَالْحَيْرَةِ وَالشَّكِّ وَالرَّيْبِ الَّذِي لَا يَعْتَقِدُ صَاحِبُهَا شَيْئًا.
فَالْأَوَّلُ حَالُ الْبِدْعَةِ وَالدِّينِ الْفَاسِدِ، كَدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْدَ التَّبْدِيلِ وَالنَّسْخِ.
وَالثَّانِي حَالُ الزَّنَادِقَةِ وَالْمُعَطِّلَةِ وَالْمُتَفَلْسِفَةِ وَأَمْثَالِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ عِلْمٌ يَعْتَقِدُهُ، وَمِثْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالنَّظَرِ الَّذِينَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ إِلَّا الْحَيْرَةُ وَالشَّكُّ.
قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مِنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشُّورَى: 52].
وَالْكِتَابُ وَالْإِيمَانُ نُورٌ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهَ ذَلِكَ نُورًا فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ [الْأَعْرَافُ: 157]، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=15قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ الْآيَةَ [الْمَائِدَةُ: 15]، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=174يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا [النِّسَاءُ: 174]،
[ ص: 377 ] وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=32يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ [التَّوْبَةُ: 32].
وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=122أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ [الْأَنْعَامُ: 122].
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=28يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ [الْحَدِيدُ: 28]، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ الْآيَةَ [الْبَقَرَةُ: 257]، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=9هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الْحَدِيدُ: 9].
وَذَكَرَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ نُورَ النَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَأَنَّ اللَّهَ يُتِمُّ لَهُمْ نُورَهُمْ حِينَ يَطْفَى نُورُ الْمُنَافِقِينَ.
وَذَكَرَ أَنَّ نُورَهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ، فِيهَا، وَفِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ.
وَذَكَرَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ انْطَفَى نُورُهُمْ فِي الدُّنْيَا؛ فَلِهَذَا انْطَفَى نُورُهُمْ فِي الْآخِرَةِ؛ فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ:
[ ص: 378 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا الْآيَةَ [الْبَقَرَةُ: 17].
وَذَكَرَ لَهُمْ مَثَلًا آخَرَ بِالْمَطَرِ الَّذِي فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَضْرِبُ مَثَلَ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ بِالنَّارِ تَارَةً، وَبِالْمَاءِ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِيهِ الْحَيَاةُ وَالرُّطُوبَةُ، وَالنَّارَ فِيهَا الْإِشْرَاقُ وَالْحَرَارَةُ، وَبِهَذَا وَهَذَا يَحْصُلُ الْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ، كَمَا أَنَّهُ بِذَلِكَ يَنْبُتُ الزَّرْعُ فِي الْأَرْضِ. وَالْقَلْبُ مُشَبَّهٌ بِالْأَرْضِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=122أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ الْآيَةَ [الْأَنْعَامُ: 122]، وَلِهَذَا ذَكَرَ الْمَثَلَيْنِ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً الْآيَةَ [الرَّعْدُ: 17].
فَهُوَ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْكِتَابَ لِيُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَأَمَرَ
مُوسَى بِإِخْرَاجِ قَوْمِهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَأَنْ يُذَكِّرَهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إِبْرَاهِيمُ: 5]، فَإِنَّ أَيَّامَ اللَّهِ الْأَزْمِنَةُ الَّتِي أَحْدَثَ فِيهَا مَا أَحْدَثَ مِنَ الْآيَاتِ، وَلِهَذَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=6وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ الْآيَةَ [إِبْرَاهِيمُ: 5 – 6].
وَالْبَلَاءُ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19576يَبْلُوَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدَهُ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، لِيَخْتَبِرَهُ وَيَمْتَحِنَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=168وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ [الْأَعْرَافُ: 168]، وَقَالَ:
[ ص: 379 ] nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=35وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الْأَنْبِيَاءُ: 35].
فَهَذَا الْبَلَاءُ الْعَظِيمُ تَضَمَّنَ بَلْوَاهُمْ بِالضَّرَّاءِ أَوَّلًا، وَبِالسَّرَّاءِ ثَانِيًا، وَذَلِكَ يَسْتَوْجِبُ الصَّبْرَ وَالشُّكْرَ، كَمَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=5إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ .
وَقَدْ قَالَ سُلَيْمَانُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ الْآيَةَ [النَّمْلُ: 40]، هَذَا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=19رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ الْآيَةَ [النَّمْلُ: 19]، فَلَمَّا رَأَى عَرْشَ
بِلْقِيسَ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ الْآيَةَ.
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=15فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=16وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ [الْفَجْرُ: 15 – 16]، فَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إِكْرَامًا وَلَا إِهَانَةً، وَإِنَّمَا ابْتَلَاهُ لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنَ الصَّبُورَ وَالشَّكُورَ مِنْ غَيْرِهِ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=31وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [مُحَمَّدٌ: 31]، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا [الْمُلْكُ: 2].
وَذَكَرَ تَعَالَى قَوْلَ
مُوسَى: nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=7وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إِبْرَاهِيمُ: 7]،
[ ص: 380 ] فَبَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19607الْكُفْرَ ضِدُّ الشُّكْرِ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَشْكُرْ نِعْمَتَهُ فَقَدْ كَفَرَ؛ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الظُّلُمَاتِ، وَالشَّاكِرُ مِنْ أَهْلِ النُّورِ، وَكَذَلِكَ قَالَ سُلَيْمَانُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النَّمْلُ: 40].
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إِبْرَاهِيمُ: 34]، فَذَكَرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ ظَلُومٌ كَفَّارٌ، فَلَا يَشْكُرُ نِعَمَهُ الَّتِي لَا تُحْصَى.
فَبَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19607الشُّكْرَ مِنَ النُّورِ وَالْإِيمَانِ، وَضِدُّهُ مِنَ الظُّلْمَةِ وَالْكَفْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشُّكْرَ أَصْلُهُ هُوَ الِاعْتِرَافُ بِإِنْعَامِ الْمُنْعِمِ عَلَى وَجْهِ الْخُضُوعِ، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ النِّعْمَةَ بَلْ كَانَ جَاهِلًا لَهَا فَهُوَ فِي ظُلْمَةِ الْجَهْلِ، وَمَنْ عَرَفَهَا وَلَمْ يَعْرِفِ الْمُنْعِمَ بِهَا كَانَ كَذَلِكَ، وَمَنْ عَرَفَ النِّعْمَةَ وَالْمُنْعِمَ بِهَا لَكِنْ جَحَدَهَا كَمَا يَجْحَدُ الْمُتَكَبِّرُ نِعْمَةَ الْمُنْعِمِ عَلَيْهِ فَقَدَ كَفَرَهَا، وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا وَاعْتَرَفَ بِهَا فَهُوَ أَوَّلُ الشُّكْرِ.
فَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ الْقَلْبِ وَعَمَلٍ يَتْبَعُ الْعِلْمَ، وَهُوَ الْمَيْلُ إِلَى الْمُنْعِمِ وَمَحَبَّتُهُ وَالْخُضُوعُ لَهُ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=75شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=655831«سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي». [ ص: 381 ]
فَإِنَّ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=655831«أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ» يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنَابَةَ إِلَى اللَّهِ بِالْعُبُودِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَبَاءَةَ هِيَ مَا يَبُوءُ إِلَيْهَا الشَّخْصُ، أَيْ يَرْجِعُ إِلَيْهَا رُجُوعَ مُسْتَقِرٍّ؛ فَإِنَّ الْمَبَاءَةَ هِيَ الْمُسْتَقَرُّ، وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=692349«مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»، أَيْ لِيَتَّخِذْ مَقْعَدَهُ مَبَاءَةً، فَيَلْزَمْهُ وَيَسْتَقِرَّ فِيهِ، لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْزِلِ الَّذِي يَنْزِلُ بِهِ وَيَرْحَلُ عَنْهُ.
فَالْعَبْدُ يَبُوءُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِنِعَمِهِ عَلَيْهِ، وَيَبُوءُ بِذَنْبِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ بِالِاعْتِرَافِ بِهَذَا وَبِهَذَا رُجُوعَ مُطْمَئِنٍّ إِلَى رَبِّهِ مُنِيبٍ إِلَيْهِ، لَيْسَ رُجُوعَ مَنْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ، بَلْ رُجُوعَ مَنْ لَا يُعْرِضُ عَنْ رَبِّهِ، بَلْ لَا يَزَالُ مُقْبِلًا عَلَيْهِ؛ إِذْ كَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، فَهُوَ مَعْبُودُهُ، وَهُوَ مُسْتَعَانُهُ، لَا صَلَاحَ لَهُ إِلَّا بِعِبَادَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْبُودَهُ هَلَكَ وَفَسَدَ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْبُدَهُ إِلَّا بِإِعَانَتِهِ لَهُ، فَلَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَنْ هَذَا وَهَذَا الْبَتَّةَ.
وَفِي الْحَدِيثِ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=691945«مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ الْفَرَسِ فِي آخِيَّتِهِ، يَجُولُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى آخِيَّتِهِ، كَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ يَجُولُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْإِيمَانِ».
فَقَوْلُهُ: «أَبُوءُ» يَتَضَمَّنُ أَنِّي وَإِنْ جُلْتُ كَمَا يَجُولُ الْفَرَسُ -إِمَّا بِالذَّنْبِ، وَإِمَّا بِالتَّقْصِيرِ فِي الشُّكْرِ- فَإِنِّي رَاجِعٌ مُنِيبٌ أَوَّابٌ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ
[ ص: 382 ] وَأَبُوءُ بِذَنْبِي.
وَذَكَرَ النِّعْمَةَ وَالذَّنْبَ لِأَنَّ الْعَبْدَ دَائِمًا بَيْنَ نِعْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ، وَذَنْبٍ مِنْ نَفْسِهِ، كَمَا فِي الْحِكَايَةِ الْمَعْرُوفَةِ عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لَمَّا ذُكِرَ لِلْحَسَنِ أَمْرُهُ، فَسَأَلَهُ الْحَسَنُ: فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أَجِدُنِي بَيْنَ نِعْمَةٍ وَذَنْبٍ، فَأُرِيدُ أَنْ أُحْدِثَ لِلنِّعْمَةِ شُكْرًا، وَلِلذَّنْبِ اسْتِغْفَارًا، فَقَالَ الْحَسَنُ: أَنْتَ عِنْدِي أَفْقَهُ مِنَ الْحَسَنِ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ مِنَ اللَّهِ، كَمَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النَّحْلُ: 53]، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=7وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=8فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً [الْحُجُرَاتُ: 7 – 8]، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا الْآيَةَ [الْحُجُرَاتُ: 17].
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الْفَاتِحَةُ: 6 – 7]، وَالَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ الْآيَةَ: [النِّسَاءُ: 69].
فَالْخَيْرُ كُلُّهُ، وَالنِّعَمُ كُلُّهَا -مِنْ نِعَمِ الدُّنْيَا، وَنِعَمِ الدِّينِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ- وَثَوَابُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ وَمَنِّهِ عَلَى عَبْدِهِ.
[ ص: 383 ]